الظروف المعيشية والاجتماعية قللت من تواصل السوريين خلال العيد
دمشق- إلهام عثمان:
الأعياد فرصة مميزة لتجديد الروابط الاجتماعية وتقوية العلاقات العائلية، ألا أنه وللأسف، يكشف أيضاً عن التقصير في صلة الأرحام والتواصل الاجتماعي بين الأفراد، بعضهم من له مبرراته المقبولة والمنطقية ومنهم من يختلق أعذاراً يغطي بها تقصيره في صلة أرحامهم.
أم فراس سبعينية وحيدة، تشرح لـ”تشرين” أنها أمضت العيد ولم يطرق بابها أي أحد من الجيران ولا حتى الأقارب، وتقول حزينة: (زمن أول تحول)، سابقاً عندما كان زوجي على قيد الحياة كان أقاربنا لا ينفكون بالسؤال والتودد، خاصة أن زوجي كان دائم السؤال عنهم، أما الآن فلم يتذكرني أحد منهم ولو باتصال هاتفي.
بينما أبو شاهين يبلغ ٦٧ عاماً من العمر، يقول: اشتريت منزلاً جديداً منذ قرابة ٧ أشهر، ولم يزرني أحد من الجيران، وتوقعت أن يأتي أحد من الجيران للمعايدة مستغلين فرصة العيد، إلا أنه للأسف لم يحدث ما كنت أتمناه، مضيفاً: لدي ثلاثة أبناء خارج البلد ولا تواصل معهم إلا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وفي فترات متقطعة، بينما ابنتي المتزوجة في ضواحي الشام لا أراها إلا في المناسبات، وهذا العيد لم تزرني ربما بسبب الأوضاع المادية الصعبة.
أسباب منطقية
الخبير الاجتماعي أدهم موسى يفسر لـ”تشرين” أن ذلك التقصير، قد تكون له أسباب منطقية وواقعية تعزا للظروف الاجتماعية والاقتصادية أيضاً، والتي استباحت حتى المناسبات الدينية التي كانت هي التي تقوي وتعزز التواصل الجيد بين الأهل والأقارب، وبسبب تلك الأعياد قد ينسى الأهل أو الجيران الخلافات التي قد نشأت فيما بينهم لسبب ما، ويضيف: أيضاً لا ننسى أن الأوضاع الاجتماعية تغيرت برمتها فبات الأشخاص يقتصرون الأشياء والحاجات على الضروريات المهمة، مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية والمالية وغلاء المواصلات في سورية جعل منها سبباً مُلحاً في ظهور التقصير في صلة الأرحام، وتراجع الاتصال الاجتماعي بين الأفراد، هذه الظروف الصعبة قد تجعل الأفراد يركزون أكثر على “مشاكلهم الشخصية والاقتصادية”، وقد يضطرون للانعزال عن المجتمع نتيجة لضغوط الحياة اليومية.
غلاء المعيشة
كما لفت موسى إلى أن لغلاء المعيشة وارتفاع تكاليف المواصلات الدور الأكبر في ذلك التقصير، فيقول: على سبيل المثال “إذا أرادت عائلة صغيرة مكونة من ٤ أشخاص زيارة ٣ أسر من أقاربهم في اليوم الواحد من العيد، مستخدمين المواصلات العامة لذلك، وضمن أسوار الشام، ستضطر العائلة الواحدة لدفع ٧٥ ألف ليرة كحد أدنى فقط للمواصلات، عدا الهدايا والعيديات وتكاليف أخرى، ما جعل الكثير منهم يعيدون النظر قبل تخطيهم أبواب منازلهم، ما قد يؤدي إلى تقليل القدرة على الاجتماع والتواصل مع الأهل والأصدقاء، ما نتج عنه قلة صلة الأرحام وروابط المجتمع المحلي بشكل عام واختصار بعضهم لتلك الزيارات على المكالمات الهاتفية فقط.
مقترحات ربما صائبة
وبين موسى أنه من الضروري أن نفهم تلك الصعوبات ونحاول العمل على تجاوزها بشكل مشترك، وأن نعمل على تعزيز التفاهم والتضامن بين أفراد المجتمع، رغم التحديات التي نواجهها بشكل عام، فالحال واحد وفق رأيه، لكن علينا أن نعمل معاً لتجاوز هذه الصعوبات وإعادة بناء الروابط الاجتماعية المهمة لنا جميعاً.
حلول
ونوه موسى إلى أنه رغم الظروف الحياتية الصعبة على معظمنا، إلا أنه يمكن للأفراد تخصيص بعض من الوقت للتواصل مع أفراد العائلة والأصدقاء والجيران ربما، سواء عبر الاتصالات عن بعد أو بالتجمع معاً في الأوقات المناسبة وربما برسالة تقول ( كل عام وانتم بخير)، ويشدد على أنه لا بد من أن نتفهم ظروف بعضنا بعضاً -حسب رأيه- لذا يجب على الأفراد التعامل بروح التفهم والاحترام، والتعامل بلطف وصدق في جميع العلاقات، وأنه يجب العمل على زيادة الوعي بأهمية الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية وتقويتها بشكل دائم ولو بأقل التكاليف والطرق “لجبر الخواطر وخاصة الوالدان وتقوية صلة الرحم” دائماً، وليس فقط في أوقات الاحتفالات المعينة، ولو بأبسط تلك الطرق، ولنقل “عبر اتصال هاتفي”، ويضيف موسى: ربما يكون من الضروري تبني سلوكيات إيجابية تجاه الآخرين وممارسة الصدق والاهتمام بشكل يومي، وليس فقط في المناسبات الخاصة، مشدداً على أن الاستمرار في بناء وتعزيز العلاقات الاجتماعية قاعدة أساسية لتحقيق المجتمعات الصحية والمزدهرة.
باختصار، وحسب رأي موسى يجب علينا استغلال فترة العيد لإعادة تقييم وترميم علاقاتنا الاجتماعية، والعمل على تعزيزها وتوطيدها بشكل دائم، حتى نحافظ على روابطنا الاجتماعية ونمنحها الاهتمام والاحترام الذي تستحقه.