تداعيات انتهاء حقبة البترو دولار على الاقتصاد العالمي..!
أعلنت المملكة العربية السعودية قرارات مهمة وتحديداً في الحقل الاقتصادي تتناسب مع تغيرات القوة الاقتصادية على الساحة العالمية وتشكيل نظام عالمي جديد بديل عن هيمنة القطب الأمريكي الواحد الذي تشكل بعد اتفاقية (بريتون وودز ) سنة /1944/، حيث كان الدولار سيد العملات وحل محل الذهب، فهل تفعل الخطوة نفسها مجموعة البريكس وشنغهاي والدول العربية وفنزويلا وإيران وتوسع دائرة التعامل بالعملات، ما يؤدي إلى تقليل هيمنة الدولار بما يتناسب مع تغير (الخارطة الجيوسياسية – الاقتصادية) الدولية.
الخطوات السعودية تجلت بإجراءات نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، المساهمة في توسيع منظمة أوبك لتتحول إلى أوبك بلاس+ بانضمام دول جديدة وخاصة انضمام السعودية إلى منظمة بريكس من تاريخ 1/1/2024، علماً أن البريكس تجاوزت الدول السبع الصناعية لأول مرة في ناتجها الإجمالي GDP لسنة 2023 بنسبة /33،7%/ من الناتج العالمي متجاوزة السبع الصناعية/31،7%/، وأعتقد أن السعودية بطريقها للانضمام إلى منظمة شنغهاي وخاصة أنها المصدّر الثاني للنفط إلى الصين بعد روسيا، علماً أن الصين أكبر دولة مستورة للنفط، حيث تستورد أكثر من /12/ مليون برميل يومياً من ( روسيا – السعودية – العراق – ماليزيا – الإمارات – سلطنة عمان ..الخ )- التأقلم مع المتغيرات الدولية وتنويع سلة عملاتها من العملات العالمية المتداولة والبالغة بحدود /180/ عملة وبما يتناسب مع المصلحة السعودية – انضمامها إلى مشروع (إم بريدج) للتعامل بالعملات الرقمية والذي يضم ( الصين وهونغ كونغ وتايلاند والإمارات) – إنهاء العمل باتفاقية (البترو دولار) والبدء بتسويق نفطها بعملات أخرى وخاصة اليوان الصيني وغيره.. إلخ.
إن تغيرات القوة الاقتصادية ترافقت مع تغيرات في انسياب السلع العالمية والتعامل بالعملات الدولية – وهذا يؤدي إلى تراجع الطلب على الدولار الأمريكي وبالتالي انخفاض قيمته وارتفاع الأسعار في أمريكا وزيادة معدلات التضخم ومعدلات الفائدة وتراجع الطلب على سندات الخزينة الأمريكية أي سيطرة حالة (عدم اليقين)، وبرأينا فإن إنهاء العمل باتفاقية (البترو دولار ) الموقعة بتاريخ 8/6/1974 ومن قبل لجنة (أمريكية -سعودية) مشتركة وكان من اهم قراراتها، ربط عملية تسويق النفط بالدولار أي الانتقال من ربط الدولار بالذهب الأصفر الذي كان من نتائج بريتون وودز، ولكن ألغى العمل به الرئيس الأمريكي (جيرالد نيكسون) بتاريخ 15/8/1971، وهذه كانت أكبر فضيحة خرق نقدي في العالم ومخالفة للاتفاق مع /44/ دولة حضرت مؤتمر بريتون وودز، والبترو دولار ربط تسويق النفط (بالذهب الأسود) ونتج عن هذا توجه الدول إلى الاستمرار بربط عملاتها بالدولار رغم إلغاء (الدولار الذهبي) بموجب قرار ( نيكسون ) وتوجد /65/ دولة تربط عملتها بشكل كامل مع الدولار وبعضها يعتمد أسلوب (الدولرة) أي إحلال الدولار محل العملة الوطنية.
إن إلغاء العمل باتفاقية ( بترو دولار ) سيكون له تأثيره المباشر على الأسواق العالمية إذا اتخذت دول ومجموعات ومنظمات أخرى الخطوة نفسها، ومصلحة هذه الدول تتحقق من خلال تراجع الهيمنة الأمريكية ودولارها وبالتالي انخفاض حدة وتأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الدول الأخرى، وتراجع تأثير الليبرالية المتوحشة، علماً أن وزارة الخزانة الأميركية وباحثين اقتصاديين معروفين عالمياً مثل ( مايكل هارتنت -راندال فوريست) وغيرهما.. أشاروا إلى أن العقوبات المالية الأمريكية تهدد الدور المركزي للدولار والنظام المالي الأميركي وقد يواجه مصير (الجنيه الإسترليني) منذ /100/ عام ليصبح لعنة على أمريكا – والتأثير على الاحتياطيات النقدية الدولارية في العالم ومن خلالها التأثير على الفعالية الاقتصادية بما ينسجم مع الأهداف الأمريكية – تراجع تأثير منظومة السويفت المالية الدولية Swift الخاضعة للإدارة الأمريكية – تراجع الثقة بقيادة الاقتصاد الأمريكي للاقتصاد العالمي وخاصة بعد أن خفضت وكالتا التصنيف الائتماني (فيتش) و
(موديز ) سنة /2023 / من “إيه إيه إيه” إلى “إيه إيه +” ) بسبب زيادة الديون والعجز في الموازنة وميزان المدفوعات وغيرهما من المؤشرات الاقتصادية – تراجع التأثير الأمريكي على السيولة النقدية الدولية وأسعار الفائدة ما يؤثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي..إلخ.
فهل نشهد مناطق نقدية جديدة مثل (بترو يوان – بترو روبل ) ويساعد في ذلك أن تسوق روسيا نفطها خارج منطقة الدولار ، وأن يصبح اليوان الصيني معتمداً في صندوق النقد الدولي (حقوق السحب الخاصة ) وأن بورصة (شنغهاي الدولية للطاقة) من البورصات الدولية الفاعلة في السوق المالية العالمية، حيث توقع عقود نفطية بالعملة الصينية المضمونة بالذهب إضافة إلى التوسع التعامل بسلة العملات الرقمية ؟!، المستقبل كفيل بإعطاء الإجابات الدقيقة عن هذه الأسئلة الكبيرة ونعتقد أن هذا سيحصل.