ما بين «الحفرة» و«البئر».. أكبر كوابيس أميركا وكيانها على جبهة الشمال قد تتحول واقعاً.. هوكشتاين إلى المنطقة اليوم في زيارة منزوعة المفعول
تشرين – مها سلطان:
لا يجادل اثنان في أن ميدان الحرب بدأ ينتقل بصورة متسارعة ومتسعة من الجنوب (قطاع غزة) إلى الشمال (جنوب لبنان).. فإذا ما افترضنا أن «الهدنة التكتيكية» التي أعلنها جيش الكيان الإسرائيلي في جنوب القطاع هي نوع من تجميد لـ«نصف الحرب» الإسرائيلية على قطاع غزة، فإن هذا النصف سينتقل حكماً إلى الشمال.
على أن جبهة الشمال واندلاع حرب مباشرة محتملة، ليس هما ما يؤرق الكيان الإسرائيلي (والولايات المتحدة الأميركية بطبيعة الحال) بصورة أساسية، بل ما يؤرقه هو احتمال انضمام قوى إقليمية إليها اسناداً للمقاومة اللبنانية/حزب الله.. وغير خاف على أحد أن التركيز هو على إيران خصوصاً، فإذا ما أخذنا في الاعتبار تصريحات «الحفرة والبئر» التي أطلقها وزير الخارجية الإيراني بالإنابة، علي باقري كني، خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، فإن الكيان الإسرائيلي يجد نفسه محكوماً – بصورة لا فكاك منها – بسؤال مركزي: «هل تنضم إيران إلى حزب الله في حرب شاملة مع إسرائيل»، وبالتالي على الكيان التفكير مليون مرة قبل أن يتقدم خطوة واحدة باتجاه الحرب شمالاً، علماً أنه يهدد بها بصورة يومية، وبصوت يتعمد أن يكون مسموعاً في المنطقة وصولاً إلى واشنطن التي توفد مجدداً كبير مستشاري البيت الأبيض، عاموس هوكشتاين، إلى المنطقة اليوم الإثنين في زيارة تبدأ من الكيان الإسرائيلي ثم لبنان، وربما دول أخرى.
جبهة الشمال ليست هي ما يؤرق أميركا وكيانها وإنما احتمال انضمام قوى إقليمية في حال ذهب الكيان باتجاه حرب شاملة مع لبنان وغير خاف هنا أن التركيز ينصب على إيران
ويبدو أن الكيان قرأ تصريحات باقري كني على أنها إجابة عن ذلك السؤال، بمعنى الانضمام إلى الحرب، بينما ليس هناك تعليق إيراني مباشر، باستثناء الرسائل غير المباشرة التي تتضمنها التصريحات المتتالية، إلى جانب الردع المضاعف الذي تحققه المقاومة اللبنانية بمواجهة الكيان حتى إنها باتت حاكمة فعلية للشمال، حسب توصيف مستوطني الشمال.
حتمية الانتقال إلى الشمال
السؤال إياه حول إيران يطرحه الإعلام الإسرائيلي بصورة مكثفة مؤخراً، في ظل حتمية انتقال الحرب من الجنوب إلى الشمال، معتبراً أن زيارة هوكشتاين مصيرها الفشل، لأن «حزب الله لن يتنازل عن شرطه الأول والرئيسي بوقف الحرب ضد غزة مقابل وقف النار في الشمال»، حسب صحيفة «هآرتس» في مقالها الرئيسي اليوم الإثنين.. وقالت: إن الاتفاق مع لبنان، أي حزب الله، يمر عن طريق غزة، ولا يوجد شيء آخر غير ذلك.. (وزيارة هوكشتاين على جدولها بند وحيد هو التوصل إلى اتفاق بين الجانبين يمنع تدحرج التصعيد إلى حرب شاملة.. ويشار هنا إلى أن هوكشتاين إسرائيلي المولد وسبق له أن خدم في جيش الكيان).
الكيان يتعمد إطلاق تهديداته ضد لبنان بصوت مسموع في المنطقة وصولاً إلى واشنطن التي ترسل مجدداً كبير مستشاريها عاموس هوكشتاين إلى المنطقة في زيارة «عقيمة المفعول»
أما صحيفة «يديعوت أحرونوت» فرأت أن غزة تتحول إلى «ثقب أسود» يجذب أخطر القوى إلى «إسرائبل»، وهذا من شأنه أن يستمر في التسبب بأضرار دبلوماسية هائلة، بما في ذلك التوتر مع أميركا وإرهاق الجيش الإسرائيلي.
وأعادت «يديعوت أحرونوت» طرح السؤال ذاته: «هل تنضم إيران إلى حزب الله؟»، معتبرة أن أسوأ ما في الأمر هو أن الكيان وأميركا ليست لديهما خطة متماسكة، «ففي الوقت الذي يريد فيه البيت الأبيض أن تتوقف الحرب، أصبح كل شيء آخر ثانوياً، هذه ليست رؤية قوة عظمى نحو تحقيق تقدم».
وتضيف الصحيفة الإسرائيلية: بعد دعم واشنطن لإسرائيل على مدار سبعة أشهر- وهي فترة أطول من أي حرب إسرائيلية أخرى في الماضي- أصبحت لدى بايدن اعتباراته السياسية الخاصة، كما أصبحت المشكلة الأكثر حدة وهي أن الولايات المتحدة، بغض النظر عن الانتخابات، ليست لديها استراتيجية طويلة المدى للتعامل مع إيران وحلفائها الإقليميين.
التصعيد أوسع نطاقاً
وحول إيران، ترى الصحيفة إنه «إذا كان من المفترض حتى الآن أن حزب الله سينضم إذا هاجمنا إيران، فثمة استنتاج هو أن إيران ستنضم إذا هاجمنا حزب الله بعمق»، مضيفة: إن هناك تحديات أخرى لا بد من أخذها في الاعتبار وهي التقارير «التي تفيد بأن الولايات المتحدة تواصل تأخير وصول الذخائر إلى إسرائيل حتى الآن وهي ذخائر ضرورية للحرب في الشمال».
المقاومة اللبنانية باتت الحاكم الفعلي للشمال.. وغزة تحولت إلى «ثقب أسود» بأضرار هائلة على الكيان.. وأميركا بلا استراتيجية فيما يخص غزة ولبنان
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن صباح اليوم أنه اعترض طائرة مسيّرة قرب مدينة عكا (شمال) أطلقت من لبنان، وزعم أن حزب الله هو من يدفع الكيان نحو «تصعيد أوسع نطاقاً»، مهدداً بأن ذلك ستكون له عواقب مدمرة على لبنان والمنطقة.
وكانت تقارير إسرائيلية قد كشفت، يوم الجمعة الماضي، أن قادة الجيش الإسرائيلي أوصوا بإنهاء الحملة العسكرية في رفح مبكراً من أجل التفرغ للجبهة اللبنانية، وذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن قادة الجيش الإسرائيلي أبلغوا القادة السياسيين بهذه التوصية، خلال اجتماع مجلس الحرب، في وقت متأخر من مساء الخميس الماضي، وأضافت القناة: إن قيادة الجبهة الشمالية بالجيش الإسرائيلي تركز في الوقت الحالي على الأهداف التي من شأنها أن تقلل من قدرات حزب الله الهجومية.
زيارة هوكشتاين
على هذه التطورات، من المقرر أن يصل هوكشتاين اليوم إلى الكيان، وحسب موقع «أكسيوس» الأميركي فإن هوكشتاين سيلتقي نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت «لبحث سبل تهدئة حدة التوتر في الشمال، وأنه قد يذهب إلى بيروت لإجراء المحادثات نفسها مع المسؤولين اللبنانيين».
ووفقاً للموقع الأميركي فإن منع التصعيد بين الكيان ولبنان تحول إلى أولوية ملحة لإدارة الرئيس جو بايدن، وتراجع إلى المرتبة الثانية اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
ميدان غزة
بالتزامن وفيما لاتزال «الهدنة التكتيكية» محل تجاذب وخلاف كبير داخل الكيان الإسرائيلي، إلا أنها لم تغير كثيراً في الميدان، فمازال القصف الإسرائيلي الوحشي على مناطق القطاع مستمراً، موقعاً المزيد من الشهداء والجرحى.
وتركز القصف الإسرائيلي اليوم على شمال غزة، حيث سقط خمسة شهداء، إضافة إلى 17 جريحاً، من جراء قصف استهدف شقة سكنية في حي الشيخ رضوان ومنزلاً في حي الزرقا.
وتقدمت آليات الاحتلال في محيط مسجد مصعب بن عمير تحت غطاء ناري كثيف من الآليات وطائرات «كواد كابتر» والمروحيات جنوب حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة.
وأطلقت طائرات «الكواد كابتر» النار في حي الصبرة جنوب مدينة غزة وتجاه منازل المواطنين في محيط مسجد الأبرار جنوب شرق حي الزيتون، بينما استهدف قصف مدفعي جنوب حي الزيتون.
وبالتزامن مع تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية سُمع دوي انفجارات عنيفة شمال مخيم النصيرات وسط القطاع وبمدينة رفح في جنوبه.
وشنت الطائرات الإسرائيلية غارة على المحافظة الوسطى، وتم نسف مبان سكنية بشمال النصيرات في بلدة المغراقة مع تعرضها لاستهداف من القوات الإسرائيلية، التي قصفت أيضاً شرق دير البلح، بينما أطلقت مروحية «أباتشي» النار تجاه شرق القرارة شمال مدينة خان يونس.
وفي رفح قصفت الطائرات الإسرائيلية منزلاً وسط المدينة، مع وقوع قصف مدفعي واشتباكات وسط رفح وغربها، كما قصفت منطقة بير كندا غرب رفح، وأحرقت صالة المغادرين بمعبر رفح.
وحسب بيانات أعلنتها وزارة الصحة الفلسطينية أمس الأحد، وصل عدد شهداء الحرب العدوانية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول الماضي إلى 37337 في حصيلة غير نهائية.