مشهد الحرب لا يُغادر المنطقة.. هوكشتاين يبحث عن تسوية وقتية والكيان الإسرائيلي مُحاصر بين جبهات الإسناد و«الكارثة» المرتقبة شمالاً
تشرين- هبا علي أحمد:
مع صبيحة يوم العيد تأرجحت رفح بين الهدنة واللاهدنة، إن أمكن القول، وسط حال من البلبلة داخل الكيان الإسرائيلي بعد الإعلان عن وقف العملية العسكرية مؤقتاً في رفح ورفض ذلك من رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو.. وأياً ما يكون فلا يمكن ترقب أو التعويل على أي نتيجة مادام كيان الاحتلال على تعنته في إجرامه يريد هدنة من دون وقف القتال، وعليه لا يمكن القول إن العملية العسكرية في رفح قاربت على نهايتها كما يُقال ويُنتظر، ولا سيما أنّ الاحتلال لم يُحقق أي إنجاز وسيعمد إلى التعويض عن ذلك بالمزيد من المجازر، وبالتالي يبقى المشهد مُرشحاً لمزيد من التصعيد وفي كل الجبهات، ولا سيما أنّ العدوان لا يُمكن تجزئته، فإما وقف كامل لإطلاق النار في كل القطاع، أو أنّ المعركة مستمرة، كما أنّ مسار المفاوضات معطل راهناً ولا يُمكن البناء عليه.
على المقلب الآخر نجد حراكاً دولياً وإقليمياً مقترناً بالتصعيد على جبهة لبنان ومحاولات لـ«احتواء» التصعيد خدمة لكيان الاحتلال وتخفيف ضغط الشمال عليه، رغم أنّ مشهد الحرب لا يُغادر المنطقة لكن الحرب كما تريدها واشنطن كما بات واضحاً، لذلك فإن أي محاولات للاحتواء ليست تفادياً للحرب بقدر ما هي تفادٍ لتداعياتها إن لم تطلق واشنطن صفارتها.
سريان المجريات على ما هي عليه يعني الوصول إلى نقطة الانفجار على توقيت المقاومة بكل أطرافها وهو ما لن تستطيع واشنطن تحمله
هوكشتاين وجولته الجديدة
بناء على ما سبق وعلى عجالة يعود مبعوث الرئيس الأميركي إلى لبنان عاموس هوكشتاين إلى المنطقة غداً الإثنين في زيارة إلى كيان الاحتلال، ينتقل بعدها إلى العاصمة اللبنانيّة بيروت، في ظل المساعي الأميركية لوضع ثقل بما يجري على جبهة جنوب لبنان مع فلسطين المحتلة إنقاذاً لكيان الاحتلال كما سبق ذكره، فسريان المجريات على ما هي عليه يعني الوصول إلى نقطة الانفجار على توقيت المقاومة بكل محاورها وأطرافها، إذ لا يمكن الحديث عن ساحة من دون أخرى، فاشتعال الحرب يعني اشتعال كل جبهات المقاومة في التوقيت ذاته، فلسطين ولبنان والعراق واليمن وسورية وإيران، وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة تحمّله وتحمّل تبعاته وتداعياته، ولاسيما أنها خبرت جزءاً من ذلك في غزة وجبهات إسنادها من دون أن تستطيع الاحتواء، فكيف سيكون المشهد في حال المواجهة الكبرى والمباشرة؟
من هنا فإن هوكشتاين مع «المبادرة الفرنسية» ذات الصلة والتي تأتي في سياق مساعي الاحتواء والبحث عن تسوية وقتية ولاسيما أن وتيرة التصعيد متسارعة الارتفاع.
الكيان بين تهديد الجبهات
الحراك السابق يتزامن مع كثرة الحديث عن رجحان الكفة في أي حرب لمصلحة حزب الله ومحور المقاومة، وبالتالي فشل واشنطن والكيان الإسرائيلي، كما أن وسائل إعلام العدو لا تتوقف عن الحديث عن الردع الذي أوجده الحزب على جبهة الشمال في ظل حرب استنزاف العدو التي يخوضها الحزب، مع الحديث مُجدداً عن إيران وخطتها للقضاء على الكيان، إذ كشف وزير القضاء الإسرائيلي السابق، غدعون ساعار، الذي يشغل اليوم نائباً في الكنيست وعضواً في لجنة «الخارجيّة والأمن»، حسب ما أفادت به صحيفة «هآرتس» عن وجود خطةٍ إيرانيّةٍ تهدف إلى القضاء على «إسرائيل» بعد جرّ الكيان إلى حرب استنزافٍ تُضعفه بوساطة حزب الله واليمن والعراق.
وشدّدت الصحيفة على أنّ وزير «الأمن» الأسبق ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، قال في جلساتٍ مغلقةٍ: إنّ إيران تُعّد العدّة لمحرقةٍ جديدةٍ خلال عامين إلى ثلاثة أعوامٍ، على حدّ قوله.
ولفتت الصحيفة في سياق تقريرها إلى أنّ ساعار وليبرمان، قاما بالتحذير من الخطة الإيرانيّة، لأنّه، على ما يبدو، طُلِب منهما ذلك.
ووفقاً للصحيفة، فإنّ الرجل الثالث الذي بات يُحذّر من الخطة الإيرانيّة هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك.
ما يجري في رفح عار.. الجيش الإسرائيلي لا يقاتل حماس بل هي تُفخخ الطرقات ونحن نُقتل وأي قرار بمهاجمة حزب الله سيجلب «محرقةً» لنا
وفي السياق، أكّد اللواء السابق في الاحتياط، والمفوّض السابق لشكاوى الجنود في جيش الاحتلال، إسحاق بريك، أنّ الحرب في غزة فقدت غايتها، وأنّ استمرارها لنحو 9 أشهر من دون تحقيق الأهداف المعلنة، يكبّد «إسرائيل» الخسائر على أكثر من صعيد، وأنها مستمرة فقط من أجل مصلحة نتنياهو. ووصف بريك ما يجري في رفح بالعار، موضحاً أنّ الجيش لا يقاتل حماس بشكل فعلي، بل إنّها تُفخخ الطرقات ونحن نُقتل، معترفاً بأنّ جيش الاحتلال خسر في التوغل البري أكثر من 200 مقاتل وآلاف الجرحى.
وبشأن الجبهة مع لبنان، شدّد بريك على أنّ أيّ قرار من نتنياهو لمهاجمة حزب الله سيجلب محرقةً لـ«إسرائيل»، مؤكداً أنها لا تستطيع إيقاف صواريخ حزب الله ومُسيّراته.
هدنة اللاهدنة
في سياق العدوان على غزة لا يحتاج الأمر إلى الكثير من التوضيح، فما إن أعلن الاحتلال أنه سينفذ «وقفاً تكتيكياً يومياً» لعملياته وغاراته في أجزاء من جنوب غزة، بذريعة سماح تدفق المزيد من المساعدات إلى القطاع، حتى سادت حالة من البلبلة والغموض واللغط في الأوساط الإسرائيلية، فقد أبلغ نتنياهو سكرتيره العسكري اليوم الأحد بأن تطبيق «وقف إنساني» للنار في رفح أمر مرفوض، علماً أن قراراً كهذا يفترض أن يكون قد عرض ضمن مجلس الوزراء، حسب ما ألمح وزير «الأمن القومي» إيتمار بن غفير.
في حين أشار مسؤولون في جيش الاحتلال إلى أن الأمر لا يتعلق بأي نهاية للقتال أو توقفه، بل بنقل البضائع، ورأوا أن قراراً من هذا النوع لا يشترط أن يمر على مستوى سياسي، لكن موافقة جنرال واحد كافية، وفق ما نقلت القناة الـ 13 الإسرائيلية، إلا أن المسؤولين أقروا بأن السلوك الذي أحاط بنشر الإعلان كان خاطئاً، إذ كان ينبغي أن يتم تمريره على المستوى السياسي، رغم أنه لا يتطلب موافقة سياسية، كما أفادت إذاعة جيش الاحتلال بأن وزير الحرب يوآف غالانت لم يعرف مسبقاً بالهدنة التكتيكية جنوب قطاع غزة.
في مجمل الأحوال، ما إن صدر الإعلان حتى شن طيران الاحتلال مزيداً من الغارات التي استهدفت مخيم النصيرات وسط القطاع وغرب رفح، بالتزامن مع إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي أنه «لا يوجد وقف للقتال في رفح، كما لا يوجد تغيير في إدخال البضائع إلى غزة».
واشنطن تريد حرباً وفق مخططاتها وأي محاولات للاحتواء ليست تفادياً للحرب بقدر ما هي تفادٍ لتداعياتها إن لم تطلق واشنطن صفارتها
والمشهد ليس غريباً، فطوال أشهر الحرب عمد الاحتلال إلى التحايل والمناورة، وإذا عُدنا إلى الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نُدرك أنّ التحايل مزدوج إسرائيلي- أميركي، وبأوامر أمريكية مباشرة، فلا يُعقل أنّ واشنطن غير قادرة على الضغط على الكيان ووقف الحرب، إلا أنّ الحرب حاجة أميركية مرتبطة بالمنطقة وترتيباتها المقبلة، وهذا يأتي بالتوازي مع الأحاديث التي تتمّ حول «إمكانية مشاركة الدول العربية في القوة التي يُرجى أن تتولى حفظ الأمن في القطاع» عقب انتهاء الحرب، وهو أمر تمّ ربطه «بوجود إطار أممي، مع انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من داخل غزة».
انتخابات وصفقة
بالتزامن قطع مستوطنون طرقات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، صباح اليوم الأحد، احتجاجاً على حكومة نتنياهو، مطالبين بإجراء انتخابات جديدة.
واحتجّ المستوطنون المتظاهرون أيضاً ضد قانون إعفاء «الحريديم» من التجنيد، رافعين شعار «كفى تمييزاً، ولتجنيد الجميع الآن»، وأوضحوا أنّ الترويج لهذا القانون يعني التخلي عن أبنائهم الذين يخدمون، مؤكدين أنّ كفاءة الجنود وروحهم القتالية منخفضتان.
وأضافوا: الحدث في رفح، جنوب قطاع غزة أمس، حيث إن إقرار جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل 11 جندياً في عملية مركّبة نفذتها كتائب القسّام يعدّ تذكيراً بأنّ «هناك من يخاطر بحياته وهناك من لا يفعل ذلك».
وضمن الحركة الاحتجاجية المستمرة بالتزامن مع الحرب على غزة، شهدت «تل أبيب» أمس تظاهرة شارك فيها الوزير المستقيل من كابينت الحرب، بيني غانتس، للمطالبة بإبرام صفقة تبادل للأسرى.
إلى ذلك، أدى عشرات آلاف الفلسطينيين اليوم صلاة عيد الأضحى المبارك في المسجد الأقصى رغم إجراءات الاحتلال الإسرائيلي المشددة، ومحاولات التضييق على وصولهم إلى المسجد المبارك والاعتداء عليهم.
ولبّى الفلسطينيون نداء دعوات النفير والرباط في المسجد إفشالاً لمخططات الاحتلال الاستيطانية والتهويدية بحق المسجد المبارك ومدينة القدس المحتلة.