بين عالمَيْن

-سهلٌ علينا أن نعلن في المناسبات، وبثقة، أننا شعب غير قارئ، وحين نستخدم اللغة المرنة نتحدث عن “أزمة” القراءة مستحضرين إحصاءاتِ دولة تتناولنا دائماً كأمة تنفر من الكتاب وخاصة حين تستعرض عدد إصداراتها السنوية والترجمات التي قامت بها وحصة مواطنها من عديد النسخ، وقد نلتفت أحياناً إلى أنّ أيَّ كتاب مطبوع عندنا، غير الكتب المدرسية، لا يتجاوز الألف وخمس مئة نسخة وحين نقيم ندوة نستضيف فيها خبراء سيتحدثون مجدداً عن مسؤولية البيت والمدرسة في الترغيب والتحبيب، رغم أننا من الشعوب الفطنة والمبدعة في تعاملنا مع الحياة بكل صروفها وصنوفها إلّا حين يتعلق الأمر بالمطالعة واقتناء مكتبة، وعلى باقة هذه الحقائق جمعنا مدير الإذاعة عام 2002 قبيل معرض الكتاب لنتبادل الرأي حول أفضل تغطية لهذا المعرض تترك أثراً لدى المستمعين، والإعلام حين يركز على مناسبة يشتغل مثل خلية نحل لا يراها الجاني، وكان ممن يؤمنون بالعمل الإعلامي وقارئاً مذهلاً في صنوف علم الاجتماع والتراث وقبل أن يصغي إلى مقترحاتنا سردها على عجل: ستقومون بتغطية يومية على الهواء من دور النشر ورواد المعرض وتنقلون وقائع الندوات الفكرية النهارية المرافقة له، وكذلك الأمسيات الشعرية والقصصية المقامة في المساء ومفيدٌ استضافةُ المفكرين في سهرات الإذاعة والبرامج المتخصصة! كان، بذلك، قد وضع برنامج التغطية بأكمله وظننت أنه طلبنا للاجتماع ليبلغنا بواجباتنا، لكنه فاجأنا بسؤال: -ما مقترحاتكم الإضافية؟ كان مقترحي أن نقوم بعدة تسجيلات لا يتعدى واحدها الخمس دقائق، تتضمن التعريفَ بكتاب وعرضَ مضمونه، وتكرار إذاعته على طريقة الإعلانات التي تروّج للسلع!
ساد صمتٌ ليس قصيراً! الخمس دقائق المسجلة تعني قراءةَ كتاب بعمق، ثم تلخيصَه بدراية لا تعبث بمضمونه ثم اختيار صوتٍ جميل بنبرات قويمة ليسجّله، وكانت الأصوات يومها متوفرة بكثرة، عدا أن كلّ مادة إذاعية كانت تستدعي تلقائياً التعرفة المادية التي يجب أن تُصرف للمعدّ والمذيع والمخرج ومهندس الصوت! أما “الخمس دقائق الإذاعية” فلم تكن تحظى بالكرم المادي حتماً، لكن المدير تبنى الفكرة فوراً وتعهد بأن تتخطى حجمها “الصغير” والتعرفة الإذاعية، وجهدنا في اختيار الكتب وعرضِها المكثف، واشتغلت الإذاعة على غير عادتها، بطريقة الإعلان الجذاب، إذ كان لدينا مخرجون سحرة في جعل المادة رشيقة ومسموعة، لكن التجربة لم تدم أكثر من عشرة أيام، هي مدة المعرض!
هل كان لهذه التجربة لو استمرّت، أن تحقق رواجاً للكتاب كرواج الشوكولا والمشروبات والمواد الغذائية والاستهلاكية رغم تنافر العالمين؟؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار