نتنياهو يدور في حلقة مفرغة.. العدوان على غزة لم يؤتِ ثماره
بعد مرور ثمانية أشهر على عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول، لم يحقق نتنياهو هدفه الرئيسي المتمثل في تدمير المقاومة الفلسطينية.
وعلى النقيض من تقييم حكومة بايدن، فإن المقاومة “حماس” لا يمكن تدميرها بالوسائل العسكرية، ولكن يجب تقليص قدرتها العسكرية إلى حد أنها لن تكون قادرة على تنفيذ هجوم من قبيل عملية 7 تشرين في المستقبل، وفي نفس الوقت فرض عزلة سياسية لعدم لعب حركة حماس أي دور في مستقبل غزة السياسي.
من وجهة نظر حكومة بايدن، فإن تصرفات الكيان الصهيوني في تدمير شبكة أنفاق حماس و… جعلت الأخيرة عاجزة عن تنفيذ هجوم على غرار هجوم 7 تشرين في المستقبل، لذلك قام هذا النظام وحققت هدفها، وفيما يتعلق بالعزلة السياسية، كما أن عدم إسناد دور لهذه المجموعة في مستقبل غزة سيساعد أمريكا على تحقيق أهدافها.
ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض واستمرار مقاومة حماس بالأدوات العسكرية، وخاصة الضربات القوية التي وجهتها إلى الجيش الإسرائيلي خلال الشهر الماضي، دفعت إدارة بايدن إلى استنتاج مفاده أن استمرار الصراع سيجلب تكاليف سياسية عليه وعلى الديمقراطيين ويزيد الطين بلة على “إسرائيل”، ويجب أن تتوقف الحرب على تنفيذ سياسة واشنطن الكبرى تجاه المنطقة.
وبناء على ذلك، كشف بايدن عن خطته المكونة من ثلاث مراحل، والتي يعتمد تنفيذ كل مرحلة منها على تنفيذ المرحلة السابقة، ويحق للكيان الصهيوني العودة إلى العمل العسكري إذا لم تنفذ حماس الاتفاق المزعوم على النحو التالي:
المرحلة الأولى: والتي تستمر ستة أسابيع، يلتزم الكيان الصهيوني وحماس بوقف كامل لإطلاق النار، وتنسحب قوات الدفاع الإسرائيلية من جميع المناطق المأهولة بالسكان في غزة، وتطلق حماس سراح عدد من الرهائن ومن بينهم نساء ومسنون، كما يتم إطلاق سراح الجرحى وخمسة رهائن أمريكيين أحياء ورفات العديد من الرهائن المتوفين، وفي المقابل سيوافق الكيان الصهيوني على إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لديه.
أما المرحلة الثانية فستتضمن إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، بما في ذلك الجنود من حماس والانسحاب الكامل لقوات الجيش الإسرائيلي من جميع أنحاء غزة، وفي هذه المرحلة، إذا التزمت الأطراف، فإن العملية سوف تتحرك نحو وقف دائم لإطلاق النار.
وأخيراً، فإن المرحلة الثالثة، والتي تتضمن خططاً لليوم التالي للوقف الدائم للأعمال العدائية، تشمل إعادة إعمار غزة وعودة ما تبقى من جثث الرهائن القتلى.
وبحسب بايدن، إذا انتهكت حماس شروط وقف إطلاق النار، فسيكون للكيان الصهيوني الحق في استئناف العمل العسكري.
كان رد الفعل الأولي لمسؤولي حماس على خطة بايدن إيجابياً، وعلى الرغم من أن هذه الخطة هي في الأساس صادرة عن الجانب الإسرائيلي، إلا أن موقف نتنياهو كان غامضاً لأنه لم يرفض الاقتراح ولم يوافق عليه بشكل كامل، ومن الممكن أن تعكس طريقة رد الفعل هذه الضغوط التي يواجهها نتنياهو من داخل حكومته بشأن هذا الاتفاق، لأنه من ناحية، يتعرض لضغوط زعيمي حزبين يمينيين متطرفين، وزير المالية ووزير الأمن القومي. وفي حال وافق نتنياهو على الاتفاق، فإن الائتلاف سيغادر وسيُسقط حكومته، ومن ناحية أخرى، فإن الدعم المحدود لحزب المعارضة بقيادة يائير لابيد والطيف المعتدل بقيادة بيني غانتس لاتفاق وقف إطلاق النار زاد من حدة الصدع داخل الأراضي المحتلة فيما يتعلق بالخطة.
علاوة على الانقسام الداخلي بين الأحزاب السياسية في الأراضي المحتلة، تواجه حكومة نتنياهو ضغوطاً من عائلات الرهائن من جهة، الذين يرون في هذا الاتفاق بارقة أمل لإطلاق سراح الرهائن، ومن جهة أخرى فإن الضغط الذي تمارسه حكومة بايدن لإنهاء الصراع والتوصل إلى تسوية دائمة يواجه ضغوطاً داخلية في عام انتخابي من الطيف التقدمي واليساري للحزب، والناخبين الشباب، والأمريكيين العرب والمسلمين، كما ذكرنا فيما سلف.
ويعتبر منتقدو إدارة بايدن هذه الخطة المكونة من ثلاث مراحل والمفاوضات التي أدت إليها بمثابة فشل آخر للسياسة الخارجية لإدارة بايدن. ويعتقدون أن التفاوض مع منظمة وجماعة صنفتها الحكومة الأمريكية منظمة وجماعة “إرهابية” يشكك في مصداقية الإعلان عن القوائم الأمريكية للإرهابيين، ويعطيها شرعية ضمنية، ويجبر الولايات المتحدة على تقديم تنازلات بهذا الصدد باعتبارها أحد أطراف التفاوض شاءت أم أبت، وجعل ضمان تنفيذها مرهوناً بإرادة حماس وإرادتها وموقفها.
وتبقى أن نقول إنه مع خطة بايدن هذه، باتت الكرة في ملعب “إسرائيل” وستكون هي الخاسرة مهما كان القرار الذي ستتخذه. فإما أن تواجه حكومة بيبي الانهيار، أو أنها سترغم على مواصلة جرائمها والمزيد من العار في العالم مع استمرار الحرب.