يمكن اعتباره استثماراً اجتماعياً.. هل توفر مدارسنا البيئة المناسبة لدمج ذوي الإعاقة في المجتمع؟ 

تشرين- إلهام عثمان: 

تناقش حالياً في مجلس الشعب آلية جديدة لإعادة هيكلة وصياغة قانون ذوي الإعاقة الجديد، الذي يهدف إلى تغيير ثقافة المجتمع حول التعاطي مع مشروع القانون الجديد “لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، وذلك بعد جهود من التشاور والتشاركية مع الأطراف والجهات المعنية، فبرغم إن الإعاقة حسب المنظور العالمي هي جزء من التنوع البشري, إلا أنه لابد من التوجه للتعاطي معها على أنها قضية تنموية, إذا تم التعاطي معها بالطريقة الصحيحة لإحداث تغير إيجابي في البناء الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وذلك من منطلق استثمار الطاقات البشرية الكامنة لدى الأشخاص ذوي الإعاقة للمشاركة في عملية التنمية باعتبارها قوة إنتاجية هائلة إذا تم التخطيط لها علمياً وعملياً بما يتماشى وقدراتهم، فبدلاً من أن يكونوا عبئاً على المجتمع يصبحون أشخاصاً فاعلين ومنتجين ومنصهرين فيه.

أحمد: تكون البيئة مناسبة للدمج بتوافر “الكود الهندسي” الذي تنطبق شروطه على المعايير المعتمدة من مديرية الأبنية المدرسية

سياسة الدمج

أوضحت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن جزءاً من سياسة الدمج ومفهوم الدمج هو “غير مجاني”, والسبب أن هناك تفاوتاً مادياً في المجتمع السوري, فبعض الأسر بإمكانها تحمل نفقات دمج ذوي الإعاقة في القطاعات الخاصة المعنية بالأمر, بينما هناك أسر غير قادرة على تحمل أعباء التكاليف بسبب أوضاعها المادية, ومن هنا نجد أن الدولة أو المنظمات غير الحكومية لا تتحمل العبء بالكامل, فلطالما أنه مسموح للقطاع الخاص باستقبال وتعليم والتعامل مع الأشخاص الأصحاء, فالمفروض أن يسمح للقطاع الخاص بالتعامل مع الأفراد من ذوي الإعاقة أيضاً، إلا في حالات الإعاقة الشديدة “إعاقة ذهنية أو حركية”، فلا يمكن دمجها في المدارس الدامجة سواء (الحكومية أم الخاصة).

ناعمة: لا يمكن إلغاء التنمر في المراحل العمرية الصغيرة والعقوبة تقتصر على التوعية فقط 

عدم تقبل

في حال تعرض الطفل من ذوي الإعاقة للتنمر من زملائه في المدرسة.. ما الإجراءات التي تتخذها إدارة المدرسة بحق المتنمر؟ سؤال طرحته ” تشرين” ليجيب فؤاد ناعمة “مدير مدرسة”: لا يمكن إلغاء التنمر.. خاصة في المراحل العمرية الصغيرة، وبالتالي العقوبة تقتصر على التوعية فقط، مشدداً على أنه في حال وجود عنف أو أذى وقع على الطفل من ذوي الإعاقة، هنا يمكن أن ينقل المتنمر من المدرسة، مشيراً إلى أنه يفضل عدم الدمج وبقاء ذوي الإعاقة أثناء التعلم” منفصلين”، لأن الدمج على الأغلب يؤثر في عملية التحصيل العلمي سلباً، ويبعد ذوي الإعاقة عن التطور والتعلم، وأنه يمكن العمل على دمج ذوي الإعاقة من خلال إقامة منافسات بين بعضهم، ومن ثم إقامة منافسات مع الغير، ما يساهم في انتمائهم للمجتمع بطريقه سليمة وذات منفعة فعلية.

من هنا نجد أن بعض الأهالي تنعكس مفاهيمهم الخاطئة على تربية أبنائهم، وتتجلى بالخوف من فكرة دمجهم مع أشخاص من ذوي الإعاقة, حسب تفكيرهم وتنشئتهم.

أفكار خاطئة

تعترض الكثير من أمهات الأطفال الأصحاء على دمج أبنائها مع ذوي الإعاقة بسبب الجهل، واعتقادهن بأن مثل هذه “الأمراض” قد تنتقل بالعدوى إلى أطفالهن، أو قد تسبب لهم أزمات نفسية وسلوكية!

ولو أمعنا النظر قليلاً لوجدنا أن الطفل يتأقلم ويندمج, فعندما يعتاد الطفل الطبيعي على وجود طفل ذي إعاقة معه، سواء في الروضة أو المدرسة أو المعهد أو الجامعة, ستنشأ لديه فكرة بأن الطفل المعاق هو جزء من بيئته المحيطة والطبيعية, فيتعامل معه بالشكل الإيجابي والمطلوب على أنه “صديق أو زميل”, على أن يكون الدمج في المجتمع منذ نعومة أظافرهم ويكونون قادرين على كيفية التعامل معهم وتقبلهم بالشكل الطبيعي بينهم على أنهم جزء من المجتمع وليس عالة عليه, ما يجعل الأشخاص من ذوي الإعاقة يرفضون الاستسلام لإعاقتهم.

مقارنة

وزير الشؤون الاجتماعية والعمل لؤي المنجد أكد خلال لقاء حواري مع الإعلاميين، أن من الأخطاء الشائعة التي قد يمارسها الأهل هي “المقارنة” بين الأطفال, وهنا ينصح الأهل بمعاملة الطفل من ذوي الإعاقة، بما يتناسب مع ” واقعه الحالي”، لا بمقارنته بإخوته, التي تترك آثاراً بالغة في نفسية الطفل المعاق، فتتآكل ثقته بنفسه بسبب شعوره بانخفاض ذاته.

أحمد: الدمج من الصف الأول حتى الصف التاسع بعد تطبيق معايير الكود الهندسي في المدارس الدامجة 

آلية الدمج

هل تطبق عملية الدمج في جميع المدارس الخاصة والعامة، أم هناك مدارس محددة لدمجهم.. وهل تطال جميع مراحل العملية التعليمية؟ سؤال وجهته “تشرين” لرئيس دائرة التربية الخاصة في وزارة التربية، ربيع أحمد، ليجيب: لا نستطيع دمج الطلاب من ذوي الإعاقة في المدارس الخاصة والعامة بشكل عشوائي، من دون إعداد البيئة الجغرافية المناسبة لطبيعة إعاقتهم، وتكون البيئة المناسبة للدمج بتوافر “الكود الهندسي” الذي تنطبق شروطه على المعايير المعتمدة من مديرية الأبنية المدرسية، والتي تراعي كل الإعاقات بمختلف أنواعها وتسعى إلى توفير بيئة تتناسب مع هذه الفئة، لافتاً إلى أن الوزارة لا تكتفي بتطبيق شروط الكود الهندسي، وإنما تسعى إلى إيجاد غرفة صفية مجهزة بمختلف الوسائل التعليمية اللازمة لدمج هذه الفئة وتأمين تعليمها التربوي، وبناءً على ما سبق تسمي وزارة التربية سنوياً مدارس دامجة تتوافر فيها شروط الكود الهندسي المعتمدة في وزارة التربية، إضافة إلى غرفة المصادر المجهزة بالوسائل التعليمية اللازمة، وأيضاً تراعي أعداد التلاميذ ذوي الإعاقة بالمناطق التعليمية.

حسن: الدمج ضمن المدارس الدامجة والمعاهد التخصصية وفيما بعد سيعمم ليطول كل المراحل التعليمية 

من جهتها أكدت مديرة السياسات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عواطف حسن, أنه في البداية ستكون عملية الدمج ضمن المدارس الدامجة والمعاهد التخصصية, وفيما بعد ستعمم على كل المدارس لتطول كل المراحل التعليمية للحالات التي لديها القدرة على الدمج.

وفي السياق ذاته أوضح أحمد أن عملية الدمج تكون بقبول التلاميذ من الصف الأول حتى الصف التاسع، وذلك بعد تطبيق معايير الكود الهندسي في المدارس الدامجة وتوافر غرفة مصادر مجهزة بالوسائل التعليمية المناسبة والملائمة للتلاميذ ذوي الإعاقة.

أحمد: وزارة التربية تسمح بدمج طفلين ذوي إعاقة في غرفة الصف العادية مع خضوعهما لبرنامج خاص في غرفة المصادر 

احتياجات ومتطلبات

أما بالنسبة للاحتياجات والمتطلبات الواجب توافرها في المدارس الدامجة لتحسين العملية التعليمية، فقد أكد أحمد أن أهم الاحتياجات الواجب توافرها في المدارس الدامجة، الكود الهندسي وغرفة مصادر مجهزه بالوسائل التعليمية المناسبة وكادر تعليمي وإداري مدرب ومؤهل للتعامل مع هذه الفئة.

من جهتها أكدت حسن أن الاحتياجات الواجب توفرها في المدارس الدامجة هي: الترتيبات التيسيرية التي تسهل عملية الوصول الى الصفوف والمرافق والحصول على المعلومة, بتوفير كوادر مؤهلة ومتخصصة وأدلة تعليمية ووسائل تعليمية متطورة.

الدعم المادي والمعنوي

وعن الدعم المادي والمعنوي الذي يتم منحه للمدارس الدامجة، وهل هنالك تشاركية بين القطاعات الخاصة والعامة لتحقيق الأفضل في عملية الدمج، أوضح أحمد أن وزارة التربية تقوم بتقديم كل الاحتياجات التربوية والتعليمية لهذه المدارس، وتأخذ على عاتقها تطبيق معايير الكود الهندسي وتجهيز غرف المصادر بالوسائل المناسبة، كما ترحب بأي مشاركة مقدمة من المجتمع المحلي أو المنظمات، ما دامت تخدم هذه الفئة وتعمل على دمجها التعليمي الأمثل وتوفر البيئة المثلى لها.

تأهيل وتدريب

ووفقاً لرأي رئيس دائرة التربية الخاصة، تقوم وزارة التربية مديرية الإشراف التربوي، / دائرة التربية الخاصة/ بإجراء دورات تدريبية فصلية لتدريب وتأهيل مُعلمي غرف المصادر حسب الاحتياجات التربوية، وحسب الإعاقات التي يجب دمجها، مشيراً إلى أن وزارة التربية تسمح بدمج طفلين ذوي إعاقة في غرفة الصف العادية، مع خضوع هذه الفئة لبرنامج خاص في غرفة المصادر معدة من معلمة غرفة المصادر، وتكون متناسبة مع مناهج الوزارة من جهة وطبيعة الإعاقة من جهة ثانية، كما أكد أنه لا يُقبل الأطفال ذوو الإعاقة في المدارس الدامجة إلا وفق معايير الدمج المعتمدة من وزارة التربية، وذلك بعد تقييمهم من اللجان الخاصة.

من جهتها أكدت حسن أن تأهيل وتدريب المعلمين والإداريين لتنفيذ عملية الدمج يكونان من خلال التعاون والتنسيق بين كل من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي, إضافة إلى الدور الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية بالتدريب والخبرة لهذه الكوادر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل