«نزاهة» بطَعْمٍ كارثيّ..!!

في الأمس وقعت الفاجعة، نعم إنها فاجعة هزّت المشاعر. فما إن انقضت ساعات الصباح حتى انتشر خبر فاجعة ألمّت بتلك العائلة. أمّ وأطفالها الثلاثة قضوا نتيجة حريق نشب في منزلهم بالديماس في ريف دمشق، إذ لم تكن لديهم أي وسيلة للتواصل مع أحد في الخارج، فهو وقت امتحانات طلاب الشهادات العامة، لذلك فإن الاتصالات والإنترنت مقطوعان لضمان”نزاهة” الامتحانات! ربما قد تكون الأم حاولت التواصل مع أشخاص قبل فوات الأوان لينتشلوها وأطفالها من ألسنة النار، ولكن محاولاتها باءت بالفشل، فالتهمت النيران أطفالها أمام عينيها والتهمتها معهم، وكان الموت بانتظارهم جميعاً.
المعلومات التي تم تداولها عن مصدر في فوج إطفاء ريف دمشق حول تلك الحادثة، ذكرت أن الفوج لم يتلقّ أي بلاغ بوقوع حريق، لأنه تزامن مع فترة انقطاع الاتصالات من أجل امتحانات الشهادة الثانوية؟ فأي فاجعة تلك أن يموت إنسان وأطفاله أمام عينيه، وهو عاجز ومكتوف الأيدي عن طلب النجدة!! وكم من الحسرات والقهر سيتحملها ذووهم على فراقهم وعلى الطريقة التي قضوا بها؟! وكم من حالة هنا أو غيرها هناك كانت بحاجة إلى مساعدة سيارة إسعاف أو غير ذلك، وحدث معها أمر ما، وربما لم نسمع عنها؟!
على المقلب الآخر، ما إن تمر في أحد الشوارع، التي تتواجد فيها مراكز اتصالات أو كوّة لخدمة الزبائن،حتى يفاجئك مشهد الطوابير المنتظرة إلى أن تحين ساعة “الفرج” وتنتهي مدة امتحان مادة ما، لتعود الشبكة ويتمكنوا من تسديد ما يترتب عليهم من فواتير أُلزموا بدفعها إلكترونياً، ليزيد عليهم عبء وانتظار جديدان، وهم الذين لا ينقصهم المزيد منها.

ما يثير الاستغراب حقّاً، أن كل ذلك وغيره يحدث بسبب قطع الاتصالات لضمان سير الامتحانات بشفافية مأمولة وضبط حالات الغش، في الوقت الذي تم فيه قبل أيام إعفاء مديري تربية من مهامهما وإيقاف بعض المتورطين في الغش وتسريب أسئلة الامتحانات على الرغم من كل تلك الإجراءات المشددة، وما زالت الجهات المعنية مصرّة على استمرار هذا القطع الذي أثبت أنه لم يجدِ نفعاً، فمن يريد الغش والاستفادة من “موسم” الامتحانات لن يعدم الوسيلة.
كل ذلك يقودنا إلى أن قطع الإنترنت والاتصالات لضبط نزاهة العملية الامتحانية تجربة أثبت قصور جدواها، كما أنها أدت وتؤدي إلى توقف الكثير من الأعمال في كل المؤسسات من دون استثناء، ناهيك بما يتعلق بوضع إنساني هنا أو صحي هناك، وأحياناً تكون نتائجها كارثية، وماحدث مع تلك العائلة واحدة منها، ويجب أن تحرك الضمير لأن يتم التخلّي عن الإصرار على تلك التجربة فوراً، فكلنا لم يعد يحتمل مزيداً من الأوجاع، فهل من مجيب؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار