الشريحة الإلكترونية قصة قصيرة لأمين الساطي
تشرين – أحمد محمود الباشا:
بعد أن قدم لنا مجموعة كبيرة من قصصه القصيرة الممتعة والشيقة للكبار والصغار، و كانت بمجملها تحاكي عالم الخيال العلمي والأوهام، والأحلام، واللاواقعي ثم أدخل عليها العلم ومصطلحاته، نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: كي لا ننسى، الظن، طابق ٢٥، مصر الحقيقة، جلسة لاستدعاء الأرواح وغيرها. يقدم لنا اليوم الكاتب أمين الساطي قصة قصيرة بعنوان: /الشريحة الإلكترونية/ وهي من أعماله الجديدة، وملخصها أن شاباً يعيش وحيداً وهو موظف بمديرية السجل العقاري ببيروت، تعرض لفقدان ذاكرته فلم يعد يتذكر من هو، وأين منزله، وعند عودته من عمله إلى منزله وهو يقود سيارته لم يعد يذكر مكان منزله فاستعان بغوغل ليتعرف عليه.
قام بمراجعة طبيب متخصص بالأمراض العصبية فأبلغه أنه مصاب بفقدان ذاكرة عابر رغم صغر سنه الذي لم يتجاوز ٢٧ عاماً وأعطاه وصفة طبية ونصحه بالابتعاد عن القلق وأن يزيد ساعات النوم، وفي حال استمرار هذه الحالة لديه فسيصاب بمرض الزهايمر، وعندما خرج من العيادة كان مذهولاً فلأول مرة يسمع بهذا المرض، وعند عودته من عند الطبيب اجتاز شارع الحمرا بأرصفته المكتظة بالسيارات والمباني المختلفة والمسارح ودور السينما والباعة جوالين، وفجأة شعر أنه اصطدم بجسم صغير لكنه تابع طريقه وهو يرى أنه يعيش النهايات المظلمة التي تنتظره، وبعد ذلك اتصل به رقيب من مخفر شرطة الحمرا يطلب منه الحضور إلى المخفر من دون أن يشرح له سبب الاستدعاء، وعندما ذهب رأى امرأة بانتظاره هناك ادعت عليه بأنه دهس كلبها وتمنى لو دهسها معه، فطلب منها الرقيب التنازل عن شكواها لأنها هي المخطئة فكلبها دهس على الطريق وليس على الرصيف فأسقطت شكواها. وبدأت الأمور تزداد سوءاً فراجع الطبيب الذي أخبره بأنه لا يوجد دواء لمرضه وحالته تتدهور، إلا أن هناك مركز أبحاث يحاضر فيه يجري تجارب على زرع شرائح إلكترونية صغيرة متطورة بالدماغ وهي تقنية طبية جديدة للأمراض المستعصية وتكلفتها ١٠ آلاف دولار، وأنه من المشرفين عليها وسيساعده بإجرائها لظروفه الصعبة، فشعر بالخوف من غرفة العمليات، فأكد له أن العملية بسيطة يقوم بها روبوت جراحي مختص بإحداث ثقب بالدماغ وإدخال شريحة صغيرة متصلة بأقطاب كهربائية وتشحن البطارية لا سلكياً، فوافق على إجرائها وتحمل المخاطر الناتجة عنها، واستغرقت العملية أقل من ساعة وبعد ثلاثة أيام تخرج من المشفى، وبدأ يشعر أنه أكثر ثقة وتفاؤلاً بالمستقبل ،فعاد إلى وظيفته وعمله الذي كان يمارسه، فهو خريج المعهد العالي للمساحة، واتصل ببعض المكاتب العقارية وعمل معها برسم المخططات للأراضي والعقارات واستبدل سيارته القديمة بجديدة، فمجتمعنا تسيطر عليه المظاهر الخداعة، وبمرور الوقت وتحسن أحواله بدأ يحس بمضاعفات زرع الشريحة الإلكترونية فزادت ضربات القلب وقل نومه وأحياناً تهاجمه نوبات الصداع ولم يطلب المساعدة من مركز الأبحاث والتجارب خوفاً من ان يوقفوا هذه التجربة معه، بعدها تلقى رسالة من المشفى يطلب منه مراجعته فوراً، ولم يعرف أن الشريحة متصلة بالأقمار الصناعية وتزود المركز بالمعلومات عنه وعن محيطه، والمركز يتحكم به، شريحة فائقة الذكاء تسمح للتكنولوجيا بأن تسيطر على حاملها، قاموا بنزع الشريحة من دماغه لأن وضعها يهدد حياته، ووعده مدير المركز بشريحة جديدة ومتطورة سيزرعها المركز في دماغه وعليه ان ينتظر ، فتلك الشريحة تتحكم بمزاجه وانفعالاته وتجعله سعيداً، وسأله الطبيب ماذا ينوي أن يفعل خلال انتظاره للشريحة، فأخبره أنه استقال من وظيفته وعاطل عن العمل، فأعطاه ظرفاً فيه مبلغ /٢٠٠٠/ دولار ليستعين به لحين موعد زرع الشريحة الجديدة، فخرج من المشفى وهو سعيد، وأصبح لأول مرة في حياته آلة مفيدة للمجتمع.
هكذا ختم الكاتب قصته وأطلعنا من خلالها على عالم جديد من الخيال العلمي وتصوراته المستقبلية للعلم في مجال الطب اكتشافات العلم الجديدة في ميدان الطب والصحة، ونجد أنه من خلال قصصه التي تجاوز عددها المئة قصة قصيرة طرق فيها كل المجالات والميادين المختلفة ونالت استحسان القارئ، ويستحق التقدير على ما قدمه فيها للقارئ ولأدب القصة عموماً، ومواضيع شتى وأساليب ورؤى متعددة ومختلفة.