التغيير القادم في وزارة الصناعة… البدء بمرحلة إعادة تنظيم المركزية الإدارية وإعادة تشكيل الهرم الإداري بما يناسب خطة العمل مستقبلاً

تشرين- حيدرة سلامي:
أقرت وزارة الصناعة، سابقاً خلال هذا العام، خطتها في اعتماد الخطة الإدارية الجديدة، التي تصبو إلى دمج المؤسسات العامة ذات النشاط المتماثل، أو بمعنى آخر تقليص عدد الدوائر الحكومية، بهدف تخفيض النفقات الواقعة على قطاع الخدمات والصناعة من تأمين مستلزمات هذه المراكز والمعامل، سواء كانت من حيث الطاقة أو النقل أو المواد الخدمية، ويأتي في ثنايا القرار بعض التفاصيل المهمة، حيث سيتم تعيين أربعة مديرين عامين بدلاً عن 105.
وكما يعتمد مبدأ الخطة الإدارية الجديدة تقليص عدد المديرين الفرعيين من حوالي 900 إلى حوالي 35 مديراً.

الوحدات الإدارية الصغيرة تركز على تحقيق المعايير المطلوبة منها في أداء العمل أكثر من تركيزها على القيام بالفائدة الأساسية من وجودها

أوضحت وزارة الصناعة أن فكرة دمج المؤسسات العامة الصناعية ذات النشاط المتماثل أو المتكامل تأتي انسجاماً مع المشروع الوطني للإصلاح الإداري، حيث إن الإدارة السابقة قد أصبحت تشكل عبئاً أمام العمل الإداري الوطني، حيث إن انتشار المراكز الحكومية، بشكلها الواسع، وتطبيق اللامركزية الإدارية والصناعية بأوسع أشكاله، حيث تحاول الحكومة في هذا النظام الإداري، أن تنشر مراكزها على أوسع مساحة جغرافية، بغض النظر عن الإنتاج والجدوى الاقتصادية لهذا المركز، وذلك فيما لا يتناسب مع المرحلة القادمة من الإصلاح الإداري، حيث ترتفع نسبة الإنفاق العام على المؤسسات وتجهيزها، قياساً بالإنفاق العام من حيث تأمين مستلزمات الخدمات للمواطنين، وهو أمر يمكننا أن نقوم على تعريفه بتشويه البيانات، وهي ظاهرة تحدث عندما تصبح الوحدات الإدارية الصغيرة الذي يرأسها مديرو الفروع، منشغلة عن تحقيق الصالح العام بتحقيق الهدف القياسي للمؤسسة، أي إن هذه الوحدات الإدارية الصغيرة تركز على تحقيق المعايير المطلوبة منها في أداء العمل، أشد من تركيزها على القيام بالفائدة الأساسية من وجودها، وهي تغذية الإنتاج الوطني، ودعم القطاع الخدمي.

سلاسل التوريد
وأشارت وزارة الصناعة كذلك، في بيان لها، إلى أن أهمية الدمج تكمن في تعزيز قدرة المؤسسات العامة الصناعية على المنافسة ومواجهة التحديات من خلال تكامل سلاسل القيمة، أو سلاسل الكتلة، ما يمكننا أيضاً أن نطلق عليه بسلاسل التوريد، وهو أسلوب جديد في إدارة الأعمال والمشاريع الإنتاجية، يعتمد على اختصار المسافة من المنتج إلى المستهلك، وهذا الأسلوب من الإدارة الرشيقة يهدف إلى تسريع سير خطوط الإنتاج مع تدفق معلومات صحيحة قادمة من مصدر واحد وهو الجهة الإدارية المركزية، التي تتسم أبحاثها وأرقامها بالدقة، وتهتم بشكل خاص في تغطية الحاجة الشعبية في السوق المحلية.

أسلوب الإدارة الرشيقة يهدف إلى تسريع سير خطوط الإنتاج مع تدفق معلومات صحيحة قادمة من مصدر واحد وهو الجهة الإدارية المركزية

فلا يعود هناك ضرورة أو داعٍ لوجود دوائر وسيطة في تسليم السلع أو المنتجات إلى السوق المحلية وتتدفق البضائع بأكثر أشكالها انسيابية إلى السوق، مع تقليل الهدر والنفقات الجانبية.

مبدأ النوعية
ولفتت الوزارة إلى أن عملية الدمج ستساهم في الاستفادة من سيولة المؤسسات الصناعية لتطوير ذاتها، وذلك من خلال الصلاحيات الواسعة الممنوحة لمجالس إدارات الشركات المحدثة.
حيث سيتم تقليص عدد اللجان الإدارية، وسيتم الاستعاضة عنها بأربعة مجالس إدارة للشركات التي تم دمجها أو التي سيتم دمجها لاحقاً ليكون لديها أربعة مديرين عامين بدلاً عن 105.
أي اعتماد المبدأ النوعية وليس الكمية، وذلك إضافة إلى تقليص عدد المديرين الفرعيين إلى حوالي 35 مديراً، كما أوردنا سابقاً.
أمر منطقي
وقد قالت الوزارة: إن عملية الدمج تؤدي إلى تخفيف أعباء إنجاز الميزانيات وصدور ميزانية واحدة، تعكس أداء الشركة، وهو أمر منطقي نسبة إلى أن الجهة التي تقوم بإخراج البيانات لا تتأثر بالضغوط الإدارية الداخلية أو اللوائح التنفيذية، فتكون بياناتها عادة مستقرة ومتسلسلة، وصالحة لأن يتم بناء الخطط الصناعية والاقتصادية طويلة الأمد عليها، حيث إنها تعتبر قاعدة معلومات مستقرة.

تحطيم الهرم الإداري
تركز إدارة الهرم التقليدية على تخطيط إداري، يعتمد في إصدار القرار على الاتجاه العلوي من أعلى إلى أسفل، مع وضع العمل على فترات زمنية أطول ومن خلال الشكل الهرمي أو ما يعرف بالصوامع، فتصبح المؤسسة، أو أصبحت مؤسسات الدولة اليوم، عبارة عن متاهات من اللوائح التنظيمية المستقلة التي تنفرد بها كل دائرة عن الأخرى، وذلك عوضاً عن وجود البنية التحتية القديمة والمدمرة التي قد خلفتها الحرب، وشكلت عبئاً إضافياً على الخطة الإدارية.
والنتيجة اليوم هي مشهد معقد، حيث أصبح أي تغيير أكثر صعوبة في التنفيذ ويؤدي إلى مخاطر أعلى بكثير، فينعزل الموظفون والمديرون الفرعيون داخل الشركات في الأقسام، ما قد يؤدي إلى ظهور عقلية التفرد والانقسام في الشركة.
حيث لا تتواصل هذه الأقسام دائماً بالقدر الذي ينبغي، ولا تتبع مرجعية واضحة ويمكن أن يحد ذلك من كمية المعلومات التي تتدفق بحرية عبر الشركات.
بينما في المقابل تتواصل المؤسسات نحو اعتماد الإدارة الرشيقة قدر الإمكان، فيتشاركون المعرفة ويكسرون الحواجز بين الصوامع التنظيمية، فلا يعود حفظ تدفق المعلومات حكراً على المديرين، ويصبح للموظفين أيضاً دورهم، في إدارة العمل.

السلاسل الرشيقة
وقد ظهرت في الآونة الأخيرة في جميع أنحاء العالم، العديد من البرامج المتعلقة بإدارة سلاسل القيمة، أو ما يمكن أن نطلق عليه اليوم السلاسل الرشيقة، وهي برامج ونظم، ITIL SVS ، Agile ، DevOps، Lean .
حيث تعتمد هذه البرامج مبدأ دراسة عمل المؤسسات التراتبي، وتستند في تعميم دراستها إلى اعتماد الأداء عند أفضل دائرة، وتعميم مبادئ عمل هذه الدائرة على بقية القطاعات والأقسام، فتسعى بذلك إلى تحقيق الإنتاج الأعلى للدوائر، في مقابل مقاييس العمل المتماثل في هذه الدوائر.
ومن أهم الاتجاهات في هذا السياق ربما تكون مفهوم دورات البناء والقياس والتعلم التي تستخدمها فرق Agile الفردية وتطبقها على أساس المؤسسة بأكملها.
فعندما تتضمن المبادرات الأشخاص المناسبين في الأدوار الصحيحة، ستكون هناك حلول إبداعية، ومساهمات متحمسة، ووجهات نظر مهمة يمكن الحصول عليها من مصادر غير متوقعة، لذا فإن الإدماج عادة ما يكون سياسة أفضل من الاستبعاد، والتعاون والتعاضد أفضل من العمل المنعزل، والذي يشار إليه كثيراً باسم “نشاط الصومعة”.

التشويه البشري للبيانات
يرى العالم الاجتماعي والاقتصادي تشارلز غولد هارت، بأنه عندما يتم الضغط على الموظفين لتحقيق قيمة مستهدفة ضمن إمكانات محدودة أو وقت وجهد معينين، دون طائل أو حافز مادي، فإن هناك ثلاث طرق يمكن للموظفين من خلالها المضي قدماً، الأول: يمكنهم العمل على تحسين الإنتاج، وزيادة جودة العمل.
أما في الخيار الثاني فيمكنهم تشويه الإنتاج من خلال إضعاف جودة العمل، لجهة زيادة الإنتاج، وثالثاً يمكنهم تقديم بيانات مشوهة، فلا يتم تحسين الإنتاج أو تعديله أو تقليله، بل يبقى على حاله دون تغيير في ظل تقديم بيانات مزورة للمؤسسة.

مواجهة تشوه البيانات
تخلص نظرية غولد هارت إلى أن اتخاذ مقياس ما كهدف يفقده كونه مقياساً موثوقاً، إذ إنه يقوم بتحييد نشاط الصناعة والتجارة عن عمل السوق الحر، فعندما يصبح الإجراء الإداري أو تصبح خطة العمل هدفاً، فإنهما يتوقفان عن كونهما مقياسين جيدين، لأنه وبكل الأحوال سينهار هذا المقياس، حينما يتعرض للضغط، وستتراكم فيه الأخطاء وبالتالي ستظهر عندنا نتائج البيانات المشوهة، بل الأفضل في رأي غولد هارت هو أن يتم التركيز على الهدف الرئيسي من النشاط التجاري أو التعليمي أو الصحي.
ففي المشافي الحكومية على سبيل المثال قد تأخذ المشافي براحة المرضى مقياساً لمستوى المشفى، ما قد يدفع المشافي إلى تعزيز ودعم إمكانات للمشفى في توفير راحة المرضى على حساب الإمكانات العلاجية، ونحن بذلك نحيد عن الهدف السامي للمشافي وهو تقديم العلاج، ويجب على الحكومات أن تلتزم بالمعايير الأساسية في إنشاء مؤسساتها.

التعاون الإداري
التعاون الإداري أحد الغايات السامية، التي تسعى كل التشريعات الإدارية إلى تحصيلها، إذ يعد التعاون داخل الشركة أحد المفاتيح العديدة لنجاحها الشامل. لكن لسوء الحظ، تشير العديد من الدراسات إلى أن الصوامع التنظيمية، أو الهدر، والأرشفة، تمنع حدوث عمليات تعاون فعالة داخل الشركات. وقد وجد أحدهم، على وجه الخصوص، أن 75% من الفرق متعددة الوظائف التي تم إنشاؤها داخل الشركات تعاني من اختلال وظيفي بسبب هذه الصوامع. في كثير من الأحيان، تضع هذه الصوامع ذات الرؤية الضيقة أنظارها على السعي وراء أهداف أصغر للأقسام بدلاً من المبادرات الأكبر على مستوى الشركة.
ولقد كان الاعتراف بالحاجة أن العمل معاً بطريقة تؤدي إلى إنجاز حقيقي، قائم على التدفق الصحيح للمعلومات وعلى الفهم والوعي لدى الموظفين، إضافة إلى ثقتهم بأنفسهم وبمؤسستهم، وهذا هو الاتجاه الذي تحاول اليوم الأنظمة والتشريعات الحديثة، ومن ضمنها التشريع السوري على وجه الخصوص، أن تحذو باتجاهه. فينبغي أن يكون العمل ونتائجه واضحة وشفافة، وينبغي تجنب الأجندات الخفية. فكلما زاد عدد الأشخاص الذين يدركون ما يحدث وأسبابه، زاد استعدادهم للمساعدة.
وعندما يتحسن نشاط العمل في وضوح نسبي، أو مع مجموعة صغيرة فقط، تكون على علم بالتفاصيل، يمكن أن تسود الافتراضات والشائعات الإيجابية. عوضاً عن الضغط النفسي السلبي.
وبناءً عليه فقد يكون من الأفضل، من الوقت الراهن، ولا سيما في المرحلة القادمة، أن يتم تضمين المنظمة بأكملها في النطاق بدلاً من مجموعة فرعية، الأمر الذي قد يكون بادرة تغيير إيجابية تجاه الموظفين والأفراد، وبادرة شفافية ووضوح في أداء المعامل والمنشآت.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار