أميركا تلطخ يديها بمجزرة إسرائيلية جديدة.. مسار «اليوم التالي» من باريس إلى بروكسل وتساؤلات تستعجل الأجوبة حول السقوف والحدود والمقايضات وهل من أصابع أميركية؟
تشرين- مها سلطان:
من باريس إلى بروكسل، وحتى تتكشف مداولات الغرف المغلقة «أو بعض منها» لاجتماعات استضافتها العاصمتان الأوروبيتان حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما يسمى مسار «اليوم التالي» والدور الأوروبي المحتمل على هذا المسار.. حتى تتكشف هذه المداولات لناحية طبيعتها وحدودها ومقايضاتها واليد الأميركية فيها، يستمر الكيان الإسرائيلي في ارتكاب المزيد من المجازر بحق أهل غزة، وبشكل لا تخفى معه رسائلها إلى المجتمع الدولي الذي يسعى إلى وقف حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ حوالي ثمانية أشهر على قطاع غزة، خصوصاً أن المجزرة التي ارتكبها أمس الأحد في مناطق إيواء النازحين في مدينة رفح، تأتي بعد يومين فقط من إصدار محكمة العدل الدولية (أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة) أوامر للكيان الإسرائيلي بـ«وقف فوري لعملياته العسكرية في رفح وضرورة المحافظة على فتح معبر رفح لتمكين دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».. كما تأتي بعد أسبوع من طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إصدار مذكرات اعتقال بحق متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب في غزة.. وما بين «العدل الدولية» و«الجنائية الدولية»، اعترفت ثلاث دول أوروبية جديدة، هي إسبانيا والنرويج وإيرلندا، بالدولة الفلسطينية وبما يعزز بشكل كبير مسار الدفع باعتراف أممي كامل بالدولة الفلسطينية.
الإدانات ليست فعل حماية
المجزرة أمس ضد النازحين في رفح سقط فيها العشرات بين شهيد وجريح، والحصيلة التي وصلت اليوم- حسب وزارة الصحة الفلسطينية- إلى 200، ما زالت مفتوحة، بينما ردود الأفعال ما زالت تتوالى على المستوى الدولي إدانة وتنديداً بهذه المجزرة الجديدة للكيان الإسرائيلي.
كل الإدانات الدولية للمجزرة الإسرائيلية في رفح لا تشكل فارقاً ما دامت أميركا تقف وراء الكيان وتشاركه حربه ومجازره وهي التي أعلنت مؤخراً عن مسار تفاوض على المكشوف بخصوص «اليوم التالي»
رغم ذلك فإن هذه الإدانات لا يُتوقع لها أن تشكل فارقاً بالنسبة للكيان الإسرائيلي ما دامت الولايات المتحدة الأميركية تدعمه وتشاركه حربه ومجازره، حتى إنه يمكن القول إن الولايات المتحدة باتت تفاوض على المكشوف لناحية ما تريده، وبصورة قطعية لأي نقاش، بخصوص ما سيكون عليه «اليوم التالي»، وليست الوثيقة التي كشفتها صحيفة «بوليتيكو» الأميركية «الخميس الماضي» سوى جزء فقط من المخططات الأميركية لقطاع غزة «وتالياً للمنطقة» سواء لناحية من له اليد العليا في غزة، أو لناحية الدور الفلسطيني-العربي.
ومن المعلوم أن ما يكشفه الإعلام الأميركي تباعاً وحول أي قضية، لا يدخل فعلياً في مجال التسريبات، بقدر ما هو كشف الحقائق على مراحل، واحتواء لردود الفعل من جهة، وبالونات اختبار من جهة ثانية، ولا يخفى أن هذا الإعلام يشكل جبهة متقدمة للمخططات الأميركية.
دور أوروبي موسع
وفيما يتم الحديث عن دور أوروبي أوسع على مسار وقف الحرب و«اليوم التالي»، لم يكن للمجزرة الإسرائيلية الجديدة في رفح إلا أن تغطي وجه الاجتماعات التي رعتها كل من العاصمة الفرنسية باريس والعاصمة البلجيكية بروكسل، وبدا الأوروبيون مضطرين لتكثيف تصريحاتهم المنددة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث اعتبر جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية «أن مصداقية الاتحاد الأوروبي معرضة للخطر، بسبب التجاهل الإسرائيلي للأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية بوقف العمليات العسكرية في رفح»، مؤكداً أن مجزرة رفح لا بد أن «تدفعنا إلى المطالبة بضرورة تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية».
الاتحاد الأوروبي يوسع حضوره الفلسطيني ويضغط باتجاه عقوبات على الكيان ومزيد من الاعترافات بالدولة الفلسطينية.. ماذا في الخلفيات وهل من يدٍ أميركية خفية؟
وقال في تصريحات اليوم الإثنين: إن احترام القانون الدولي ليس خياراً، وتجاهل قرار محكمة العدل الدولية سيضعف النظام العالمي القائم على القواعد، والذي يدعمه الاتحاد الأوروبي، ويعززه في كل مكان.
وأضاف: الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد.. لقد حان الوقت لكي يتحمل مسؤولياته أمام الوضع الكارثي بحجم غير مسبوق، إذ أصبحت مصداقيته الأخلاقية والسياسية في خطر.
بالتوازي، دعت دول في الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على الكيان الإسرائيلي لانتهاكه القانون الدولي والإنساني، ومن هذه الدول ألمانيا وإسبانيا والنرويج وإيرلندا التي اعتبرت أن «استمرار الانتهاكات الإسرائيلية يوجب على الاتحاد الأوروبي اتخاذ رد موحّد وحاسم بما في ذلك فرض عقوبات».
في الأثناء، اعتبرت المقررة الأممية الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، أن قصف إسرائيل مخيمات النازحين في مدينة رفح جنوب قطاع غزة «تحدٍّ صارخ للقانون والنظام الدوليين».
وقالت ألبانيز في منشور على منصة «إكس»: إن الإبادة الجماعية في غزة لن تنتهي من دون ضغوط خارجية، ويجب فرض عقوبات على «إسرائيل» وتعليق الاستثمارات والاتفاقيات والتجارة والشراكة معها.
وأضافت: «مزيد من الرعب في غزة، قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفت مخيماً للنازحين الفلسطينيين في رفح، ما أدى إلى اشتعال النيران بالخيام البلاستيكية وحرق الناس أحياء بشكل مأساوي.
عودة إلى مجلس الأمن
ومع ما يشهده الملف الفلسطيني من حراك أوروبي موسع، خصوصاً على مستوى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أعلنت الجزائر اليوم أنها ستعيد طرح ملف العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن الدولي، ودعا وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في كلمة ألقاها أمس الأحد، أثناء مشاركته في الاجتماع الوزاري العربي- الأوروبي حول القضية الفلسطينية في بروكسل، إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإقامة الدولة الفلسطينية كحل عادل ودائم ونهائي.
ما يكشفه الإعلام الأميركي تباعاً لا يدخل في مجال التسريبات بقدر ما هو كشف للحقائق على مراحل.. احتواء لردود الفعل من جهة وبالونات اختبار من جهة ثانية
وحسب بيان الخارجية الجزائرية، شدد عطاف على ضرورة استغلال الزخم الذي أحدثه الاعتراف الدبلوماسي للعديد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين لتشجيع بقية الدول الأوروبية على القيام بالمثل.
القطاع والضفة
بالتوازي مع مجزرة رفح، استمرت المداهمات وعمليات الاقتحام والاعتقالات في القطاع والضفة الغربية، حيث اقتحمت قوات الاحتلال فجر اليوم بلدة كفردان غرب جنين مستخدمة قنابل الغاز السام والقنابل الصوتية، وعاثت في البلدة خراباً وتدميراً للممتلكات.
واستشهد 3 فلسطينيين وأصيب عدد آخر بقصف إسرائيلي على منزل غرب مدينة رفح، بينما سقط عدد آخر من الشهداء والجرحى باستهداف صاروخي لمنزل في منطقة الزرقا شمال مدينة غزة، كما استهدفت مدفعية الجيش الإسرائيلي شرق مخيم جباليا شمال غزة.
واعتقلت قوات الاحتلال خمسة فلسطينيين، بينهم طفل، في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية بعد أن داهمت منزلهم.
وكان الإرهابي المسمى وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير، وعلى رأس مئات المستوطنين ووسط حراسة مشددة، نفذ عملية اقتحام لحي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة تحت حراسة أمنية مشددة للاحتفال بما يمسى «يوم الشعلة» العبري.
وعمد بن غفير والمستوطنون إلى استفزاز الأهالي، يينما أغلقت شرطة الاحتلال الحي إغلاقاً كاملاً منذ صباح أمس، ومنعت التنقل داخل شوارعه من أجل تسهيل حركة المستوطنين، الذين استولوا على أرض مفتوحة في الحي، وجرفوها لإقامة احتفالهم الاستيطاني.
جبهة الشمال
على جبهة الشمال، تستمر عمليات الاستهداف، حيث أعلنت المقاومة اللبنانية /حزب الله/ استهداف مبنى يستخدمه جنود إسرائيليون في مستوطنة مرغليوت بالأسلحة المناسبة وإصابته إصابات دقيقة.
وقال الإعلام الحربي في بيان، اليوم الإثنين: دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ورداً على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل الآمنة، استهدف مجاهدونا اليوم مبنى يستخدمه جنود العدو في مستعمرة مرغليوت بالأسلحة المناسبة وحققوا فيه إصابات مؤكدة.
وكان حزب الله قد أعلن أمس عن تنفيذ 16 عملية ضد الكيان الإسرائيلي بعشرات الصواريخ، مع نشر مشاهد توثق استهداف مباني وتمركزات الجنود الإسرائيليين ودباباتهم في القطاعين الشرقي والغربي من جنوب لبنان.
مسار الهدنة
وعلى مسار الهدنة واتفاق التبادل، استمرت الاتهامات في الداخل الإسرائيلي لنتنياهو بعرقلة هذا المسار، وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية اليوم الإثنين، نقلاً عن مصادر مطلعة، «أن نتنياهو يحاول عرقلة أي صفقة لتبادل الأسرى حتى قبل أن تنضج».
وذكرت الصحيفة نقلاً عن المصادر نفسها أن العرض الوحيد الذي يدور الحديث عنه حالياً للتبادل يتمثل في صفقة شاملة لإعادة الأسرى جميعاً، وقالت المصادر إنه إذا تلقى مجلس الحرب عرضاً لصفقة تبادل أسرى فسيكون نتنياهو ضمن الأقلية المعارضة.
ومن المتوقع استئناف مسار التفاوض في القاهرة غداً الثلاثاء.