المجتمع العربي وفلك الاستشراق
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
مما يبعث على الشجون أن المجتمعات العربية بحاجة ماسة إلى معرفة ما يحدث في دول العالم المتقدمة من تطورات اجتماعية وثقافية وعلمية وفنية واقتصادية، سواء من الدارسين العرب في الخارج، أو من عقلية الدارسين الغربيين من المستشرقين، كما أن الدارسين العرب المحدثين –إن لم نقل العرب جميعهم- كانوا ومازالوا عالة على الغرب، ليس في مجال التقنية والعلوم النظرية والتطبيقية أو في مجال ميادين الفلسفة والعلوم الإنسانية المختلفة وحدها، وإنما في ميادين الدراسات المتعلقة بتاريخهم وأدبهم وثقافتهم وحضارتهم بشكل عام.
فنحن نستورد هذه الدراسات المكتوبة بالإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الروسية أو الإيطالية أو الإسبانية أو غيرها من اللغات مثلما نستورد كتب الطب والهندسة والفيزياء والرياضيات وغيرها -وأنا أعني بالطبع حصيلتها هنا- وبالطريقة نفسها التي نستورد فيها الطائرة والسيارة والمدفع والدبابة والآلة الحاسبة والحاسب الآلي وغير ذلك، وإذا ما رغب المرء بأن يلتمس أسباب تدنّي مستوى هذه الدراسات جملة، فإنه يمكن أن يقع على عدد منها، فيشير على سبيل المثال إلى أن الباحثين العرب لا يُتاح لهم التدريب الكافي لكتابة الأبحاث العلمية، وأن بعضهم يعتمد على المحاولة والخطأ والتجربة الشخصية التي تُكتسب عن طريق الممارسة وحدها.
إن الدراسات في المجتمعات العربية اليوم تفتقر في مجملها إلى مبدأ الانطلاق في كل بحث أو مشكلة أو قضية من النقطة التي وصل إليها الآخرون الذين سبقوا إلى معالجتها، فأغلبها مما يُنشر هذه الأيام ينطلق في كثير من الأحيان من نقطة الصفر، وقد يعزو بعضهم هذا القصور إلى كاتبي هذه الدراسات – وهم على حق في هذا- وإلى أنهم لا يعيرون ما ساهم به غيرهم في هذا الميدان أو ذاك أدنى اهتمام، وهذا بعض الحقيقة لأنهم ينسون أن نقطة البدء في أي بحث هي مراجعة «البيبليوغرافيا» الخاصة به، ومعرفة ما كتب عنه، وبالتالي محاولة الاستفادة من هذا الذي كُتب وتطويره، والوصول به إلى نتائج متقدمة، ولا شكّ بأن البدء بإعداد «بيبليوغرافيا» شاملة ومستقصية للموضوعات المختلفة التي تتصل بجوانب الثقافة العربية والتاريخ العربي والحضارة العربية والأدب العربي أمر حيوي ومهم إذا ما أريد للدراسات العربية أن تحقق قفزة نوعية في ميدانها، لأن التقدم الذي أحرزته الدراسات العربية في الغرب، والمكتوبة بمختلف اللغات، إنما تحقق لها بتطبيق مبدأ متابعة البحث من النقطة التي انتهى الآخرون إليها، وليس من نقطة الصفر، وبالطبع فإن هذه المتابعة ما كان لها أن تتم لولا وجود «بيبليوغرافيا» خاصة بكل موضوع.