ترى الإعلام خطراً على شخصية الكاتب .. القاصة العراقية مآب عامر: بدأت بقصص ذات طابع سوداوي مظلم لم أدرجها من ضمن أي كتاب
تشرين- هويدا محمد مصطفى:
مازالت تسدل ضفائرها عند كل إشراقة صباح وتلون ضحكاتها مع فراشات النهار.. هكذا هي الكاتبة مآب عامر تنهض من ذاكرة معتقة بالطفولة والحكايات والحنين لتكتب القصة القصيرة بلغة تصويرية استبصارية وتشكيل جمالي، من خلال توظيف المكونات الإبداعية والصور الفنية وكسر الوقت بأسئلة المعنى والسرد الفني الذي يشرع الخيال في ترجمته عبر قصص قصيرة، لتحصد جائزة المرتبة الثانية عن مجموعتها “تنورة جينز قصيرة”، وهي الحاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة بغداد.. لها الكثير من القصص المنشورة بصحف محلية وعربية.. ومن خلال هذا الحوار سنتعرف على الأديبة مآب عامر
القصص بالنسبة لي هي مشاهد لحظات تمثل انعكاس رغبات المرأة وانكساراتها
* مآب عامر كيف كانت بدايتك؟
يخطر ببالي الآن قول جبران خليل جبران “لا توجد مصاعد إلى النجاح وإنما هناك درجات”.. أعتبر بدايتي مع كتابة القصة “قدرية”هي أشبه بعالم غامض، بقيت أبحث عنه محاولة استكشافه على مهل.. لقد بدأت بقصص ذات طابع سوداوي مظلم لم أدرجها في أي كتاب أو مجموعة، هي أشبه بالعراق وجروحه وقد نشرتها في بعض المجلات العراقية، منها ما كان عن القبور مثل قصة “ظل دمية” وأخرى عن حوادث الانفجار والتي كانت أقساها بالنسبة لي “انفجار الكرادة”عام ٢٠١٦.
سعيت في كتابة القصة لهدف الوصول إلى بناء رواية
* مجموعتك القصصية “تنورة جينز قصيرة” الفائزة بالمرتبة الثانية لأدب الشباب ماذا تحدثينا عن هذا الإنجاز وعن القصة؟
“تنورة جينز قصيرة” بعيدة كل البعد عن بداياتي مع القصة هي لا تحمل السوداوية الأولى في الكتابة, بل نتاج من حطام العراق.. العراق اليوم في أحسن أحواله لكن ما تعرض له من حروب وإرهاب ومآسٍ هي خسارات كبيرة وقعت على رأس العائلة العراقية، وكل هذه الأمور تعكس الأمراض النفسية لدى الفرد سواء الرجل أو المرأة, ولكن دوماً ما يقع ضحيتها الأطفال, والفتاة لدينا يتم تربيتها في صغرها على الاعتمادية والرجل في صغره على النرجسية العالية، وهنا مع مراحل عمرية مختلفة تتعرض المرأة للانتهاك بشكل تدريجي, خاصة بعد سقوط غالبية المبادئ والعادات في وقتنا الحالي.
القصص بالنسبة لي هي مشاهد لحظات تمثل انعكاس رغبات المرأة وانكساراتها, وعقدها وجروحها.. فتياتي بلا أسماء بلا وجود واضح, هن يمررن بلحظات تمرد وخضوع وانتهاك ورفض.
أرى أن لكتاب الشعر صدىً أكثر من كتاب القصة أو الرواية
أما فوزي بالمرتبة الثانية في أدب الشباب فهو أشبه بتجربة لتقييم مستوى كتاباتي وهو مغامرة جميلة، فأنا أعتبر أسلوبي بالكتابة خاصاً وحداثوياً غير مستهلك هو يشبه داخلي وعلى العكس من مظهري الخارجي.
* قارئ اليوم قارئ إلكتروني ويعتمد على السماع أيضاً, أين أنت من هذا, وهل تجدين رواجاً لأعمالك الأدبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
أسوأ تجربة مررت بها هي القراءة الإلكترونية. كقارئة تجعل الرواية بلا روح وسريعة التسرب مني، إلا أن كثرة التوجه نحوها ككاتبة يوفر الشهرة على صعد عربية أو حتى عالمية, وهذا أمر جميل. لكن أعتبر ذلك قراءة سطحية من الممكن أن يكون لها صدى فحسب. إن جمالية الأدب بكتبه الورقية وتوقيعها العبثي لون الورق ورائحة عتق صفحاته. والتجوال بين كومة الكتب بحثاً عن عنوان ما.. جهد تصحبه لذة خاصة عند قراءته, وخاصة إذا كانت الكتب بنسخ أصلية وعتيقة محفوظة بشكل جيد, أو نسخ لمترجم أتقن نقل الرواية.
إن جمالية الأدب بكتبه الورقية وتوقيعها العبثي
* أدب الشباب.. هل يتميز عن غيره برأيك وخصوصاً معايشتك الحرب والمعاناة في العراق وكل هذه الأحداث. هل غيرت في فكرك وثقافتك ووعيك كأديبة شابة ولديها طموح؟
نحن وتحديداً المجموعة الفائزة بالمسابقة أو البعض منا, نحمل أفكاراً مغايرة, هي انعكاس لتجارب منها القمع لدى البعض وغيرهم لخسارات ربما بعض الكتاب يفضلون العزلة وغيرهم الاختلاط والاندماج الاجتماعي.. أرى الجانب النفسي والسوداوي ورفض الواقع لسلوكنا انعكاساً لماضي لم نتمكن من تجاوزه بعد، كل منا لديه أسلوبه وتكنيكاته وقضيته المختلفة جداً عن الذين سبقونا اعتقد أننا جيل جديد يعبر عن دواخله, ويشير إلى واقعه بقوة وصراحة جريئة من دون حدود قد تدفعه للتوقف.. وحتماً للحروب والمعاناة دور كبير فرؤية طفلة لجثة محترقة نتيجة فعل إرهابي بمادة “السي فور” شديدة الانفجار واستنشاق روائح احتراق اللحم البشري, تفكيك سيارة مفخخة بالعبوات الناسفة بالقرب من جامعتك أمام ناظرك, وبقاء هذه الأحدث بذاكرتك يصيبك لوهلة بنوع من الصدمة التي تدفعك لحبس نفسك في غرفتك لأيام يصعب تخلصك منها أو القدرة على النسيان، لكن الحياة استمرت على الرغم من أن لكل فرد صدمته وجرحه وفقدانه.. وبعد كل شيء نحن نتشافى ونستمر باتجاه الأفضل سواء عن طريق المنافسة والعمل, أو الكتابة وإحراز النجاحات في كل المجالات والمحافل العالمية ليس في الأدب فحسب.
بعد صدور”تنورة جينز قصيرة”صرت أجد متعة غريبة وأنا أستمع لآراء القراء وما تحمله من تناقضات
* بعد حصولك على الجائزة وتكريمك من قبل اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. هل شعرت بمسؤولية جديدة؟
بعد وصول الخبر اجتاحني نوع من لحظات الصمت.. هو أشبه بالتخلص من ثقل دام لسنوات ثلاث، وبعدها قلت “وماذا بعد. هل انتهى الأمر؟ هذا الكتاب كان هوسي لمدة ليست قليلة، ماذا الآن؟ بطبيعة الحال تخلصت من الثقل, ولكن أصبح الأمر بالنسبة لي أكثر عمق وجدية. هذا جعلني أشرع بمجموعة أخرى أنتجت منها أربع قصص, وقد يكون الدافع أكثر من كونه مسؤولية إثبات أنك قاصة محترفة، استمرارك بالتجدد والاشتغال أكثر على الذات غاية في الدخول بعمق إلى القضية التي تحملينها.
* كونك تعملين في مجال الإعلام، ماذا قدم لك؟، وهل تعتبرين الإعلام يحقق شهرة للكاتب أو الأديب؟
_العمل في الصحافة والإعلام قدم لي الخبرة الواسعة في الوسط الأدبي، والاختلاط مع شخصيات لها نتاجها المهم, وكذلك لأناس بسطاء منحوني تجاربهم وهم يصارعون لإثبات قدراتهم. ولكن كلٌّ على طريقته وبيئته.
من الممكن أن يقدم الإعلام ضجة كبيرة عن كاتب أو كاتبة لقاءات وحوارات والاستمرارية بذكر شخصه وطرح نتاجه. ولكن ماذا بعد هذه الضجة؟ هناك العديد من الأدباء والكتاب صنعوا ضجة مخيفة وأحاطهم الناس بتهافت على كتبهم بين التسقيط والتمجيد. إلا أنني لا أجدهم اليوم. ومن هنا أعتبر الإعلام يشكل خطورة على شخصية الكاتب الحقيقي, فقد يفقد هويته وهو يتجول بين المحافل ويحظى بالتبجيل الذي قد لا يكون بشكل حقيقي, بل مؤقت يفقده خصوصيته.
* كيف تجدين واقع القصة القصيرة وعلاقتها بالنقاد والنقد؟
وصلت القصة إلى الاضمحلال في فترات سابقة, حتى أصبحت معدومة أو شبه معدومة على صعيد المرأة القاصة فهي مختفية نوعاً ما. حتى إنني أستذكر جلسات وندوات تحاكي موت القصة في أوقات سابقة، وكيف حظيت الرواية بمساحة أكبر. وكيف مر الوقت الذي يتجنب الشباب فيه مطالعة القصص ويتمتعون بالروايات ذات الضجة العالية والتجارية منها.
أما اليوم أرى بوضوح رجوع القصة العراقية إلى الحياة بقوة, وبتكنيك مختلف, منه المباشرة والمضمرة والعبثية وغيرها.. الثقافة تعود إلى الحياة الذوق العام يستقبل الجديد ويتطلع إلى الغريب منه.
* ما هي مشاريعك المستقبلية؟
** أعمل حالياً على مجموعة قصصية جديدة, بالإضافة إلى مشروع “نوفيلا” التي أعتبرها خطوة مشجعة للشروع برواية أو تتيح لي التقرب من الرواية. حتماً ستكون مغامرة شيقة إخضاع أسلوبي في القصة إلى رواية.