صناعة ألواح الطاقة الشمسية والضميمة.. أحد أشكال الاقتصاد المنظم وبداية لضبط حدود الأسواق الوطنية والعالمية

تشرين- حيدرة سلامي:

حسمت وزارة الصناعة في الجدل حول قرارات حماية الإنتاج المحلي، بتوضيح ينطوي على ما يكفي للإقناع بالأبعاد الإستراتيجية التي تنطلق منها الوزارة في تعاطيها مع القطاع العام والخاص عموماً.
وقد جاء قرار الضميمة على تضمين الرسوم المالية إلى مادة السكر وسلعة ألواح الطاقة الشمسية، وإن كانت مادة السكر أساسية في ذلك القرار، فإن تضميمها هذه الرسوم، جاء بناءً على رغبة المشرع في حماية الأمن الغذائي للمنتجات الزراعية، أما ألواح الطاقة الشمسية فقد كانت تضميمها في هذا القرار جزءاً من متغيرات إستراتيجية وعالمية، يخبئها العالم لهذه السلعة.

اتجاه عالمي
وعلى العموم فقد جاء القرار، على غرار اتجاه عالمي جديد يسعى إلى إغلاق الأسواق الوطنية في الفترات القادمة، للحد من بعض المشاكل الجانبية التي ظهرت في الآونة الأخيرة.

جاء قرار الضميمة على غرار اتجاه عالمي جديد يسعى إلى إغلاق الأسواق الوطنية في الفترات القادمة للحد من بعض المشاكل الجانبية

فكانت الخطوة في إيقاف الاستيراد المؤقت في مصلحة ضبط الأسواق التجارية وتنظيمها، حيث إن البضائع الوطنية باتت تعاني من المد العارم للبضائع الأجنبية الدخيلة على مختلف خطوط الإنتاج، وعلى مختلف أصناف المصدرين داخل السوق الوطنية، فتتعرض خطوط الإنتاج عادة إلى الابتزاز والضغط من قبل الدول المصدرة، لاسيما فيما إذا كان التصنيع يمر في عدة مراحل ويتصف بالدقة، كصناعة ألواح الطاقة الشمسية، ولذلك كان ولوج السلع الأجنبية في مثل هذه السلع الدقيقة، إلى داخل أسواقنا الوطنية، أمراً يحتاج الدراسة، لاسيما في ظل المنافسة الصناعية غير المتكافئة، بين الدول النامية والدول الصناعية الكبرى، التي تستخدم مبدأ احتكار التكنولوجيا في فرض منافسة تجارية غير عادلة، و محاولة التدخل في القرار الاقتصادي الداخلي، لاسيما في ظل العقوبات الاقتصادية التي تهدف إلى منع استيراد المواد المطلوبة لإنعاش اقتصادنا.
كما تعاني السوق الوطنية من آفة أخرى تودي إلى كساد البضائع الوطنية، وهي البضائع المهربة، والتي تحتاج غالباً وعياً استهلاكياً عالياً عند المواطنين والتجار، في فرض الرقابة الشعبية عليها، فغالباً ما يكون عند المستهلكين القدرة على الكشف عن هذه البضائع، حيث إنها أرخص ثمناً وأقل تكلفة، وهو أمر بدهي، بما إن من يقوم على إدخال هذه البضائع لا يدفع عليها أي ضرائب، ولا يتكلف إجراء أي فحوص جودة عليها ليتأكد أنها صالحة للاستعمال، فلا تستطيع البضائع الوطنية، التي تخضع لفحوص الجودة و ضرائب التخمين المالي، أن تنافس هذه التجارة المشبوهة.
ولذلك كان التضميم يسلط الضوء على أنواع السلع التي تحتاج الرقابة الشعبية والحكومية، دون غيرها، لما قد تشكله من خطر اقتصادي بعيد المدى على المواطن والمستهلك.

الضميمة في الاقتصاد السوري
الضميمة هي اسم الضريبة التي تفرض على المستوردات، التي يوجد لها بديل من المنتجات الوطنية، وفي هذا النهج تتدخل الحكومة عادة، لحماية بضائعها من المنافسة، والضميمة في هذا المفهوم تنطوي تحت بند التعريفات الجمركية، وهي كل أشكال الرسوم المالية التي تفرضها الحكومات على المنتجات المستوردة من دول أخرى، إلا أنها تختلف عنها بكونها ذات طابع محدد يستهدف سلعة معينة، لتدخل في القاعدة المالية الثابتة، في الخطة الاقتصادية.
وتختلف الضميمة عن الرسوم التعريفية التقليدية لغة، بأنه يتم ضم مبلغ معين إلى سعر سلعة أو مادة معينة وذلك لعدم وجود صيغة قانونية، لفرض ضريبة على هذه السلعة، لأن الضريبة يجب أن تفرض بموجب مرسوم قانوني، وهي بذلك أحد امتيازات السلطة الإدارية التي تلجأ إليها أوقات الأزمات، في سبيل اعتماد سلعة معينة، أو تخفيض الضغط عنها، فيتم اعتماد الضميمة على هذه السلع المهمة، ما يؤدي إلى انخفاض الكمية المستوردة من هذه المواد، قياساً على إنتاج تلك السلع في الصناعة المحلية.

وظيفة التعريفات الجمركية واستخدامها
في القانون الأصل في الأفعال الإباحة، ما لم يرد عليها نص أو قاعدة قانونية تقوم على تقييدها، وهذا هو أصل التعامل التجاري حيث يفترض بأن التجارة من الأعمال الحرة التي لا تقيدها قاعدة قانونية أو نص، وقد كان الحال كذلك حتى ظهور الدول بشكلها المعاصر وتقنين هذه الحرية التجارية المفرطة، حيث أثبت التاريخ أن لا شيء يصلح أن يترك على حريته المطلقة، إذ إنه من الممكن أن تدخل الأسواق في حالة من الفوضى يتم فيها الإهمال بإعمال قواعد المنافسة النزيهة، فتغرق بذلك البلدان النامية، أمام البلدان ذات القدرات الضخمة، حيث تنتهي حرية التجارة حينما تبدأ مسؤولية القانون في تنظيم المجتمع.

تستخدم التعرفة في حماية الصناعات الجديدة وإعطاء فرصة للصناعات الوطنية على مختلف مستوياتها

وعملاً بهذا المبدأ، كانت وظيفة التعريفات الجمركية قائمة على رسم حدود هذه الحرية والتنظيم في آن معاً، فتستخدم التعرفة في حماية الصناعات الجديدة، وإعطاء فرصة للصناعات الوطنية على مختلف مستوياتها، الكبيرة والمتوسطة والناشئة في مواجهة المد العالي للبضائع الأجنبية، وذلك أسلوب تم اعتماده في عديد من الدول الصناعية النامية، كتايلاند واليابان وكوريا وغيرها.
وكذلك في توفير الأمن القومي، إذ يُنظر إلى بعض القطاعات على أنها ذات أهمية إستراتيجية لاقتصاد أي بلد، لاسيما تلك التي تساهم في تدابير الأمن القومي بطريقة ما، ومثال ذلك هو صناعات الرقائق الإلكترونية التي باتت تعتبر التكنولوجيا المطلوبة أولاً في العالم.
ويمكن استعمالها ثالثاً في مواجهة الجريمة المنظمة عالمياً، حيث تعتبر المنافسة التجارية غير النزيهة أحد أهم مصادر تمويلها، وتعاني البلدان ذات التحوط الجمركي المحدود من فوضى السوق، التي يتمكن من خلالها بعض التجار من تسلق الهرم الإداري داخل الدولة، ونذكر على ذلك الحادثة المشهورة لثورة غواتيمالا، حيث لعبت شركات الفواكه الأمريكية، دوراً حاسماً في إسقاط نظام الحكم في غواتيمالا، وذلك من خلال منح هذه الشركة جميع الامتيازات التجارية على حساب المزارعين الأصليين الذين خسروا أعمالهم وأراضيهم أمام الشركات الأجنبية وعقود خدمتها مع الدولة المضيفة.

حرب على ألواح الطاقة الشمسية
في ظل المتغيرات الدولية التي تعصف بالعالم فقد انضم الاقتصاد السوري إلى جانب تضميم سلعة ألواح الطاقة الشمسية، وتنظيم تجارتها عالمياً، لاسيما في وجود الكثير من العمالقة المتنافسين على عرش هذه الصناعة المطلوبة عالمياً.
مواجهة النخبة الاقتصادية والصناعية، تقود العالم في تحدي تملك تجارة ألواح الطاقة الشمسية، حصل ضمن الأحداث الأخيرة، فقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، اعتماد قرار الاحتفاظ على جميع التعريفات الحالية على الواردات الصينية، معتمداً بذلك سياسة التضميم، على جميع السلع الإستراتيجية، وتشمل تلك التعريفات الجمركية، خمسين في المئة من قيمة أشباه الموصلات، وخمس وعشرين في المئة إلى مئة في المئة على السيارات الكهربائية، وأخيراً فرض رسوم تقدر بخمس وعشرين وحتى خمسين في المئة، على قيمة ألواح الطاقة الشمسية.
إلا أن هذه الرسومات المعلنة قد رافقتها استثناءات على إحدى السلع المعينة بالذات، حيث صرح مستشار الرئيس الأمريكي في بيانه، بأنه سيضع عملية استثناء جمركية للآلات المستخدمة في التصنيع المحلي، مع إعطاء الأولوية للمعدات المستخدمة في تصنيع الألواح الشمسية.

وقد كانت هذه الإجراءات، تهدف إلى تعزيز دور الشركات الوطنية الأمريكية في سباق تصنيع ألواح الطاقة الشمسية، فكان الانتقام الصيني بالغذاء والزراعة. وقد ساهمت هذه التعريفات الانتقامية في انخفاض صادرات الولايات المتحدة من الأغذية والزراعة التي تستوردها من الصين، وأصبحت الولايات المتحدة مؤخراً مستورداً صافياً لهذه المنتجات، منهية بذلك سلسلة طويلة من الفوائض التجارية.
وبناء عليه، واستناداً إلى تحركات هذه الكتل الاقتصادية العملاقة، فليس أمام حكومات الاقتصاد النامي، سوى الاتجاه بفرض تعريفات جمركية على السلع المستوردة، وذلك لتقوم بضبط أسواقها هي الأخرى، لاسيما إن كانت سوقها هشة، وكانت عملتها غير مستقرة، لأنه إذا انتهى هذا التحوط التجاري بطريقة سليمة، فستتجه هذه الدول في تعزيز الصناعات الضرورية لتحقيق عملية النمو التجاري والاقتصادي، خلال مرحلة لاحقة. وهذا ما نحتاجه اليوم في بلادنا أكثر من أي وقت آخر، فقد آن الأوان لدخولنا ضمن السوق المعاصرة، حيث إن ضبط الأسواق الوطنية في هذه المرحلة سيعيد للمستثمرين رغبتهم في العمل داخل السوق السورية، وسيقوم بإعادة تنظيم الاقتصاد السوري مجدداً، حتى يكون جاهزاً للدخول ضمن السوق العالمية للصناعات الجديدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار