مصمم المؤثرات البصرية في مسلسل «تاج».. مصطفى برقاوي: لقطة دمشق عام 1942 هي حلم وتحقق
تشرين- حوار : ميسون شباني:
صورة مبدعة بمناخٍ تاريخي آسر أعادنا فيه مسلسل “تاج” إلى عوالم دمشق في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، نجح في رسم مشهدية بصرية مليئة بالتفاصيل الحميمية لصورة دمشق في ذاك الزمن، تكنيك بصري تماهى فيه الضوء واللون وممزوج بدراماتورجية عميقة آلفت بين الدراما والتاريخ بصنعة لونية سجلّت لصالح صناع المسلسل وتوّلاها بنجاح الغرافيكي ومصمّم المؤثرات المشهدية مصطفى برقاوي..
فهم عميق للتاريخ
وفي حوار مع (تشرين) يؤكد برقاوي أنّ المقاربة الحقيقية والتاريخية التي تمّ الاشتغال عليها لتظهر مدينة دمشق كما كانت في الفترة الممتدة التي حاكتها أحداث العمل، احتاجت إلى فهم عميق لأجواء تلك الحقبة عبر بحث مكثف عن صور وفيديوهات تغطي مدينة دمشق في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، وكلما تمّ الكشف عن زوايا جديدة منحنا مجالاً للتخيل أكثر عن شكل المدينة وكيف كانت خاصة أنها تتميز بعدد من نقاط العلام التي لا نستطيع التحايل عليها بمبانٍ أخرى كمبنى: الوزارة، قصر غازي، جامع البصراوي، فندق أمية، مبنى العابد، البلدية.. وغيرها وصولاً إلى الجامع الأموي والقلعة والحميدية وسوق مدحت باشا.. حيث تمت الاستعانة بمخططات ومساقط عن ساحة المرجة وطريق النهر وساحة الحجاز وصولاً لفكتوريا وهي التي ساعدتنا ببناء ثلاثي الأبعاد وتقديم مقاربة واقعية عن المدينة التي كانت موجودة في ذلك الوقت..
مقاربة تاريخية
وبخصوص الخطوات والمراحل التي تمّ الاشتغال عليها يكمل برقاوي أنه بعد الحصول على الخرائط والمخططات قمنا بصنع بناء ثلاثي الأبعاد بدءاً من نقاط العلام الأساسية التي يجب أن تتشكّل كما هي، وانتقلنا إلى عملية البحث لإكساء هذه المباني والبحث عن طبيعة المادة المستخدمة من حجر أو رخام أو خشب إضافة إلى القرميد الذي كان مستخدماً بشكل واسع، وكانت هناك مقاربة لشكل البيوت السكنية التي كانت تتوزع بهذا الوقت في محيط ساحة المرجة وصولاً للغوطة مروراً بدمشق القديمة، وكيف كان شكل البيت العربي وشكل الشباك وارتفاع المنازل في ذلك الوقت بحيث لا يزيد على ثلاثة طوابق وكيفية توزعها في الشوارع الرئيسة التي تم أخذ مساقط وتخيّل شكل مقارب لها.
سينوغرافيا خاصة وواقعية
ويضيف برقاوي أنّ العمل كان عبر اتجاهين: الديكور من جهة وتقنية ( 3D ) من جهة ثانية لبناء سينوغرافيا خاصة وواقعية تحقق العودة إلى جو المدينة في ذلك الوقت، هذا الشيء تطلب أن نكون موجودين في كل لحظة لأخذ الاحتياطات اللازمة، كي نحقق بنية بصرية متكاملة بدءاً من حركة الكاميرا مروراً بطبيعة الديكور والمواد المستخدمة وصولاً لزمن الحدث، والإضافة تكون خلال عملية التصوير بمزج مادة ( 3D) بمادة التصوير والتي يطلق عليها عملية (كومبوز) وتجميع الطبقات و(اللايرات) ودمجها مع اللقطات التي تمّ تصويرها بالكاميرا، وهو عمل دقيق فيه تفاصيل هائلة من جهة العناية بالحواف ودمج مادة (الثري دي) مع الكاميرا مع مراعاة لكثافة اللون ودرجته، وموضوع اللقطات التمهيدية لمدينة دمشق خضع لنسب بمعنى أن التقدير يكون بحركة الكاميرا وتكوين الكادر وزمن التقاط اللقطة بجهة الشمس والإضاءة ، كلّ هذه القرارات تتم ضمن فريق من المؤثرات البصرية، وببعض الحالات تكون كمية (الإيفكت) قليلة وتتبع الحركة وتدخلها محدود جداً.
لأول مرة الذكاء الاصطناعي..
وعن تقنية الذكاء الاصطناعي وكيف تمّ تقديمها عبر العمل يجيب برقاوي بأنه لأول مرة يتم تخديم هذه العملية بهذا الشكل بعدد لقطات يقارب الـ(150 ) لقطة تمّ الاشتغال عليها بإعطاء ملامح شخص الرئيس الراحل شكري القوتلي لوجه الفنان باسل حيدر الذي قام بدوره ، والعملية تمت على مرحلتين، حيث تم جمع الصور والفيديوهات المتوفرة للرئيس قوتلي، وتمّ توليد وجه بنفس الملامح والألوان مع المحافظة على تقاطيع لون ووجه الرئيس الراحل، وبعد عملية التوليد تمّ رشقها على وجه الممثل والاشتغال على وجه الممثل من جهة لون الوجه المصور بالكاميرا بتقنية (3D ) الذي تمت إضافته ومتابعة لحركة الوجه وشد الجلد عند التعابير، وبعدها انتقلنا للعمل عليه عبر برامج مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وفي المرحلة الأخيرة يصبح هذا الماسك هو جزء تام من وجه الممثل..
تفاصيل خاصة وأرقام
وعن جديد ما قدم في مسلسل “تاج” أشار برقاوي إلى أن الجديد هو رقعة البناء لمدينة دمشق هذه الرقعة بحجمها و(كواليتي) العمل بها كانت غير مسبوقة في الدراما السورية من جهة عدد اللقطات و(الاكستنشن) وكمية البناء و(كواليتي) العمل الذي وصل إلى ( 250) قطعة فنية، وهذا رقم غير مسبوق في مسلسل رمضاني سوري بما يخص الذكاء الاصطناعي إضافة إلى أن عدد اللقطات أيضاً كان غير مسبوق.
كما أشار برقاوي إلى أن التخديم درامي للتقنيات البصرية من خلال شروق الشمس عام 1942 تمّ فيه بناء المعالم الأساسية لمدينة دمشق بناءً على الخرائط والصور حيث صنعنا مشهداً لدمشق بمنظر ليلي من دون أي عنصر حداثي من التقنيات والدخول في تفاصيل للمدينة من سيارات وإضافة الترام، إضافة إلى منظر إلقاء المناشير عبر ثلاث طائرات.. وأشار بأنه استغرق بناء ساحة المرجة والمباني المحيطة بها ضمن الأفق أربعة أشهر من العمل. وتم تصويرها باللقطات التمهيدية بطريقة (الثري دي) وتم الاستفادة منها بالمشاهد الليلية والنهارية واللقطات العادية ، بأسلوب التقديم كان بالاعتماد على حفر (الكروما) ضمن المشاهد الدرامية بمبانٍ ثلاثية الأبعاد تمت مراعاتها بدقة حسب الوثيقة التاريخية.
وبخصوص المزامنة في الحدث الدرامي وقطعات الكاميرا والتوثيق التاريخي للأمكنة نوّه برقاوي أنه تم اعتماد تقنية (سيت اكستنشن 3D) بنسبة 90% ، و 10% ديكور، كما حصل في فندق الأورينت ومدرسة دار السلام التي كانت تسمى مسبقاً بمدرسة الراهبات المريميات المرسلات.
وتم الحفاظ على النقوش والديكورات، والاشتغال على حفل الاستقلال ضمن مشاهد الحشود الشعبية باستخدام (الكروما) واللقطات الواسعة.
وبخصوص مشهد التفجير تم تصويره بتقنية (3D) بانفجار حقيقي وتم جمع الأشخاص مع الانفجار مع وضع النهر وانعكاس الانفجار على النهر وتفاعل النهر مع شظايا التفجير بتقنية الممازجة.