السيناريست علي وجيه: الدراما السورية تستحق هامشاً من الحرية أكبر بكثير من الموجود حالياً
حوار: بديع منير صنيج:
بعد الجدل الكبير الذي أثير حول مسلسلي “ولاد بديعة” و”مال القبان” أوضح السيناريست السوري “علي وجيه” أن إثارة الجدل ليس هدفاً بالنسبة له مع شريكه في الكتابة “يامن الحجلي”، لكن سعيهما الدائم لتقديم الجديد والمختلف وغير الاعتيادي هو ما يجعل أعمالهما مثيرةً للجدل.. وعلى صعيد الشخصيات يرى أن الخاص منها هو الجدير بالطرح، لكنها تبقى نماذج غير قابلة للتعميم، فهي من نتاج الحرب ضمن ظروف خاصة جعلت من تلك الشخصيات ضحايا الظرف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وقال وجيه: رؤيتنا أنا ويامن تتلخص بألا نخبِّئ الوسخ تحت السجادة، لأن ذلك لن يجعل الغرفة نظيفة، لذلك نعتمد المواجهة التي تحقق الصدمة لدى المشاهد، والهدف منها تسليط الضوء على الإشكاليات، وخاصةً أننا نؤمن بأن الواقع هو من يولِّد الدراما وليس العكس، وهو قادر على مفاجأتك دائماً بسلبياته وإيجابياته.. وأضاف عن الانتقادات التي طالت أعماله والعنف الذي كرَّسته: لست مع مقولة أن الدراما هي من تُربّي الناس، لكن الصدق مع الناس هو من يجعلهم يصدقونك، ومواجهتهم بحقائق مزعجة لهم يجعلهم يفكرون بها أكثر، كما أنها تحرّض الحوار حول المشكلة.
العقود المبرمة مع شركات الإنتاج مجحفة بحق الكاتب
وأوضح كاتب “عناية مشددة” أن المجازفة والمغامرة ضرورية في الكتابة للدراما، مُعقِّباً: تجسد ذلك في “ولاد بديعة” الذي بدأت مع الحجلي كتابته في شهر أيلول، وكنا نسابق الزمن لإنجازه، وهو العمل الوحيد الذي كنا نعرف مخرجته وأبطاله قبل كتابته، بناء على توافق بيننا وبين شركة (بينتاليس) والمخرجة رشا شربتجي.. وأضاف: اعتمدنا فيه تركيبة فنية عبارة عن مزيج من جرعات عالية من التراجيديا مع الميلودراما مع الهزَل والعنف ضمن شخصيات فاقعة، كل ذلك ولَّد انطباع العبث، فهو ليس واقعياً مئة بالمئة لكنه توليفة فنية للواقع، مقتدين بصيغة مشابهة لأعمال المخرج الأمريكي “كوينتين تارانتينو” والمخرج البريطاني “غاي ريتشي”.
أما عن استهدافهم لبيئات غريبة كنباشي القمامة في “على صفيح ساخن” وسوق الهال في “مال القبان” والدباغات في “ولاد بديعة”، فأوضح أن ذلك مقصود، لأن تلك البيئات غنية وتؤمّن الجديد للدراما الذي من الصعب جداً الحصول عليه في بيئات تقليدية، وبإمكان ذلك توليد عشرات القصص، مؤكداً أن إدخال الدراما لتلك البيئات يتم بعد بحث حقيقي يأخذ وقتاً كبيراً من أجل الكتابة.
وفي سياق منفصل وصف علي وجيه العقود التي تبرمها شركات الإنتاج مع كُتَّاب السيناريو بأنها مجحفة جداً بحق الكاتب وينبغي مراجعتها، قائلاً: أتفق أنَّ مِنْ حقّ المخرج وشركات الإنتاج التدخل في النص، لكن على ذلك أن يكون ضمن أعراف راسخة من الاحترام والحوار، وفي حال كان الاتفاق واضحاً من الأساس لن يحصل أي خلاف فيما بعد .
وأضاف: العقود الحالية لا تحمي الكاتب نهائياً، فمن حق شركة الإنتاج أو المخرج أن يغيّروا أي شيء، والأهم أن بإمكانهم تغيير المقولة الفكرية التي يريدها السيناريست، لذلك على لجنة صناعة السينما ونقابة الفنانين واللجنة الوطنية للدراما التَّدخُل لإصلاح هذا الخلل.
وعن الشراكة التي جمعته مع يامن الحجلي فأوضح أن ميزتها هي الانسجام بالأمور الدرامية الأساسية، مضيفاً: لحسن الحظ أنه لم يتم استكتابنا لأي عمل، وكل ما اشتغلنا عليه من مشاريع كان نابعاً منا، وكل نصوصنا تعلَّمنا منها، منذ “عناية مشددة” حيث الكتابة أقرب إلى العفوية، بما لها من إيجابيات ومآخذ، مروراً بـ”صفيح ساخن” الذي شكَّل مفصلاً مهماً، وهكذا، لكن كل مشاريعنا بذلنا فيها المجهود نفسه وعملنا عليها بحب.
ما مرَّرناه في “مال القبان” إنجاز للدراما السورية وللرقابة أيضاً
وحول إخراج نصوصهما من قبل أبرز مخرجي الدراما في سوريا قال وجيه: لا أحد لا يحب التعامل مع الأفضل، خاصةً أن المخرجين الجيدين باتوا قلائل جداً، والمشكلة إن كانوا مرتبطين بأعمال أخرى، حينها لا مانع لدينا من اللجوء إلى الأسماء الشابة، بشرط إيماننا بأن ما نكتبه سيكون بين أيدٍ أمينة، علماً أنه بقدر ما يشاركنا المخرج في رؤيته منذ البداية، بقدر ما نشاركه بنجاح العمل ونتحمل معه الفشل إن حصل، لأن المخرج الشجاع هو من يجمع لديه أكبر عدد من الشركاء الذين يثق بهم.
وعن العلاقة مع الرقابة فأوضح كاتب “هوا أصفر” بأنها تتم اليوم عبر وسيط لجنة صناعة السينما واللجنة الوطنية للدراما، وهي بالأغلب علاقة شركات الإنتاج مع اللجنتين، أما فيما يتعلق بالنقاشات الفكرية فتتم مع الكاتب، خاصةً بعد التقرير الرقابي، ونتيجة ذلك الحوار مرَّرنا الكثير من الأمور التي لم يكونوا موافقين عليها، وخاصةً في “مال البان” الذي أعتبر ما مررناه فيه إنجازاً للدراما السورية وللرقابة أيضاً.
وقال: الفضل برفع أي سقف رقابي هو للمبدع الذكي أولاً، ولرحابة صدر الرقيب ثانياً، ولاسيما أن الخطوط الحمراء غير واضحة المعالم، وتعتمد على من يقرأ من الرقباء. لكن بالعموم الدراما السورية تستحق هامشاً من الحرية أكبر بكثير من الموجود حالياً.