تحقق مردوداً جيداً للأسر رغم المخاطر والتعب..”الكمأة والعكوب السوري” عائد اقتصادي جيد يحتاج للاهتمام
تشرين- حسام قره باش:
لا تبخل الطبيعة بخيراتها النباتية المتنوعة حتى باتت تشكل باب رزقٍ للكثيرين من خلال ما أوجدته من فرص عمل موسمية للمئات تدرُّ أرباحاً جيدة بما تقدمه من منتجات مجانية بلا أية تكاليف أو رأس مال، إلا أن الغوص في استثمار هذه المنتجات لا يخلو من المخاطرة والمغامرة بآن معاً.
فما هذه النباتات التي قد تفقد المواطن حياته كما حصل في البادية السورية مقابل الحصول عليها بغية تأمين مصدر للدخل وتحسين مستوى المعيشة التي ضاقت كثيراً بسبب الحصار الظالم والتضخم المشؤوم.
فوسط حقول الألغام التي زرعها الإرهابيون في البادية ينشط موسم البحث عن الكمأة وفي جرود الجبال الوعرة والمنحدرة تكثر حالياً أعداد العاملين في جمع نبات “العكوب” وسط حقول الأشواك.
“تشرين” التقت أحد العاملين في جمع وبيع (العكوب) حالياً من منطقة القلمون بريف دمشق، فأخبرنا عن صعوبة ما يقومون به من أجل تأمين مصدر دخل جيد لهم، مبيناً أنه يعمل أعمالاً حرة من بينها جمع الكمأة في وقتها، ثم جمع العكوب في موسمه و تحديداً هاتان المادتان لمردودهما المادي الجيد، فالكمأة شهدت أسعاراً تراوحت ما بين 75 إلى أكثر من 200 ألف ليرة للكيلو، حسب حجمها ولونها ونظافتها في حين العكوب يباع الكيلو منه حسب حجمه ونظافته، الصغير ب 25 ألف ليرة والوسط 35 ألف والكبير بأكثر من 45 ألف ليرة.
وقال: نفضل العمل بها رغم أنه عمل متعب للغاية، لأنها لا تحتاج لرأس مال بل تحتاج للجهد والوقت فقط وجيد لنا اقتصادياً، وتكون ذروة عملنا في شهري نيسان وأيار، وما إن ينتهي موسم نبدأ بالبحث عن آخر فالطبيعة كريمة ونحن مضطرون لاستغلالها كي نعيل أسرنا.
لا تخضع للتسعير
عن ماهية هذه النباتات بشكل عام، يرى أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة في حديثه لـ” تشرين” أن نباتات الكمأة والعكوب والفطر غير المستزرع، من الأغذية المطلوبة لقيمتها الغذائية العالية، وهي نباتات موسمية تختلف من موسم لآخر عدا عن أنها غير مستزرعة وتنمو بشكل طبيعي، لذلك لا تخضع للتسعير وتسعيرها كيفي حسب العرض والطلب.
وأضاف: جرى استزراع الفطر وأعشاب الزعتر البري والبابونج بشروط معينة فتوفرت، بأسعار معقولة على عكس الكمأة والعكوب اللذين توجد صعوبة في التفتيش والحصول عليهما بأماكن إنتاجهما، حيث يجمعها خاصة الفلاحون ورعاة الأغنام من أماكن تواجدها القليلة ضمن مناطق معينة، كالبادية وبعض القرى، وما يبرر أسعارها المرتفعة صعوبة الحصول عليها وجمعها وإعدادها للتسويق بعد تنظيفها من الأتربة والأشواك، رغم إقبال المواطنين عليها وزبائنها التي تنتظر مواسمها لشرائها بسبب قيمتها الغذائية المميزة التي تعادل اللحوم.
وعن قيمتها الاقتصادية، بيَّن أن مردودها شجع المواطنين على جمعها والمتاجرة بها و توضيبها ما سمح بتصديرها بكميات لا بأس بها خاصة إلى دول الخليج والبلدان المجاورة لكونها مرغوبة ومطلوبة جداً لديهم، لافتاً إلى أن صعوبة الحصول عليها زاد في أسعارها، وهي فصلية يتعلق إنتاجها بالظروف الجوية المواتية ولهذا من الصعب حصر كميات الإنتاج لها.
وأشار حبزة إلى تصدير غالبية الكمأة، رغم قلة الكميات المنتجة نسبياً بعد أن كانت متوافرة سابقاً بكثرة كما في مناطق دير الزور والبادية، في حين أن طريقة جمع العكوب أصعب، وإنتاجه أقل مهما تم جمعه، حيث يشترك بالعملية أكثر من شخص و طريقة عمله صعبة جداً، لذلك يكلفون بعض النساء بتنظيفه وإعداده ثم تسويقه للمدن وبيعه بأسعار وكلف عالية، مضافاً لها أجور النقل رغم أنه لا يعد من النباتات الأساسية.
العائد الاقتصادي
بدوره، يؤكد الخبير في دراسات الجدوى الاقتصادية الزراعية المهندس حسام القصار في تصريحه لـ”تشرين” أن أسعار النباتات المذكورة كالعكوب والكمأة تباع بأسعار مرتفعة، ولها عائد اقتصادي هام لمن يعمل بها وهذا يعود للجهد الكبير والمشقة في طريقة الجمع وتكاليف النقل من أماكن تواجدها في البرية إلى الأسواق، إضافة لعوامل الندرة و رغبة المستهلك في شرائها طمعاً في فوائدها الغذائية المهمة.
وعن تقديرات الإنتاج لفت لعدم توفر أي معلومات دقيقة عن الكميات المنتجة منها كونها تجمع من قبل بعض المزارعين والمهتمين بها حيث تنزل للأسواق مباشرة دون مرورها إلى أسواق الهال التي قد يتوافر فيها بعض الإحصائيات عن الكميات المدخلة للسوق والمباعة عن طريقه في حال تسويقه إليه، منوهاً بأن الكميات المنتجة عموماً ليست وافرة ولا تشكل وزناً اقتصادياً معتبراً، على عكس تلك النباتات التي تزرع محلياً كالزعتر والهندباء والبابونج، فيمكن تحديد كمياتها الإجمالية عبر مديريات الزراعة.
ويشرح دورة حياة هذه النباتات التلقائية التي تسير وفق نهج محدد من التعليمات الوراثية الموجودة في خلايا النبات مع توفر بيئة مناسبة من حرارة ورطوبة وتربة ملائمة، ويكون انتشارها بفعل الحشرات والرياح من دون تدخل الإنسان أو أية تكاليف مادية بشرية، إنما بتكاليف بيئية طبيعية مما تستهلكه من عناصر معدنية لاستمرارها، مضيفاً: إنها تنبت برياً دون تدخل الإنسان الذي عجز حتى الآن عن استنبات فطر الكمأة، بينما ينتشر العكوب وينمو في الأراضي البكر ونجده أيضاً في غوطة دمشق وقرى جبل الشيخ وريف دمشق، ويعد عكوب المناطق الجبلية أفضل من غيره.