تكتب الحب لأنه يعني الحكمة.. الشاعرة سميا صالح: اخترت الشعر لما فيه من مناغاة للروح الكليمة..
تشرين- هويدا محمد مصطفى:
تسافر القصيدة أمامك وهي تترك إرثها في كل مكان، هكذا الشاعرة سميا صالح تكتب القصيدة فتهتز خلاياك وتلامس أعماقك وأنت تقف على مشارف الإبداع ، تطل القصيدة كأنثى تغرقك في عاصمة المجاز والمرتبطة بمخيلة مشبعة بالرؤى فالشاعرة تمتلك ناصية الحرف لتكتب كل الأنماط الشعرية بلغة مبتكرة وشعرية دافئة وناعمة صدر للشاعرة صالح أربع مجموعات شعرية: “كأنك إني، رقص على إيقاع المط، عشق ثلاثي الأبعاد، على السطر الأخير، ورواية بعنوان، قلبان لوطن واحد.. وللغوص في عوالم الشاعرة سميا صالح كان لنا معها هذا الحوار:
* لمن تكتبين وعمن تبحثين من خلال أعمالك الأديبة ؟
في البداية كنت أكتب الجانب الذاتي وهذا يحصل مع أغلب الأدباء ، لأن الذاتية تتعلق بالنرجسية وحب المرء لنفسه ، لكن مع مرور الزمن وجدت نفسي في مطحنة الحياة اللارحيمة فتوجهت لكتابة ما يتعلق بالإنسان وآلامه وحيثياته التي تجعل منه معدماً مركوناً في زوايا الهلاك في أوطاننا بسبب الطغاة فاتخذت النثر أول صولاتي وجولاتي للتعبير عما يعتمر في النفس تجاه المظالم التي نحس بها ونراها في مجتمعاتنا ضد الإنسان والناس أجمع لأن الناس هم الأثمن رأسمالاً فلابدّ أن يكون الشعر معهم ولهم، فالشاعر إن لم يكن مع الناس والجمهور لن يكون له شأن لأنه منهم وإليهم .
* تكتبين القصيدة العمودية وأيضاً قصيدة النثر أين تجدين نفسك وقارئ اليوم ، ما الشعر الذي يستهويه؟
بخصوص العمودية والنثرية واللغط الدائر بينهما عن الأفضلية والحداثة ، أو الرجوع الى السلف والماضي كل هذا ركنته جانباً وتمسكت بمقولة لأحد رواد المدرسة الرومانسية يقول ( تساقطي تساقطي أيتها الجدران الفاصلة بين الأجناس الأدبية ) ، ولذلك أكتب اليوم بكليهما وحسب ما يريه البوح مني لحظة كتابة النص ، فهذه اللحظة هي الفاصلة التي تقرر كيف يكون شكل ومضمون النص ( عمودياً أو نثرياً)
هذا يعني ما من قيود على روحي وعقلي لحظة الشرود الذهني لكتابة النص والبدء بالتفريغ وصب الكلمات على الورق فالشاعر هو دائماً يمر بين مرحلتي التفريغ والشحن، يرى نفسه مشحوناً بأفكار جديدة بحيث يحس أنه قد أتخم مما رآه في أرض الواقع أو في الأحلام فلابدّ من التفريغ وهكذا دواليك .
* هل الشعر من مكنونات الذات أم واقع نعيشه بتفاصيله؟
لا أتفق مع المقولة الشائعة ( الشعر أعذبه أكذبه ) ، إن لم تكن صادقاً فلن تجد ما يريح ذاتك ، اترك ما يقولونه وعليك بترميم نفسك أولاً، فالشعر مهمته المساهمة في التغيير أو دعم الفكرة التي ينادي بها الناس وليس مهمته التغيير، فهذه مهمة المناضلين وأصحاب الشأن والناس بشكل عام ، علاوة على ذلك كي تكون صادقاً وتساهم في تغيير عجلة البشر المرمي في أركان وهامش الحياة عليك حين تجلس في الصباح أن ترتب فراشك وسريرك ، كما الشعر الجميل حين يكون واقعياً ، ولكن من الممكن تحويل الواقع الى صورة فنتازية وبأسلوب لغوي، وهذه من مهام الشاعر الموهوب، فالشعر هبة قبل أن يكون لغة وثقافة .
* كأنثى هل تعتبرين الشعر يتحدث عن قضايا المرأة ومشاعرها؟
المرأة أول المتصدرين على قائمة الشعر ونواياه وهي التي ترافق الرجل في مخيلته وحياته اليومية إن كان في اليسر أو في العسر ، فذات يوم كان لوركا ، الشاعر الإسباني الشهير، في السجن وأرسل رسالة إلى حبيبته وقال لها : من دون حريتي لا يمكنني أن أحبك . لا يمكن للمرء وهو بين الأغلال وفي الأقبية أن يمتلك حرية الحياة مع من يحب، وهذا نوع آخر في معاضدة المرأة وهي تنتظر محبوباً قد زج في غياهب السجون أو تاهت به متاهات الحياة فجعلته بعيداً كل البعد عمن يحبها .
فهنا ننطلق ونقول إن الشعر غالباً ما يتحدث عن المرأة بل ينطلق منها وخصوصاً في الغزل الذي جلّه يتناول المرأة إن كان جسداً أو عقلاً وروحاً، وما أكثر الغزليات التي لا يمكننا حصرها ومن خلالها نجد حضور المرأة بشكل طاغٍ
* لديك رواية بعنوان/قلبان لوطن واحد/عما تتحدث ومن أين أتت فكرة الرواية؟
تتحدث عن مآلات الوطن في خضم الحرب الدائرة التي مازالت في أواخر نهاياتها ، أو الحرب التي تديرها قوى الاستعمار العالمي . عن الفقد والموت وما شهدته سورية من تغيير في النفس البشرية، تتحدث عن الحب الذي أصبح في المصاف الأخير بعد أن كان هو من يمثل الهوية السورية على امتداد الدهور .
تتحدث عن الضياع وما حلَّ بالسوريين من هجرة إلى المنافي. تتحدث عن الخير والشر والتصارع بينهما ولابدّ للخير أن ينتصر ويبقى ربانه كي لا تضيع سفينة النجاة السورية وسط هبوب المتغيّرات على الساحة الدولية والمحلية.
* الشعر والرواية ما الرابط بينهما وهل تعتبرين زمن الرواية أفضل من الشعر؟
لا يوجد رابط بينهما سوى اللغة فالرواية سرد ودراما، والشعر نظم واختصار . الرواية من الممكن أن تدخل عالم السينما لكن الشعر يدخلها كتضمين واستشهاد وتعبير رومانسي أو معنوي . أما من ناحية المفاضلة لو اتخذنا الأمر عالمياً ففي الآونة الأخيرة حاز الشعر على جائزة نوبل والتي أعطيت للشاعر العامي والمغني الأمريكي (بوب ديلاين ) . الشعر يدخل عالم الغناء الجميل ليطربنا أو يدخل في أرواحنا ما نفكر به، أما الرواية فقرائية وانزواء ومن الممكن من خلالها اتخاذ أجمل الأصدقاء من شخوصها وأبطالها والانسجام معهم . هكذا أقرأ الفارق بين الرواية والشعر والحديث يطول في الشرح وما من مفاضلة .
* في مجموعتك الشعرية/على إيقاع المطر/كيف يتم اختيارك للعناوين وماذا كتبت الشاعرة سميا في هذه المجموعة؟
صوت المطر مشابه جداً لصوت دقات قلب أمهاتنا الذي سمعناه في الرحم.. أحب المطر لأننا بفطرتنا نحبّ كل ما هو نقيٌّ صافٍ، ولأننا بفطرتنا نحبّ التخلص من شوائبنا بالمشي والرقص تحت المطر ، ومن هنا جاء اختيار العنوان . المجموعة فيها دمج لأشكال الشعر ما بين نثر وتفعيلة وعمود . وكتبت في خضم الأزمة السورية فكانت النصوص تعبيراً عن هواجس الحرب وأمنيات السلام ولأن الحب نافذتنا إلى السلام.. كانت بعض النصوص تدور حول التعلق بحبال الحب ومناجاة الحبيب. وبما أن العنوان عتبة النص كانت مفردات الحرب والأمل العنوان العريض لأغلب القصائد.
* ما أثر الرجل في تجربتك الإبداعية؟
توجهت في الآونة الأخيرة لكتابة النظم العمودي، وأغلبه يتحدث عن الحب ، سواء كان حبَّ الرجل أو حبَّ الطبيعة أو حبَّ الأوطان . لكن الطاغي هو الحب المتعارف عليه والذي يدخل به الرجل كعنصر أساسي يغذي القصيد ، لكنني أنطلق من وجود الرجل في البوح لأنه لا يمكن تخيّل الحياة من دون النصف الآخر وإلّا سينقرض الجنس البشري لا محالة ، هذا يعني أنَّ الحب هو الدعامة الرئيسة للوجود والبقاء والاستمرار نحو الأبدية ، والحب أنتج لنا العديد من الروائع التي صنعت بين الرجل والمرأة ، أنتج لنا هيلين وباريس ، كليوباترة وأنطونيوس، عشتار وتموز وغيرهم . بالنتيجة أقول: أنا أكتب الحب لأنه يعني الحكمة وأبتعد عن بوح الكراهية لأنها حمقاء.