«بي بي سي»: الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية تحاصر بايدن من اليسار ومن اليمين
تشرين- لمى سليمان:
تتصدر الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والاشتباكات مع سلطات إنفاذ القانون في حرم الجامعات الأمريكية عناوين الأخبار الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وحسب «بي بي سي» فإن ما يحدث يضع الرئيس الأمريكي جو بايدن في نوع جديد من المأزق السياسي الداخلي، فهو عالق بين الجناح الأيسر الذي يطالب بالسلام، والأميركيين الذين يشعرون بالقلق من أن الاضطرابات ستعطل التعليم الجامعي وتشكل تهديداً للنظام المدني.
وقالت «بي بي سي» لقد أظهرت رسالة مكتوبة على خيمة في مخيم للاجئين في رفح، المدينة المحاصرة جنوب قطاع غزة، المدى الذي وصلت إليه الاحتجاجات الأخيرة في الحرم الجامعي الأمريكي.
وحملت الخيام الأخرى رسائل مماثلة من الامتنان والتضامن، تم التقاطها بالفيديو والصور الفوتوغرافية من قبل صحفيين أمريكيين، وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، ألقت الشرطة القبض على أكثر من 2000 متظاهر في العشرات من الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وذكرت «بي بي سي» أنه في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، هاجمت مجموعة ملثمة مؤيدة لـ«إسرائيل» مخيم احتجاج طلابي مؤيد للفلسطينيين، قبل استدعاء الضباط إلى الحرم الجامعي ليتم إلغاء الدروس وإخلاء المخيم المؤيد للفلسطينيين من قبل شرطة كاليفورنيا.
وفي مشهد مماثل في جامعة كولومبيا، قامت شرطة مدينة نيويورك لمكافحة الشغب بإبعاد المتظاهرين بالقوة وباستخدام معدات وإخلاء المعسكر المؤيد للمحتجين المؤيدين لغزة، ليختبئ المحتجون في مبنى أكاديمي.
وحسب «بي بي سي» فإن الاحتجاجات هذه تأتي في لحظة حرجة من الحرب على قطاع غزة. وعلى ما يبدو فإن «إسرائيل» تستعد لعملية عسكرية واسعة النطاق في رفح، والتي تعتبر ملجأ لأكثر من مليون مدني.
وفي الوقت نفسه، تضغط الولايات المتحدة على الإسرائيليين و«حماس» للموافقة على وقف إطلاق النار الذي قد يستمر لأسابيع، ويتضمن إطلاق بعض الرهائن الإسرائيليين، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وعودة الفلسطينيين إلى الجزء الشمالي من القطاع.
وبعد أن اختتم وزير الخارجية أنتوني بلينكن رحلته السابعة إلى المنطقة منذ بدء الحرب على غزة، التقى بالقادة العرب والإسرائيليين في محاولة أخيرة لمنع عملية رفح التي يقول المراقبون إنها ستسبب كارثة إنسانية.
وفي مؤتمر صحفي عقدته وزارة الخارجية الأمريكية ادعى المتحدث باسم الوزارة مات ميلر أن الإسرائيليين قدموا تنازلات كبيرة في المفاوضات الأخيرة حيث وافقوا على الشروط التي قالت حماس إنها ضرورية للتوصل إلى اتفاق.
وملقياً اللوم على حماس، قال ميلر: كل يوم يمر دون وقف إطلاق النار يقع على عاتق حماس، فهم الذين يعوقون الرد على هذا الاقتراح، وهم الذين يعطلون وقفاً فورياً لإطلاق النار.
ليرد أحد قادة حماس يوم الجمعة بأن حماس تراجع الاقتراح الأخير «بروح إيجابية» وتم إرسال وفد إلى القاهرة لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار.
وتؤكد «بي بي سي» أن أي خطوة متقدمة ستكون بمثابة أخبار مرحب بها لإدارة بايدن التي تتعرض لضغوط متزايدة لوقف – على الأقل مؤقتاً – إراقة دماء المدنيين ومعاناتهم في غزة.
ونقلت «بي بي سي» رفض ميلر تأثير احتجاجات الحرم الجامعي الأمريكي على الجهود الأمريكية، لكنه أقر بأنه كان من الصعب تجنب التغطية الإعلامية الأمريكية للاضطرابات حتى في الخارج، وأن الموضوع تم طرحه في محادثات بلينكن في المنطقة.
وبغض النظر عن الرفض الأمريكي الرسمي، فإن الضغوط السياسية على بايدن بسبب هذه الاحتجاجات آخذة في التزايد.
وتتابع الوكالة: لعدة أشهر، ظل بايدن يقاوم دعوات في اليسار الديمقراطي للتراجع عن دعمه الصريح لـ«إسرائيل» والذي استمر فيه بالرغم من المخاطر السياسية الواضحة، حيث أصبح الناخبون الأكثر ليبرالية – وخاصة الشباب والملونين، الذين يشكلون جزءاً رئيسياً من ائتلافه الانتخابي – ينتقدون بشكل متزايد ما يعتبرونه سياسة متسامحة، بل و داعمة للأعمال الإسرائيلية العدوانية في غزة.
وتظهر استطلاعات الرأي أن بايدن يخوض معركة صعبة لإعادة انتخابه في تشرين الثاني، حيث يشكل أي تراجع طفيف في دعمه، فارقاً لمصلحة خصمه دونالد ترامب.
ونقلت «بي بي سي» عن جيسيكا ويكس، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة قولها إن الهوامش الضئيلة للغاية في أصوات بعض الأماكن مثل ويسكونسن وميشيغان ستكون ذات أهمية محورية في الانتخابات، الأمر الذي يخلق احتمالات أكبر لأهمية حرب غزة.
وتؤكد «بي بي سي» إن بايدن على ما يبدو يرغب بتحمل مخاطرة كهذه، فقد كانت الاعتراضات الصريحة على دعم الإدارة لـ«إسرائيل» من الجناح الأيسر للرئيس موضوعاً متكرراً في الأشهر التي تلت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ولكن الجديد في الأمر – وما يجعله أكثر تعقيداً – هو الضغط الذي يأتي الآن من اليمين والوسط، حيث تصدرت الاضطرابات في الحرم الجامعي عناوين الأخبار، وقد واصل الجمهوريون، الذين شعروا بالضعف، الهجوم، زاعمين أن بايدن غير قادر على الحفاظ على القانون والنظام ويغض الطرف عن «معاداة السامية».
وبدوره وصف ترامب المتظاهرين المؤيدين لغزة بأنهم «مجانين غاضبون ومتعاطفون مع حماس» وذلك خلال تجمع حاشد في ولاية ويسكونسن ليلة الأربعاء الماضي، داعياً إلى إزالة المعسكرات على الفور، وهزيمة «المتطرفين» واستعادة الحرم الجامعي لجميع الطلاب العاديين الذين يريدون مكاناً آمناً للعلم.
وحسب «بي بي سي» فإنه وبعد عدة ليال من قمع الشرطة للمتظاهرين، ظهر بايدن على عجل لإدانة ما سماه بالخروج عن القانون من قبل المحتجين بما في ذلك التخريب والتعدي على ممتلكات الغير وتعطيل الأنشطة الجامعية، مطالباً بأن يسود النظام في هذا المجتمع المدني الذي يعيشون فيه.
وتؤكد الوكالة أن تحديد الانتخابات الأمريكية تقليدياً لا يتم بناءً على قضايا السياسة الخارجية إلا إذا كان الجنود الأمريكيون يموتون في الخارج، ولكن قضايا القانون والنظام والهدوء الداخلي يمكن أن تكون أكثر ظهوراً – خاصة بالنسبة للناخبين الأمريكيين من الطبقة المتوسطة الذين يعيشون في المدن الجامعية أو يرسلون أبناءهم إلى الجامعات المرموقة في البلاد.
الأمر الذي يفسر سبب دفاع بايدن، في تصريحاته يوم الخميس الماضي، عن حقوق حرية التعبير الأمريكية، في الوقت ذاته الذي أمضاه في تحذير المتظاهرين من عواقب أفعالهم.
وعندما أنهى بايدن تصريحاته الجاهزة واستدار ليغادر الغرفة، سأله أحد المراسلين؛ عما إذا كانت الاحتجاجات قد جعلته يعيد النظر في أي من سياساته في الشرق الأوسط، فكان رده مختصراً بكلمة «لا».
وتضيف «بي بي سي»: مع اقتراب موسم التخرج في الجامعات، قد تلوح في الأفق جولة جديدة من الاحتجاجات الواضحة جداً.
وفي غضون أسبوعين، من المقرر أن يلقي بايدن كلمة في كلية مورهاوس في أتلانتا، وهي جامعة تاريخية للسود حيث يعرب المسؤولون بالفعل عن قلقهم بشأن أمن الحرم الجامعي.
وفي آب، المقبل، سيجتمع الديمقراطيون في شيكاغو لحضور مؤتمر حزبهم لإعادة ترشيح بايدن رسمياً – وهو ما قد يصبح نقطة محورية وطنية للاحتجاجات الشديدة التي لم تشهدها الولاية منذ مؤتمر الديمقراطيين عام 1968 في المدينة نفسها خلال ذروة حرب فييتنام.
وحسب «بي بي سي» قد يمنح وقف إطلاق النار لبايدن بعض الوقت للتنفس، لكن الأمر قد يتطلب ذلك النوع من السلام الدائم الذي أثبت أنه بعيد المنال لإزالة حرب غزة باعتبارها تهديداً سياسياً قوياً لبايدن.