تربويون يحذرون منه.. توتر الوالدين يؤثر سلباً على استعداد الأبناء للامتحانات
تشرين- دينا عبد:
يعيش الأبناء مرحلة صعبة تطغى عليها ضغوط المراجعة وتراكم الدروس وتوتر فترة الامتحانات، وتتضاعف هذه الضغوطات نتيجة مشاعر القلق والتوتر التي يعيشها أولياء الأمور في هذه الفترة والتي يكون لها تأثيرات سلبية تنعكس على الأبناء الذين هم بأمس الحاجة إلى الهدوء والسكينة من المحيطين بهم.
تفاعلات عميقة
تقول صفاء المدني ( مدرسة لغة عربية): إن فترة الامتحانات المدرسية وما قبلها تفرز جملة من التفاعلات العميقة على المستويين المادي والمعنوي، فكل الأسر تشهد تغيّراً ملحوظاً في نظام حياتها اليومي، حيث يعمد الآباء والأمهات إلى البحث عن سبل الراحة المساعدة لأبنائهم على فهم واستيعاب الكمّ الهائل من الدروس فمنها ما يتطلب تنشيطاً للذاكرة ومنها ما لا يتم إلا بصواب التخمين؛ وتشير إلى أن الآباء والأمهات يبذلون جهدهم في شراء ما أمكن من المواد الغذائية التي تحوي كمّاً لا بأس به من الفيتامينات المنشطة للذاكرة.
اختلاف أعمار
وأشار عمار محمود ( مدرس أنشطة) إلى أن تعامل الوالدين مع الأبناء يختلف باختلاف أعمارهم ومستوياتهم الدراسية فيعمدان إلى المساعدة على الحفظ أو الاكتفاء بالتشجيع والنصيحة، فيغدو الكل عالماً بخفايا المناهج الدراسية؛ مشيراً إلى أن كل ما يقوم به الأولياء بوعي أو من دونه يسبب ضغوطاً على الأبناء، فيزداد توترهم وينعكس سلباً على النتائج المدرسية.
مرشدة تربوية: الأهل يتصرفون بالكثير من الحرص مدفوعين بمشاعر الخوف
آخر حلقات التحصيل الدراسي
أما ما يثير الانتباه فعلاً حسب المرشدة التربوية صبا حميشة أنه على الرغم من أن معظم الآباء والأمهات يدركون بوعي عميق أن الامتحانات هي آخر حلقات التحصيل الدراسي، ونتائجها لا تخضع فقط لما يقدمه التلميذ في فترة الاستعداد أو إنجاز الامتحانات، بل هي نتاج عمل دؤوب منتظم غير منقطع يمتد على طول العام الدراسي، فإنهم يتصرفون بالكثير من الحرص، مدفوعين بمشاعر الخوف والرهبة من الإخفاق.
وفي هذا السياق تقول أمل ( أم لطالب شهادة تعليم أساسي) أشعر بتوتر شديد يتناقله كل أفراد العائلة ولا أدري سببه وكأننا جميعاً سنجتاز عتبة الامتحانات.
ويقول ثائر أحد التلاميذ المقبلين على اجتياز امتحان التعليم الأساسي: لدي شعور بأن أبي وأمي يشعران بالتوتر أكثر مني وكأنهما سيجتازان هما الامتحان فأمي مثل قنبلة موقوتة مستعدة للانفجار في كل لحظة، وسيختفي كل خوفها وفزعها عندما أعلمها بأنني نجحت.
وأوضح التلميذ يزن ( شهادة تعليم أساسي) قائلاً: حتى أتمكن من الحفظ والتركيز فضلت مغادرة البيت والتوجه إلى منزل جدتي للمراجعة؛ فالتوتر في المنزل بات يصيبني بالعجز وأصبح لدي شعور بالاختناق فإذا تفشى التوتر يفضل الابتعاد عن هذه البيئة غير الصحية.
وهنا تعود المرشدة التربوية لتؤكد أنه لا شيء يدعو إلى توتير الأولياء لأبنائهم خلال هذه الفترة ومن الأفضل البقاء هادئين وحتى منغلقين إذا تطلب الأمر ذلك، والأساس هو مساندتهم. ويتطلب الأمر النقاش على أسس صحيحة بعد تفهم وتحليل توتر الأولياء.
وشددت على ضرورة أن يثبت الأبناء لأوليائهم في الوقت ذاته بأنهم تقدموا في المراجعة وبأن الأمور تسير على ما يرام، وذلك بعرض الملخصات وحفظ الدروس أو بطرح مخطط المراجعة، فالأولياء لا يخشون شيئاً إلا البقاء دون فهم ما يجري حولهم خاصة إذا كان من حولهم يحيط به نوع من الضبابية.
ونبهت المرشدة إلى أنه إذا لم يحصل التلميذ على نتائج جيدة طوال السنة، فإن ذلك من شأنه أن يكون مدعاة لقلق الأبوين وتوترهما الدائم.
ونصحت المرشدة التلاميذ بعدم التردد في قضاء بعض الوقت عند الأقرباء أو في المكتبة العمومية للتمكن من المراجعة في أجواء يعمها الهدوء، كما ينصح التلاميذ بأن يكونوا على ثقة بقدراتهم ويعملوا بانتظام لكي يمنحوا آباءهم الطمأنينة.
وختمت حديثها بالقول: إذا لم يحصل التلميذ على نتائج جيدة طوال السنة، فإن ذلك من شأنه أن يكون مدعاة لقلق الأبوين وتوترهما الدائم.
اختصاصية صحة نفسية: وجود جو مثالي في المنزل يوفر بيئة مناسبة للامتحانات
بدورها أخصائية الصحة النفسية د. غالية أسعيد بينت أن الأهل يعيشون حالة من الخوف والترقب وحالة نفسية من القلق والمقارنات بين الأقران ما يدفعهم بحالة لاشعورية إلى ممارسات نفسية خاطئة قد تكون بحق أنفسهم وأولادهم ما قد يدخل الطالب بحالة من الذعر والتوتر والسلوكيات النفسية المزعجة.
لذلك ينصح أخصائيون وتربويون بتجنب بعض السلوكيات السلبية خلال فترة الامتحانات، وتعزيز السلوكيات الإيجابية، لأن الطالب يعيش خلال هذه الفترة ضغوطات نفسية كبيرة تتمثل في جمع الدروس وتراكمها، وإدارة الوقت بطريقة غير احترافية، ما ينعكس على النتيجة النهائية للامتحان، حيث يشعر الطالب بأنه محاصر بالمواد الدراسية من جهة، ومن الأسرة من جهة أخرى نتيجة المراقبة الشديدة من جانب الأهل، وفي الوقت ذاته تعيش الأسرة الحالة نفسها من القلق والترقب، رغبة منها في أن يزيد الطالب من تركيزه في دروسه، وأن يقوم باستذكارها جيداً ويحصل على أفضل النتائج.
وبحسب أخصائية الصحة النفسية فإن إعلان حالة الطوارئ فجأة في البيت يعني أن الامتحانات على الأبواب، وما يصاحبها من قلق وتوتر خوفاً على مستقبل الأبناء، شيء مرفوض لأن هذه المشاعر السلبية تنتقل إلى الأبناء وتؤثر على درجة تركيزهم، ومن الملاحظ أن بعض الآباء والأبناء يهدرون الوقت طوال العام ثم يكتشفون أن الامتحانات على وشك البدء، ولا يكون لديهم متسع من الوقت للحاق بما فاتهم، فيغلب على جميع من في البيت التوتر والقلق، والمشكلة الأكبر أن معظم الآباء لديهم أحلام كبيرة بحصول أبنائهم على علامات عالية، لكن في المقابل يهدر الأبناء الوقت، ولا يبذلون الجهد، والنتيجة مزيد من القلق والتوتر.
ومن الأشياء المهمة التي تنعكس بشكل إيجابي على الأبناء خلال فترة الامتحانات أن يشعروا بوجود جو مثالي في البيت، وأن الحياة تسير بشكل هادئ بين الأب والأم، وأن البيت بيئة مناسبة للمذاكرة وأنه لا يوجد ضغط أو تعنيف أو ضرب أو تخويف كما يفعل بعض الآباء أيام الامتحانات.
ومن أهم النصائح للتعامل مع ضغط الامتحانات للأهل، مساعدة الأبناء في تنظيم الوقت فقد أظهرت الدراسات أن ٣ من ٥ طلاب يقضون أوقات دراستهم في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك يجب تهيئة جو دراسي مريح بعيداً عن الشاشات.
ويجب على الأهل أن يكونوا هادئين فمن الصعب على الأهل ضبط أعصابهم، ومن الطبيعي أن يخافوا على مستقبلهم، لكن هذا التوتر الشديد لن يساعدهم في المحافظة على هدوئهم أيضاً، لذلك يجب المحافظة قدر الإمكان على هدوء الاعصاب حتى انتهاء فترة الامتحان.