جبهة الشمال تُرهق الكيان ومعادلة «الرد على الرد» توسّع مآزقه.. نتنياهو يستجدي وساطة فرنسية وحديث عن دعم أميركي لها
تشرين- هبا علي أحمد:
تأخذ جبهة الإسناد اللبنانية في سياق العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة حيّزاً كبيراً من اهتمام المستويين العسكري والأمني لدى كيان الاحتلال الصهيوني، إذ إنه بقدر ما يُمعن الاحتلال في عدوانه وهمجيته في غزة فإن الجبهة اللبنانية لا تخرج عن الأنظار لما شكلته من إسناد فاعل في «طوفان الأقصى» ومؤلم أمنياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبات من الضروري لدى الاحتلال أن يبحث عن تهدئة ما يهرب بها إلى الأمام وتنقذه من مآزقه إلى حين من الزمن ولا سيما أن الجبهة الإيرانية إن أمكن القول لم تُغلق أبوابها بعد، بل على العكس تماماً فإن هزالة «الرد الإسرائيلي» إن أمكن إدخاله في سياق الرد فاقم من الفشل الاستراتيجي للكيان، والذي تتحدث عنه وسائل إعلامه على مدار الساعة.
مبادرة فرنسية
الواضح أن العدو غير معني بتهدئة في قطاع غزة والمفاوضات يحكمها الجمود الذي سيبقى سارياً إلى حين تحقيق مطالب العدو إلّا أن المقاومة الفلسطينية كانت واضحة منذ بداية المفاوضات، ولا يمكن القبول بأي حلّ لا يستند إلى التالي:
الشمال يؤرق الكيان الذي يستجدي تهدئة من باريس تضمن له إعادة ترتيب أوراقه وأخذ النفس ومحاولة «فرملة» انتصارات المقاومة اللبنانية في معركة إسناد غزة
الإشارة المباشرة إلى موعد لوقف نهائي للحرب وتاريخ انسحاب كامل لقوات الاحتلال من القطاع.
السماح بعودة جميع السكان إلى مناطق سكنهم، من دون أي نوع من القيود والإفراج عن المساعدات.
إتمام صفقة تبادل لا تخضع لشروط العدو التي عُرضت في وقت سابق، وأن حسم الأعداد والمصير مرتبط بالخطوات الأولى.
ويمكن ردّ أسباب إطالة أمد الحرب في غزة، رغم الخسائر التي يُمنى بها الاحتلال، إلى الصفعات التي وجهتها عملية طوفان الأقصى وتداعياتها السارية إلى الآن، في مقابل ما سبق ذكره فإن جبهة الشمال – جنوب لبنان مع فلسطين المحتلة – تؤرق العدو الذي يستجدي تهدئة من باريس تضمن له على ما يبدو إعادة ترتيب أوراقه وأخذ النفس ومحاولة «فرملة» الانتصارات في الميدان الموثقة بالصوت والصورة التي تحققها المقاومة اللبنانية-حزب الله- في معركة الإسناد لغزة.
وتتحدث المعلومات عن وجود تحرك فرنسي جديد تجاه لبنان، بطلبٍ مباشر من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وبدعم أميركي، والذي طلب من فرنسا استئناف مبادرتها لتهدئة الجبهة الشمالية مع لبنان، والتي بدأتها باريس قبل عدة أشهر وتوقفت من دون تحقيق أي نتيجة.
وكانت المبادرة الفرنسية تطالب بابتعاد حزب الله 7 كيلومترات عن الحدود مع فلسطين المحتلة للسماح للمستوطنين الإسرائيليين بالعودة إلى المستوطنات الشمالية مقابل إيقاف «إسرائيل» للعمليات العسكرية، مع وعود بترسيم الحدود البرية، وتحريك ملف النفط والغاز اللبنانيين وكذلك تحريك العملية السياسية في لبنان، وفي هذا الخصوص جاءت اللقاءات الأخيرة التي عُقدت في مقر الرئاسة الفرنسية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكل من رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي وقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، في إطار إعادة تسويق المبادرة الفرنسية السابقة مع بعض التعديلات، لكون صيغة المبادرة السابقة، التي كانت تطرح وقف العمليات الإسرائيلية مقابل إبعاد المقاومة 7 كيلومترات عن الحدود مع فلسطين المحتلة، رفضها الجانب اللبناني ولا سيما حزب الله.
المقاومة اللبنانية مستمرة في معركتها ضد الاحتلال وموافقتها على أي تهدئة مقترنة فقط بوقف العدوان على غزة بصورة كاملة ونهائية
وحسب المعطيات، فإنّ التعديل الأساسي الذي طرأ على المبادرة الفرنسية، هو إسقاط مطلب إبعاد المقاومة عن الحدود مع فلسطين المحتلة، واستبدالها بسحب «إمكانيات عسكرية محددة» لحزب الله من الحدود، من دون الكشف عن طبيعة هذه الإمكانيات، وفي المقابل توقف «إسرائيل» كل عملياتها العسكرية وحتى خروقاتها للأجواء اللبنانية، إضافة الى البنود الأخرى في المبادرة القديمة بشأن ترسيم الحدود البرية وتحريك ملفي الغاز والنفط والأزمة الرئاسية.
رد المقاومة اللبنانية
لكن المقاومة اللبنانية مستمرة في معركتها ضد العدو وكما للمقاومة الفلسطينية مطالب وشروط تتم بناء على تحقيقها والاستجابة لها المفاوضات والوصول إلى نتيجة فيها، فمثيلتها اللبنانية شرطها إيقاف العدوان على غزة، عندها فقط تهدأ الجبهة اللبنانية، ماعدا ذلك فإن الصورة الآتية من هناك على حالها استهداف يومي متواصل لتحصينات العدو ونقاطه العسكرية كما اليوم تماماً، إذ استهدفت المقاومة اللبنانية نقاط انتشار جنود العدو الإسرائيلي جنوب موقع جل العلام بصواريخ بركان، كما استهدفت المقاومة مبنى يستخدمه جنود الاحتلال في مستعمرة «شوميرا» بالأسلحة المناسبة، إلى جانب استهداف التجهيزات التجسسية المستحدثة، التي تمّ رفعها في محيط ثكنة «دوفيف» وإصابتها إصابة مباشرة.
وقالت المقاومة: إنّ عملياتها تأتي دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، وردّاً على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل المدنية.
اشتعال الضفة الغربية
في خضم ذلك، عادت المخاوف من اشتعال الضفة الغربية المحتلة وانتفاضها إلى الواجهة من جديد على خلفية عدوان الاحتلال على مخيم نور شمس، والذي استمر ثلاثة أيام قبل أنّ ينسحب الاحتلال منه، وأدى إلى استشهاد 14 شخصاً واعتقال آخرين، وفق الهلال الأحمر الفلسطيني.
وعلى خلفية العدوان، عمّ الإضراب مدن الضفة الغربية اليوم الأحد، تنديداً بالمجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم نور شمس، وأُغلقت المدارس والجامعات والمحال التجارية، وسط دعوات جماهيرية إلى الاستمرار بفعاليات المواجهة مع الاحتلال في كل مدينة وقرية ومخيم، والخروج بتظاهرات غضب، كما شهدت المواصلات العامة إضراباً في كل الخطوط، وكانت حركة المواطنين طفيفة، كما أغلقت المصانع والمعامل أبوابها، بينما عطلت البنوك والمصارف العمل بناء على قرار من سلطة النقد.
وفي وقت سابق دعت فصائل المقاومة الفلسطينية إلى الإضراب الشامل وإشعال نار الانتفاضة الشاملة وتصعيد المواجهة مع المحتل رداً على مجزرة الاحتلال.
لم يحدث في تاريخ البشرية
وكما هي الحال يتكشف بشكل يومي هول الجرائم التي ارتكبها العدوان الصهيوني ويستمر بارتكابها ضد قطاع غزة المحاصر، إذ أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة انتشال جثامين ما يزيد على 150 شهيداً من مجزرة خان يونس بعد انسحاب الاحتلال، فضلاً عن وجود نحو 500 آخرين في عداد المفقودين، لافتاً إلى أنه سُجِّلَ اختفاء نحو 2000 فلسطيني من أبناء القطاع بعد انسحاب الاحتلال من مناطق في القطاع، مشيراً إلى أنه من غير المعلوم إن كانوا معتقلين أو دُفنوا تحت الأرض.
ما حدث في غزة لم يحدث من قبل في تاريخ البشرية والأسلحة المستخدمة فيه لم تستعمل قبل ذلك.. ما يحدث في القطاع تطهير عرقي
كما أكد الدفاع المدني أنّ الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الإخفاء القسري بحق أهالي قطاع غزة بشكل ممنهج ومدروس، من خلال جرف عشرات الجثث ودفنها قبل انسحابه من أي منطقة في القطاع، موضحاً أن جيش الاحتلال يعطي الأمان للفلسطينيين ثم يقتلهم بعد دقائق بشكل مباشر، والعدد الأكبر من ضحايا المقابر الجماعية واقتحام المستشفيات هم من النساء والأطفال، واصفاً ما حدث في غزة بأنه لم يحدث من قبل في تاريخ البشرية، والأسلحة المستخدمة فيه لم تستعمل قبل ذلك.. وما يحدث في القطاع تطهير عرقي تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي غزة.
في السياق، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين أن القوافل الإنسانية لم تتمكن من إيصال الوقود إلى المستشفيات في قطاع غزة بسبب العقبات الإسرائيلية، مشيراً إلى أن ثلثي طواقم البعثات الإنسانية المنسقة في غزة واجهتها اليوم عقبات أو تأخيرات من السلطات الإسرائيلية، وفي المتوسط واجهت كل بعثة تأخيراً لمدة خمس ساعات قبل السماح لها بالمضي قدماً، مضيفاً: نتيجة ذلك لم يتم تسليم الإمدادات الحيوية والمعدات والوقود للمولدات الاحتياطية إلى المستشفيات.