خبراتنا الوطنية والأبواب المفتوحة..!

أحاول ألا أصدق كل الأحاديث التي تحكي قصص هجرة الشباب، بما يمتلكون من خبرات وكفاءات علمية وعملية، وفنيات اكتسبوها خلال سنوات سبقت الأزمة الحالية، وألا أصدق الأرقام التي تحكي عن عمالتنا، وتشغل اقتصادات دول، وتزيد من إنتاجيتها، ليصلنا معظمها من تلك الأيادي التي ضاعت وافتقدتها خطوط إنتاجنا، وحرمت أسواقنا المحلية من تنوعها وتوافر أفضلها…!
أنا لا أريد أن أصدق، لكن الواقع يفرض علينا حالة التصديق، بدءاً من أرقام هجرة الشباب، مروراً بتفريغها من سوق العمل، تحت مسميات مختلفة، وتسويغات كثيرة أغلبيتها صحيحة، بفعل الواقع الصعب، بظروفه القاسية، والحرب وما فرضت من معيشة أصعب مما قلت، ترخي بثقلها وهمومها على كاهل الجميع, وتسقط أمامها كل مسوغات الهروب وليست “الهجرة” ليخسر المورد البشري نقاط قوته ويقدمها للغير على طبق من ذهب، تنتعش فيها اقتصادات تعيد إلينا خيرات سواعد خبراتنا…!
ونقول؛ خسارة لنا ولثروتنا البشرية ، لا يستطيع كائن من كان تجاهلها، لأن قوة أي اقتصاد تتركز في أمرين اثنين؛
الأول: الشباب وما يملكون من خبرات وكفاءات علمية وعملية وسواعد إنتاجية, والثاني: رأس المال الذي يحرك مداخيل هذا الاقتصاد ويوفر الأرضية المادية لاستثمار المكون الأول, والمؤسف أكثر أن المكونين يعانيان من مستنقع ظروف الحرب وتداعيات سلبية فرضها الحصار والعقوبات الاقتصادية..!
لكن المشكلة الأكبر ، تكمن في تجاهلنا الطاقات الشابة وفكرها المتقد في إبداع الحلول، وعدم إعطائها الاهتمام المطلوب، وخاصة العقول المبدعة، بدليل لدينا آلاف الاختراعات من صنع واختراع فكر الشباب الوطني من دون أي استثمارات لها، أو حتى التفكير بها, ولو بالحدود الدنيا من قبل أصحاب رأس المال المحلي, الأمر الذي وفّر أرضاً خصبة لرأس المال الخارجي، ومقومات توفر أيضاً أسباب الهجرة والاستفادة منها في بلدان احتضنتها، ووفرت لها كل أسباب التطور والإنتاج المستمر، لتعود إلينا حكايات سلعية ” نتحسر” عليها، كونها من إنتاج فكرنا وإبداعنا، وسواعد عمالتنا، وهذه مسألة غاية في الخطورة, مازلنا، نحن كمواطنين ومسؤولين مهما اختلفت المواقع، لا ندرك خطورتها..!
والمعضلة الثانية؛ التي تضعف وتبعد الخبرات والكفاءات الوطنية، هو اتجاه رأس المال المحلي نحو مشروعات إنتاجية بسيطة، سريعة المردود والربح الفوري، وإقامة مشروعات ذات طابع استهلاكي يكتسب الآنية في الإنتاج والمردود المادي، وهذا بدوره يفرض على أهل المال حصر تفكيرهم بالربح، وتجاهل الإبداع الوطني في زيادة كلية الإنتاج الشاملة، التي تعكس إيجابيتها على الجميع جهات عامة وخاصة، وكذلك أفراد أيضاً..!
وتالياً؛ استمرار تجاهل ذلك يشكل نقطة ضعف رغم ما يحمله من أهمية اقتصادية لجهة تعاطي رأس المال المحلي، وأهل القرار الاقتصادي مع الإبداعات الوطنية، واستثمار الخبرات ومعالجة أسباب هجرتها، يثير حالة على مساحة وطن، تحمل الكثير من التساؤلات حول أهمية استقطاب الإبداعات وفتح الطريق أمامها ، واستثمارها كقوة إبداعية مؤسسة لمكونات اقتصادية سلعها تجتاح معظم الأسواق العالمية “ونحن في مقدمتها”، ومن لا يصدق عليه في أسواقنا يجد الكثير من السلع المستوردة من أفكار وإبداعات سورية مهاجرة ..!
والسؤال: إلى متى نترك الباب مفتوحاً على مصراعيه دون توفير الحوافز والأدوات لشبابنا المنتج، وخبراتنا المتنوعة، وكفاءتنا العلمية ليستفيد منها غيرنا، في الوقت الذي نحن فيه في أمس الحاجة لأقل خبرة وكفاءة علمية مهاجرة….؟!!.

Issa.samy68@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار