أميركا تريد ولا تريد..؟

من غير المعلوم كم ستستمر حالة «الصعداء» التي تنفستها المنطقة أخيراً، قبل الاستفزاز التالي الذي سيمارسه الكيان الإسرائيلي، وإذا كانت المنطقة حالياً تبدو وكأنها عادت إلى قواعد الاشتباك المنضبطة والمضبوطة، إلا أن ذلك لا يلغي أن العودة إلى التصعيد قد تكون مسألة وقت، فالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ما زالت قائمة بكل امتداداتها الإقليمية «الدولية»، ومادامت أنها ما زالت قائمة فإن التصعيد يبقى قائماً، وتبقى مخاطر الحرب الموسعة قائمة.
منذ العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق أول نيسان الجاري، ثم الرد الإيراني عليه، ثم ما قيل إنه «رد إسرائيلي» على الرد فجر الجمعة الماضي، وصولاً إلى تنفس المنطقة الصعداء.. يمكن القول إن المنطقة باتت بين وضعين: تغير كل شيء، ولم يتغير أي شيء.
أولاً؛ تغير كل شيء، حيث إن إيران حسمت معادلة الردع لمصلحتها، وكرست نفسها أكثر كقوة إقليمية من جهة، وداعمة لغزة والفلسطينيين من جهة ثانية، وهي كانت كذلك دائماً لكنها اليوم أكثر حضوراً ونفوذاً على ساحة الفعل والتأثير، وهذا بلا شك يقلب مرة أخرى الحسابات الأميركية – الإسرائيلية، وبات لزاماً على أميركا وكيانها أن يأخذوا إيران في كل حساباتهم الإقليمية. لقد تغيرت المنطقة إلى الأبد، ليس فقط بسبب معادلة الردع النهائية التي كرستها إيران، بل بسبب كل ما أفرزته الحرب على غزة، وما ستفرزه لاحقاً في سيناريوهات مفتوحة على كل المسارات.
ثانياً؛ لم يتغير أي شيء، فالمنطقة ما زالت ملتهبة بفعل أن جبهة غزة ما زالت مشتعلة، أي إن المنطقة ما زالت خاضعة لمسار جولات مقبلة من التصعيد، وليس في كل مرة تسلم الجرّة.. وما زال الكيان الإسرائيلي يسعى لحرب موسعة يجر الجميع إليها، أو على الأقل سيبقى يسعى لاستعادة «الردع المفقود» عبر جولات متوالية من التصعيد وبما يُبقي المنطقة دائماً على حافة الحرب.
ولكن إلى متى يمكن للمنطقة أن تتحمل وضعية حافة الحرب بكل عواقبها الكارثية، خصوصاً على مستوى الاقتصاد والأزمات الاقتصادية التي تزحف بوتائر متسارعة، ولا تكاد تستثني أحداً؟
صحيح أن نصف دول المنطقة العربية تقريباً، تعيش حروباً وأزمات منذ بدء ذلك الربيع المشؤوم، وتالياً كانت سابقة في الأزمات والخسائر الاقتصادية، ولكن ماذا عن النصف الآخر الذي يتأثر حكماً، والذي رسم مخططات ورؤى لعقدين على الأقل، ليس فقط على مستوى الداخل بل على المستوى الدولي وبشقه الاقتصادي تحديداً؟
وماذا عن الجانب الدولي المعني والذي يتأثر حكماً أيضاً، حيث المنطقة دخلت خلال العقدين الماضيين ضمن ركائزه الاقتصادية الأساسية، وماذا عن العالم الذي يرسم حدوده الجغرافية والسياسية وفق الخرائط الاقتصادية والممرات التجارية ومراكز الطاقة؟
مرة أخرى هذا يقودنا إلى الوضعية السابقة، العالم يريد – ولا يريد – حرباً موسعة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، أو لنقل أميركا تريد – ولا تريد – حرباً موسعة، هذا الأمر يحسمه فقط أن تصل أميركا- أو لا تصل- إلى النقطة التي تجد فيها أن المنطقة بمعادلاتها الردعية والاستراتيجية باتت في غير مصلحتها.
مع ذلك لنركز حالياً على جانب – أميركا لا تريد – لنتحدث عن تحركات إقليمية في اليومين الماضيين بدأت تتسع بما يلفت الانتباه وبما يدعو للاستنتاج بأن أموراً يتم تحضيرها، أي طبخها، فيما يخص جبهة غزة، ولن يطول الوقت حتى تظهر نتائجها، ولأن الحديث حديث طبخة فقد تسير الأمور في غير مصلحة الفلسطينيين.
مع ذلك، لن نتوسع في استباق ما يجري.. لننتظر ونرَ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار