الاستثمار في “الاستجداء”..أبواب رزق وثراء على حساب أطفال صغار..بانتظار تشريعات جديدة زاجرة
تشرين- دينا عبد:
تشهد ظاهرة التسول بوساطة الأطفال تفاقماً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة حيث برز أشخاص يستعملون الأطفال لإثارة عواطف الناس، ولذلك تحولت الكثير من الأحياء والطرقات لأشخاص امتهنوا التسول كحرفة مربحة.
ولكن.. رغم القوانين الرادعة التي خصصت لمحاربة هذه الظاهرة إلّا أن تفاقمها في الآونة الأخيرة أفقدها طابعها الردعي وبات مظهر الأطفال المتسولين بمعية مرافقيهم، مزعجاً ومقلقاً في كثير من الأماكن.
فما عقوبتها وهل فعلاً باتت القوانين غير رادعة و بحاجة لتعديل؟..
المحامي عبد الفتاح الداية وخلال حديثه لـ” تشرين” بين المادة الخاصة بهذا الشأن عدلت بالقانون (٨) لعام ٢٠١٩ والقانون (١٥) لعام ٢٠٢٢ وتنص: “كل من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره أو عاجزاً إلى التسول بأي طريقة كانت جراً لمنفعة شخصية عوقب بالحبس مع التشغيل من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة ١٠٠ ألف ليرة سورية”.
التسول بالأطفال ظاهرة مقلقة وعقوبتها تحتاج إلى تعديل..
أما فيما يخص المتسولين بشكل عام فقد عدلت المادة (٥٩٦) بالقانون (٨) لعام ٢٠١٩ والقانون (١٥) لعام ٢٠٢٢.
من كانت له موارد أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان؛ صراحةً أو ضمناً عوقب بالحبس مع التشغيل من شهرين إلى سنة وبالغرامة من ١٠٠ ألف إلى ٥٠٠ ألف ليرة سورية.
وبرأي المحامي الداية فإن العقوبات لا بأس بها، فهي تصل إلى ثلاث سنوات سجن وهي عقوبة ليست بالسهلة؛ ولكن ربما نكون بحاجة ماسة لزيادة الغرامة.
وبالتالي يجب تشديد الغرامات على الأشخاص الذين يستغلون الأطفال في التسول ولا بأس برفع سنوات السجن للضعف أيضاً ومنع أي سبب مخفف للعقوبة وعدم تشميلها بأي مرسوم عفو. ليس لكونها ظاهرة التسول ولكن بسبب استخدام الأطفال فيها والقضاء على حاضرهم ومستقبلهم.
وتابع: استخدام الأطفال بالتسول أشد ضرراً، وجرمه أكبر من التسول نفسه ولذلك التشدد المقترح مبرر جداً باعتقادي.
يضاف إلى الحلول أيضاً تنظيم حملات توعية وتثقيف في الإعلام وخاصةً في الدراما لكونها الأكثر تأثيراً في الآونة الأخيرة إلى جانب حملات في مواقع التواصل الاجتماعي وجهود جماعية من المنظمات والجمعيات إلى جانب الجهود الحكومية، كما يمكن لنبذ هذه الظاهرة في المجتمع فعدم تقديم المال والمساعدة للأطفال المتسولين من قبل الجميع له تأثير أيضاً على إنهاء هذه الظاهرة المزمنة.
خلل حقيقي
الاختصاصية الاجتماعية غدران نجم بينت خلال حديثها لـ” تشرين” أنه من المؤلم أن نرى طفلاً يتجول أمام المراكز والمحال التجارية وفي الأسواق العامة ليسأل المارة بعضاً من النقود بدلاً من أن يكون على مقاعد الدراسة يتابع الحياة الطبيعية.
ظاهرة التسول بالأطفال تشير إلى خلل حقيقي في النظام الاجتماعي والتربوي في مجتمعنا؛ وهي ترخي بظلالها لتسلب خلايا الترابط الأسري المجتمعي ومن المهم أن نسأل أنفسنا: هل الأطفال المتسولون ضحايا أم مجرمون؟ بالطبع لأنهم أطفال قصّر وفي طور النمو فهم ضحايا لفقدان المعيل؛ ضحايا للجهل والبطالة والاستغلال وغياب العدالة الاجتماعية ولقصور دور مؤسسات المجتمع المعنية والجمعيات الأهلية والخيرية وتقليص مساعداتها.
رسالة تربوية خاطئة
وبيّنت نجم أنه رغم تعاطفنا معهم كضحايا فإنّ مساعدتهم في امتهان التسول وتقديم المبالغ المادية لهم مهما كانت بسيطة بالتأكيد لن يكون حلاً لمشكلتهم، بل على العكس هو سلوك يوصل لهم رسالة تربوية خاطئة مفادها الاستسهال في كسب الرزق وعدم احترام كرامتهم الإنسانية وتشجيعهم على إذلال أنفسهم وتدني تقديرها؛ لأن الشخص السوي نفسياً وتربوياً واجتماعياً يرفض مد يده وتعفف نفسه عن السؤال على خلاف من تبلدت مشاعره ولم تعد لديه مشكلة في التذلل للمارة والتشبث بهم للحصول على المساعدة؛ وإننا هنا نشير إلى هؤلاء الأطفال ونرى مستقبلهم المظلم أمامنا والذي أصبحنا بصورة غير مقصودة شركاء في التجهيز له.
أبشع المواقف
وتساءلت الاختصاصية الاجتماعية: ما الذي يمكن انتظاره من أطفال تتجول في الشوارع والأسواق العامة وتتعرض يومياً لأبشع المواقف على المستويين النفسي والجسدي ؟
محامٍ: أقترح رفع سنوات السجن للضعف وزيادة الغرامة وعدم تشميلها بأي مرسوم عفو
أطفال التسول اليوم هم كبار الغد فلنا أن نتخيل من سيشكل مجتمعنا لاحقاً.. نحن نتحدث عن أطفال تتعرض لمواقف مسيئة ( تحرش جنسي ؛استغلال؛ تعاطٍ؛ تدخين ؛ علاقات غير سليمة ؛ عنف بمختلف الأشكال ؛ غياب للبنية الأخلاقية ؛ شياع الكذب والاحتيال والسرقة وأساليب الاستعطاف ؛ الخ )
متسائلة: كيف سيصبح هؤلاء آباء وأمهات المستقبل ؟
ما القيم التربوية والأخلاقية التي سيغذون بها أطفالهم لاحقاً ؟
أي هوية مبهمة وملوثة ومريضة ستكون لمجتمعنا؟ وكل ما تحدثنا به سابقاً يدور حول تلك الفئة من الأطفال التي تتسول بدافع العوز والحاجة.
نحن هنا لم نتحدث بعد عن تلك الفئة التي تعدّ التسول مهنة وغالباً ما تكون شبكات وعصابات ممنهجة ومنظمة تعمل وفق مخططات تهدد مجتمعنا بشكل يومي.
إن فقدان الثقة بنهج وحلول المؤسسات الاجتماعية والأهلية والخيرية داخل وطننا يفاقم هذه الظاهرة ويجعل نتائجها كارثية مستقبلاً.
لابدّ من العمل على وقف هذه الظاهرة بأي طريقة ممكنة ومن خلال توأمة الجهود وتضافرها على المستوى الاجتماعي والقانوني أيضاً فعلى سبيل المثال أين قانون التعليم الإلزامي ومساءلة الوالدين عن عدم ارتياد ابنهم للمدرسة وتجواله في الشوارع؟
لماذا لا تتم ملاحقة أولياء أمور الطلاب المتسربين دراسياً كما ينص القانون؟
ولماذا لا نتحرك جميعاً ونعلّم هؤلاء الأطفال حرفة أو مهنة شريفة معينة إن لم يكن من الممكن إلحاقهم بمقاعد الدراسة؟.
لماذا لا يتم تفعيل القوانين التي تجّرم من يحض هؤلاء الأطفال على التسول حتى لو كان المسؤول أولياء أمورهم أنفسهم لأنه على الأغلب يتسول الطفل بموافقة وتشجيع من ذويه؟ ..
باحثة اجتماعية: وضع إستراتيجية مندمجة لحماية الطفولة ومنع ظاهرة التسول بالأطفال
وحسب نجم يجب تكثيف دور الإعلام الوطني في التوعية والإشارة إلى مخاطر هذه الظاهرة ؛ ولقيم المجتمع المحلي بدوره في كفالة هؤلاء الأطفال والإنفاق عليهم إن أمكن وتعزيز القيم الأخلاقية من حماية الكرامة الإنسانية والعمل بجهد وإتقان ونبذ الاتكالية داخل مناهجنا الدراسية في مختلف الصفوف …
ظاهرة خطيرة
في الحقيقة تسول الأطفال ظاهرة خطرة وشيوعها مسؤوليتنا جميعاً ومن وجهة نظر نجم فهي نابعة من أزمة أخلاقية بحتة جعلتنا نعتاد هذا المشهد المأساوي والظالم بحق أطفالنا من دون أن نحرك أنفسنا لوقفه بدليل أنه من الشائع حالياً أن يقوم بعض الأطفال المراهقين بالتسول إلكترونياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من دون أي رقابة أو متابعة وتحت مظلة الحرية الشخصية يتسولون ويقومون بأفعال مهينة ومضحكة ومستفزة من أجل أن يحصلوا على عائد مادي أو شهرة مرحلية من دون أي جهد حتى لو تعارض ذلك مع قيمهم التربوية والأخلاقية والأسرية ومن دون حاجة مادية حقيقية بل لمجرد ركوب موجة التريند الحالية؛ وهنا يتبادر لأذهاننا سؤال محوري مفاده: أين آباء وأمهات هؤلاء المراهقين والمراهقات ؟
لا مفر من العمل على وضع إستراتيجية مندمجة لحماية الطفولة ومنع ظاهرة تسول الأطفال سواء من أسرهم أو من غيرها.