أما ماذا بعد؟.. هل المنطقة ذاهبة إلى حرب إقليمية شاملة أم إنّ ضبط الأمور وانضباطها سيحكمان المشهد لفترة مقبلة أيضاً؟
تشرين- هبا علي أحمد:
أما ماذا بعد؟ سؤال يطرح وسيطرح خلال الساعات والأيام المقبلة، وإذا كانت المنطقة قبل الرد الإيراني قائمة على أيام مصيرية وأسئلة حول ماهية الرد ومكانه وزمانه، فإنها بعد هذا الرد تبقى على الوضعية نفسها، أي ترقب ما بعد الرد، فإذا ما أخذنا بالاعتبار التهديدات الإسرائيلية بالرد على الرد نجد أن مشهد المنطقة برمته مرتبط بما بعد الرد على الرد، علماً أننا هنا نستخدم كلمة «الرد» مجازاً عندما يتعلق الأمر بالكيان الإسرائيلي، باعتباره ليس حقاً لها.
الرد الإيراني بهذه الصورة فاق التوقعات، فيما لم يجد المشككون بحدوثه سوى التلطي خلف التقليل من أهميته بعد حدوثه، لقد نزل هذا الرد برداً وسلاماً على الفلسطينيين الذين ناموا ليلتهم- للمرة الأولى منذ ستة أشهر ونصف الشهر تقريباً هادئين هانئين من دون قصف ومن دون سقوط شهداء جدد.. كانت ليلة هادئة بمقاييس ومعايير المقاومة، فقط صوت صراخ المستوطنين من كان يعلو متزامناً مع صوت الصواريخ الإيرانية، وهم يهرعون إلى الملاجئ التي هي بكل الأحوال ليست كفيلة بالتخفيف من هلعهم الذي لن يتوقف في القادم من الأيام، خصوصاً مع ما سيتم كشفه لاحقاً من خلفيات ونتائج الرد الإيراني.
– أما ماذا بعد؟
.. هل المنطقة ذاهبة إلى حرب إقليمية شاملة، أم إنّ ضبط الأمور وانضباطها سيحكمان المشهد لفترة مقبلة أيضاً؟
الرد الإيراني وإعادة ضبط قواعد الاشتباك على مسار «الرد بالرد».. المنطقة ما زالت على وضعية الترقب واللايقين.. إلى متى؟
ربما هذا يتوقف راهناً على الرعونة الإسرائيلية وردّها على الرد، ويتوقف أيضاً على إن كان هناك «عقلاء» في واشنطن أم لا، وعلى إن كانت الولايات المتحدة تستطيع لجم العدوان الإسرائيلي بعد الرد الإيراني وهي بالأساس معنية بهذا الرد مثلها مثل الكيان، وعلى ما يبدو فإن واشنطن التي لا تفتأ تكرر لازمة الدعم لـ«إسرائيل» تحذر الأخيرة من الرد، والرئيس الأميركي جو بايدن أبلغ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو شخصياً بأن بلاده ستعارض أي هجوم مضاد إسرائيلي ضد إيران.. لكن هل واشنطن فعلاً بناء على التحذير الآنف الذكر تخشى الحرب أو لا تريدها؟
إذا كانت المنطقة قبل الرد الإيراني قائمة على أيام مصيرية وأسئلة حول ماهية الرد ومكانه وزمانه فإنها بعد هذا الرد تبقى على الوضعية نفسها
اللافت ما أعربه بايدن لنتنياهو عن قلقه من أن الأخير يحاول جرّ الولايات المتحدة إلى داخل صراع أوسع.. أي كل طرف يرمي العبء على الطرف الآخر، وهذا لا يعني أن واشنطن لا تريد الحرب كما قلنا مراراً ونكررها الآن، بل هي تريدها لكن على توقيتها وبعد ترتيب أوراقها وإن كانت الحرب قائمة لا محال فلا بد أن تكون بعد الانتخابات الأميركية المقررة في تشرين الثاني المقبل إلّا إذا انفلتت الأمور من عُقالها قبل ذلك التوقيت، فكل الخيارات مُرشحة والسيناريوهات مطروحة، كما أن واشنطن تدرك أن أي رد إسرائيلي سيعقبه رد إيراني لا محال، وسيكون عندها الرد الأول مجرد بروفة مصغرة وستكون معه الأمور أقرب إلى حرب مباشرة وفورية وإيران هددت برد أقسى وأشد إيلاماً.
– معادلة جديدة مع الكيان الصهيوني
إيران صدقت وعدها وردّت على استهداف قنصليتها في دمشق أوائل الشهر الجاري على توقيتها بدقة وانضباط مدروسين بعناية شديدة واستناداً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع المشروع، وبعملية حققت أهدافها بنجاح، وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي: القوات المسلحة الإيرانية لقنت العدو الصهيوني درساً وعبرة، و أي رد متهور جديد من العدو سيواجَه برد أقوى وأقسى، في حين أعلن رئيس هيئة الأركان المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، عن استهداف إيران لموقعين عسكريين إسرائيليين مهمين، وهما: المقر الاستخباراتي الإسرائيلي في جبل الشيخ، وقاعدة «نوفاتيم» العسكرية، وتدميرهما، ضمن العملية التي شنتها أمس على الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيراً إلى أنّ الهجوم الذي تم بصواريخ بالستية وصواريخ كروز، تم التخطيط له بحيث تم استهداف القاعدة الجوية التي انطلقت منها الطائرات الإسرائيلية التي اعتدت على قنصليتنا، قائلاً: إذا قام الكيان الصهيوني بالرد على عملية إيران، فإن ردّنا المقبل سيكون بالتأكيد أوسع بكثير من هذه العملية، بينما قال قائد حرس الثورة في إيران اللواء حسين سلامي: إن الإيرانيين اتخذوا معادلة جديدة مع الكيان الصهيوني، وهي الرد على أي اعتداء تتعرض له الأراضي الإيرانية، معلناً البدء بصفحة جديدة من الاشتباك مع العدو الصهيوني، محذراً «إسرائيل» من القيام بأي فعل، لأن الرد سيكون أشد وأقسى.
واشنطن تدرك أن أي رد إسرائيلي سيعقبه رد ثانِ لا محال وسيكون عندها الرد الأول مجرد بروفة مصغرة وستكون معه الأمور أقرب إلى الحرب المباشرة
– الأقسى من ناحية الأهمية والسياق
على جبهة العدو فإن الليلة الماضية كانت تاريخية وغير مسبوقة في تاريخ الكيان، إذ تحدثت وسائل إعلام العدو قائلة: «لقد غادرنا وكأننا بالتعادل، لكن في الحقيقة لا- بالنسبة لهم، النصر والنجاح الإيراني أعظم – والنتيجة ليست الاختبار، بل كسر الجدار الإسرائيلي، لقد اخترقت الصواريخ والطائرات أجواء القدس وفوق الكنيست والأقصى» مشيرة إلى أن الهجوم الإيراني الذي تعرضت له إسرائيل هو الأقسى منذ قيامها من ناحية الأهمية والسياق، والتكلفة التي تجاوزت المليار دولار.
وأقرّ المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، في وقت متأخر من الليل، بأنّ الهجوم الإيراني ألحق أضراراً بقاعدة عسكرية في جنوب فلسطين المحتلة.. وقاعدة «نفاتيم» الجوية الإسرائيلية تبعد 1100 كم عن الأراضي الإيرانية، وتقع على بعد 15 كم إلى جنوب شرق مدينة بئر السبع، بالقرب من «موشاف نيفاتيم» في صحراء النقب، وتعدّ القاعدة المقرّ الأساسي لطائرات، التي امتلكها سلاح الجو الإسرائيلي بعد صفقة مع الولايات المتحدة، وتحوي مطاراً بثلاث مدرجات، وقد تمّ تحديثه مؤخراً لاستقبال هذا النوع من الطائرات.
أي استهداف للعدو هو داعم للمقاومة وللشعب الفلسطيني والرد الإيراني هو إسناد للقضية الفلسطينية على نحو غير مباشر وحق طبيعي لإيران
وحسب المتحدث باسم جيش الاحتلال فقد تم إطلاق 170 مسيّرة و30 صاروخ كروز و120 صاروخاً بالستياً من إيران.
– إسناد غير مباشر
رأت المقاومة الفلسطينية أن أي استهداف للعدو هو داعم للمقاومة وللشعب الفلسطيني ضد المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحقه، مشيرة إلى أن الرد الإيراني هو إسناد للقضية الفلسطينية على نحو غير مباشر وهو حق طبيعي لإيران في الرد على الاعتداء الإجرامي الإسرائيلي على القنصلية في دمشق، مضيفة: من حق شعوب المنطقة الدفاع عن نفسها ضد العدوان الإسرائيلي، داعيةً كل قوى الأمة إلى الاستمرار في دعم المقاومة و«طوفان الأقصى»، في حين باركت لجان المقاومة في فلسطين الرد الإيراني الواجب على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، مشددةً على أنّه دفاع عن النفس وحق أصيل للجمهورية الإسلامية كفلته كل القوانين والشرائع الدولية.
وبين الأصوات الداعية إلى التهدئة وضبط النفس تبقى المقاومة هي الكلمة المفتاح لإحياء السلام والأمن الاقليمي وإنهاء الاحتلال والإرهاب بكل أشكاله كما قال رئيسي، أما عن مجلس الأمن الدولي الذي سيعقد جلسة اليوم على خلفية الرد الإيراني فإن المسار واضح ولا يحتاج إلى حديث.. وللحديث بقية.