«استدارة» أميركية توسّع وتعمق جغرافيا العدوان الإسرائيلي.. أسبوعان حاسمان وبعدهما قد يكون للإقليم حديث جديد
تشرين- مها سلطان:
أكثر فأكثر يبدو أن الكيان الإسرائيلي يسعى لأقصى درجة من التصعيد على جبهة الشمال و«شمال الشمال» موسعاً دائرة الاستهداف جغرافياً وفي المدى الزمني، وبما يعيد التركيز مجدداً والمخاوف باتجاه ما سيكون عليه المشهد الإقليمي في الأيام المقبلة رغم أنه فعلياً لا يكاد يختلف اثنان على مسألة أنه تصعيد مقصود بهدف توسيع قواعد الاشتباك، بمعنى تغييرها لكسر حالة الستاتيكو القائمة منذ أشهر على مبدأ الضربات والضربات المضادة، التي هي في غير مصلحة الكيان استناداً إلى عامل الوقت الذي لا يخدمه، فكلما طال الوقت اتسعت حالة الاستنزاف وعلى كل المستويات، حتى على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.. هذه الأخيرة أيضاً لا يخدمها استمرار الضربات والضربات المضادة، وعليه نراها مؤخراً وقد استدارت لتعيد ترتيب الأوراق على مستويين، مع الكيان من جهة، وعلى مستوى إدارة الحرب على غزة (وعلى الجبهات المساندة) من جهة أخرى.
– التصعيد المقصود
كثيرون ربطوا التصعيد الإسرائيلي بضوء أخضر أميركي عاد به وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت من واشنطن الأسبوع الماضي، خصوصاً أنه بعد زيارة غالانت إلى واشنطن كان هناك تصعيد في مستوى التهديدات التي وصلت إلى حد تهديد متزعمي الكيان بدخول لبنان بعد الانتهاء من عملية الهجوم على رفح.. بعد هذه التهديدات مباشرة جاء التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان وسورية، الذي وُصف بأنه الأخطر على السلم الإقليمي، وهو مستمر كما يبدو إذا ما أخذنا بقاعدة أن أخذ المنطقة إلى حافة الانفجار بات هدفاً، ليس اسرائيلياً فقط بل أميركياً أيضاً.
التصعيد الإسرائيلي باتجاه الشمال و«شمال الشمال» متفق عليه أميركياً إذ تبدو إدارة بايدن كمن ينفذ استدارة لإعادة ترتيب الأوراق مع الكيان وعلى مستوى الحرب على غزة
وبتتبع مسار العلاقات الأميركية- الإسرائيلية خلال الأيام الأخيرة، لا يمكن إلا ملاحظة أن ثمة ما تغير أو طرأ، ونحن هنا نتحدث بصورة أساسية عن الحرب على غزة، إذ يبدو أن الإدارة الأميركية بصدد تدبير جديد، لا يركز بصورة أساسية على الهجوم على رفح، رغم أن الحديث عن هذا الهجوم مستمر منذ أسابيع من دون تنفيذ حتى الآن بذريعة أن واشنطن لا توافق عليه من دون خطة «إنسانية» واضحة، ومن دون خطة عسكرية جيدة تدرأ خطر التصعيد الإقليمي ما بعد الهجوم على رفح.
في الأيام المقبلة قد تكون الإدارة الأميركية بصدد التصعيد الإقليمي ولكن ليس من بوابة رفح، بل من بوابة الشمال و«شمال الشمال» لأن جبهة رفح تبقى لها محاذيرها الأخطر، ولا تريد واشنطن المخاطرة بخسارة مصر، فيما هي تستطيع تبرير التصعيد شمالاً، بما في ذلك تنفيذ اعتداء واسع يحسم جبهة غزة لمصلحة الكيان الإسرائيلي أو على الأقل من دون هزيمة كاملة له.
التأكيد على سيناريو التصعيد قد نشهد مصادقة عليه خلال الاجتماع الأميركي – الإسرائيلي الذي سيعقد اليوم، والذي سيبحث حسب المعلن مقترحات أميركية بديلة عن الهجوم على رفح.
وحسب موقع «أكسيوس» الأميركي فإن الاجتماع سيعد افتراضياً «عن بُعد» ويجمع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، على أن يُعقد اجتماع ثان بصورة مباشرة الأسبوع المقبل .
اجتماع اليوم كان من المقرر عقده الأسبوع الماضي في واشنطن، لكن امتناع واشنطن عن رفع الفيتو ضد قرار في مجلس الأمن دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة، دفع بمتزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو إلى إلغاء الاجتماع احتجاجاً، لكن نتنياهو عاد في اليوم التالي يستجدي من واشنطن عقد اللقاء، حسب موقع (أكسيوس)، الذي يرى أن هذا الاجتماع هو وسيلة نتنياهو لحفظ ماء وجهه وإجراء نقاش مع البيت الأبيض من دون إرسال وفد إلى واشنطن.
نتنياهو واقع بالأساس تحت ضغط أعضاء حكومته الذين يطالبونه بإرسال الوفود إلى واشنطن لتجنب المزيد من تصعيد التوتر مع إدارة الرئيس جو بايدن.. ويبدو أن إدارة بايدن تعمل في الاتجاه نفسه، إذ إنها اختارت ملاقاة نتنياهو في منتصف الطريق، وعقد اجتماع (عن بُعد) لا يحرج نتنياهو.
– نصيحة «واشنطن بوست»
عشية هذا الاجتماع، كانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، بمجلس التحرير فيها، قد توجهت برسالة هي عبارة عن نصيحة إلى الكيان الإسرائيلي بأن عليه الاستماع جيداً لإدارة بايدن، لأن مستقبله متوقف على ذلك.
من المتوقع استمرار التصعيد إذا ما أخذنا بقاعدة أن أخذ المنطقة إلى «حافة الانفجار» بات هدفاً ليس إسرائيلياً فقط بل أميركياً أيضاً
تقول «واشنطن بوست»: رغم كل الانتقادات القاسية، لا يزال بايدن صديقاً مقرباً لـ «إسرائيل» ومستعداً لتحمل المخاطر السياسية لدعمها، وقد يعتمد مستقبلها على «فهم أنه عندما يقدم شخص مثل هذه النصيحة فمن الحكمة الاستماع».
وتضيف: ليس لدى «إسرائيل» وقت غير محدد لإنهاء هذه الحرب (وكل المعاناة الهائلة المصاحبة لها)، ولا يستطيع أحد، سواء في الداخل الإسرائيلي أو على مستوى المدنيين الذين يعانون في غزة أو على مستوى الرهائن، أن يتحملوا استمرار حالة الجمود.
«واشنطن بوست » تحدثت عن تصدع الجبهة بين الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، مؤكدة أنه اذا ما استمرت الحال كذلك، ولم تتفقا على نهج قابل للتطبيق للمرحلة التالية في غزة فإن «حماس» وحدها ستخرج منتصرة.
وترى الصحيفة الأميركية أن بايدن ونتنياهو كلاهما لا يتمتع بأي تأييد داخلي، هذه حقيقة، والحقيقة الأخرى هي أن الطرف الآخر (حماس) ما زال يتمتع بقيادة سليمة وقوية على الأرض.. وتضيف: الدلائل الحالية تشير إلى أن «إسرائيل» والولايات المتحدة ربما بدأا بالتحول من المسرح السياسي إلى الحنكة السياسية الناضجة، حيث وافق مستشارو نتنياهو على إعادة جدولة اجتماع مع مسؤولي إدارة بايدن سبق وألغاه نتنياهو في استعراض للغضب من امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو ضد قرار وقف اطلاق النار في غزة قبل نحو أسبوعين.
وحسب «واشنطن بوست» فإن غالانت أجرى محادثات عملية مهمة مع فريق الأمن القومي الأميركي، خصوصاً ما يتعلق برفح، وسب ما ظهر فإن هذه المحادثات تركت مجالاً للولايات المتحدة لتأييد الهجوم على رفح «ولكن فقط إذا تضمن خطة قابلة للتحقيق». والمقصود هنا خطة ناجحة عسكرية من دون أن تضاعف الغضب العالمي/الشعبي والقانوني/ تجاه الكارثة التي ستحل بمليون ونصف المليون من النازحين الموجودين في رفح.
وبكل الأحوال لا يمكن التقليل من شأن نصيحة «واشنطن بوست» لأنها فعلياً تتحدث بلسان الإدارة الأميركية، فما لا تقوله هذه الإدارة مباشرة للكيان الإسرائيلي تقوله بصورة غير مباشرة عبر قنوات عدة، منها وسائل إعلامية كصحيفة واشنطن بوست.
– تقييم التصعيد
ويبدو أن الاجتماع الأميركي – الإسرائيلي اليوم سيبحث في نتائج التصعيد الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، ومزيد من التصعيد خلال الأسبوع المقبل، أما الاجتماع الثاني فسيكون اجتماعاً تقييمياً، يتم خلاله تقرير ما ستكون عليه المرحلة المقبلة، وربما هناك تعويل أميركي – إسرائيلي على أن يقود التصعيد الحالي إلى «تفجير» قواعد الاشتباك المتفق عليه، على أن يكون الطرف الآخر هو من يبدأً، ليكون الكيان في موقع «الرد والدفاع».
عملية رفح تبقى لها محاذيرها.. واشنطن لا تريد المخاطرة بخسارة مصر عدا كونها تستطيع تبرير التصعيد شمالاً بما في ذلك تنفيذ عدوان واسع يحسم جبهة غزة لمصلحة الكيان
يتزامن ذلك مع استنئاف مسار التفاوض على الهدنة والرهائن، في اجتماعات جديدة بدأت في القاهرة أمس، علماً أنه سبق للكيان الإسرائيلي أن أعلن وصول هذا المسار على طريق مسدود محملاً الجانب الفلسطيني المسؤولية، وحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فإن هناك ضغوطاً من داخل حكومة نتنياهو لإبداء المرونة، حيث إن أصحاب هذه الضغوط ومنهم عضو حكومة الحرب غادي أيزنكوت، يرون أن هناك مساحة لتكون «إسرائيل» مرنة في بعض الجوانب لاسيما فيما يخص عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة.
– مجمع الشفاء.. مئات الضحايا
وكان الجيش الإسرائيلي قد كشف اليوم عن حصيلة جديدة لعدد قتلاه منذ 7 تشرين الأول الماضي، بلغت 600 جندي، فيما لا تزال الضفة الغربية تغلي منذرة بالأسوأ للكيان، حيث تستمر عمليات المقاومة، وآخرها عملية طعن أصابت 3 مستوطنين بجروح خطرة في أسدود.
وشهد فجر اليوم الإثنين انسحاب القوات الإسرائيلي من داخل ومحيط مجمع الشفاء الطبي غرب مدنية غزة بعد اقتحامه وفرض حصار عليه منذ أسبوعين.
وقال شهود عيان: إن الانسحاب جاء بشكل مفاجئ مصحوباً بإطلاق نار وقذائف من الدبابات باتجاه المباني السكنية المحيطة بالمجمع.
وحسب الطاقم الطبي لمجمع الشفاء فإن الانسحاب خلف مئات الضحايا والجرحى، ومئات المعتقلين، إضافة إلى قيام القوات الإسرائيلي بإحراق مبانى المجمع لتصبح خارجة عن الخدمة، هذا عدا الدمار الهائل الذي طال المجمع والمباني المحيطة به.