دعوا إلى تصويب مفهوم الدعم إصلاحياً ووظيفياً.. خبراء يتوافقون على إخفاق سياسات الدعم الراهنة
تشرين – رشا عيسى:
تصويب مفهوم الدعم إصلاحياً و وظيفياً ليكون ناجحاً، و صل إلى الشرائح الأكثر احتياجاً وفق آليات مختلفة تكون جزءاً من الاقتصاد الوطني، بات أمراً ملحاً ينسجم مع ضرورة وجود مفهوم الدعم ولكن بشكل مختلف عما هو سائد حالياً، ليوضح بعض خبراء الاقتصاد أن مفهوم الشمولية المعتمد في بعض أشكال الدعم وخاصة المحروقات والطاقة يعمق التفاوت بين الشرائح المجتمعية، بينما رأى البعض الآخر أنه ينبغي توفير شبكة حماية كفوءة ومستدامة في سياق إعادة هيكلة الدعم.
أهداف اجتماعية واقتصادية
عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية الدكتور جمعة حجازي أوضح لـ(تشرين) أن منظومة الدعم تعمل على تحقيق نوعين من الأهداف؛ الأول أهداف اجتماعية: محورها تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتخفيف أثر ارتفاع الأسعار وتقلباتها على مكونات عيشهم، وقد استند نظام الضمان الاجتماعي في سورية قبل الحرب إلى مكون الدعم والذي تمثل في دعم أسعار المواد الغذائية الأساسية والمياه والصرف الصحي وأسعار الطاقة، حيث تدعم الحكومة ضمن موازناتها العامة بعض المواد التموينية دعماً كاملاً بغض النظر عن الكميات المستهلكة كالخبز، كما كانت تدعم جزءاً من استهلاك الأسر من مادتي (السكر والرز) حيث يخصص لكل فرد من الأسرة كمية شهرية معينة بطريقة (البونات)، وهي عمومية التغطية وغير موجهة. وتدعم الدولة أيضاً أسعار الطاقة كالكهرباء التي يتم احتساب أسعارها وفقاً لشرائح تصاعدية تراعي استهلاك الأسر الفقيرة، والمحروقات التي بالرغم من ارتفاع أسعارها خلال سنوات ما قبل الحرب كانت تقدم إلى المستهلكين بأسعار أقل من سعر التكلفة.
أما النوع الثاني، حسب حجازي، فهي أهداف اقتصادية: محورها بعض القطاعات الاقتصادية كالدعم الزراعي ودعم الإنتاج المحلي ودعم الصادرات، وهذا الدعم موجه لحماية الاقتصاد الوطني وتطوير الإنتاج والتشجيع على التصدير، وبعض أوجهه دعم وسائل الإنتاج كالطاقة ودعم أسعار بعض المنتجات الاستراتيجية.
حجازي: الدعم الحكومي للسلع والخدمات إحدى أدوات إعادة توزيع الدخل لتخفيف التفاوت بين الطبقات الاجتماعية
إعادة توزيع الدخل
يعد الدعم الحكومي للسلع والخدمات، من الناحية النظرية، أحد أدوات إعادة توزيع الدخل لتخفيف التفاوت بين الطبقات الاجتماعية، وهو أداة من أدوات المسؤولية الاجتماعية للدول والذي تسعى من خلاله لتحقيق أهداف اقتصادية (دعم الإنتاج….) واجتماعية (تخفيف الفقر…)، وهو من حيث الجوهر تدخلات مؤقتة تستخدمها الدولة لفترة زمنية معينة، تزول هذه الأداة عند تحقيق الهدف.
وتترافق سياسات الدعم عادةً بسياسات تمكينية اقتصادية واجتماعية، وعندما تبدأ مفاعيل هذه السياسات بالعمل تنتفي الحاجة لوجود الدعم، لما له من آثار سلبية، على المدى الطويل، اقتصادية (تشوه الأسعار، ضعف حوافز التطوير، ضغوط مالية…) واجتماعية (ثقافة الاتكالية والانتظار، الهدر…..). كما يبين حجازي.
نتائج عكسية
يشير ما هو متوفر من مؤشرات حول توزع الدعم على الشرائح المختلفة للسكان في سورية إلى نتائج عكسية، فهو بدلاً من مساهمته في تخفيف التفاوت الاجتماعي، يعمق التفاوت فالشرائح الأغنى من السكان هي المستفيد الأكبر من مخصصات الدعم، وخاصةً أشكال الدعم التي تنتهج نهج الشمولية (المحروقات والطاقة، مياه الشرب، الخبز..).
حجازي: يشير ما هو متوفر من مؤشرات حول توزع الدعم على الشرائح المختلفة للسكان إلى نتائج عكسية
حيث يشير معامل جيني لتوزع الإنفاق على الكهرباء وفق الشرائح العشرية من السكان إلى زيادة التفاوت، حيث ارتفعت قيمة معامل جيني من 0.28 إلى 0.39 بين عامي 2004 و2009، واستمر هذا المعامل بالارتفاع في ظل الحرب حتى وصل عام 2022 إلى 0.52، وبالتالي فإن الدعم المقدم للقطاع يساهم مساهمة عكسية لا تساعد على تحقيق الأهداف التي وضع الدعم كسياسة مالية واجتماعية لتحقيقها.
في ضوء ذلك أكد حجازي أننا بحاجة إلى تحديد هوية الاقتصاد السوري، فهل يشكل الدعم الاجتماعي المحور الأهم على صعيد بناء النموذج الاقتصادي في سورية؟، وتحديد التوجهات الكلية في سورية والخطط التنموية (الخطط الخمسية ووثائق التوجهات)، بمعنى ما هو موقع السياسات والإجراءات الحكومية المتعلقة بالمواد التموينية والدعم الاجتماعي في سياق برنامج سورية ما بعد الأزمة (هل هذا خيار استراتيجي لا رجعة عنه) وهل الخدمات الاجتماعية تدخل في صلب التخطيط الاقتصادي والتنموي في سورية؟.
وأضاف حجازي: تحديد تلك التوجهات لم يعد ترفاً فكرياً فهو في صلب موضوع الدعم الاجتماعي فلا يمكن لنا في ضوء الواقع الراهن أن نعالج الموضوع من زاوية ردة الفعل وتأمين الاحتياجات الأساسية من دون التفكير بطريقة مناسبة مستقبلاً، وعلينا تأكيد ثوابت الحماية الاجتماعية واستمرار تقديم القطاعات الاجتماعية لخدماتها في مجال التعليم والصحة والخدمات العامة بأسعار رمزية لا تعكس التكلفة الفعلية للخدمة، وهذا مبدأ مهم تجاه تعهد الدولة بالشأن الاجتماعي وبالأخص فيما يتعلق بموضوع التعليم والصحة على وجه الخصوص، وباقي الخدمات الاجتماعية على وجه العموم، وتوسيع الإحاطة لقانون الضمان الاجتماعي ليشمل الفئات الاجتماعية المختلفة والمهن الهامشية في القطاع الاقتصادي غير المنظم.
حجازي: تأكيد ثوابت الحماية الاجتماعية واستمرار تقديم القطاعات الاجتماعية لخدماتها في مجال التعليم والصحة والخدمات العامة
كما شدد حجازي على توجيه الدعم ومراجعة سياساته وآلياته، من خلال موازنة الدولة ومن خلال سياسات ضبط الإنفاق الاجتماعي عبر آليات جديدة ومبتكرة وربط الدعم بالاستهداف والتصنيف والمفاضلة، عن طريق حصر ورصد الفئات الاجتماعية المستحقة والتأكد من وصول الدعم إليها وفق قواعد ولوائح مضبوطة ولا يمكن التلاعب فيها، وهذا لا يعني أبداً أن إعادة توجيه الدعم هو تخلٍ عنه، فهو عملية لتأكيد الدعم والاستمرار فيه ولكن وفق وضوابط وشروط محددة.
وأكد حجازي على إرساء مفهوم اللامركزية في تقديم الدعم والتوقف عن أسلوب المركزية في تصميم مكونات برنامج الدعم، والانتقال إلى أشكال من الدعم الاجتماعي غير العيني عبر صيغ مبتكرة وفقاً للتجارب العالمية في هذا الشأن مع مراعاة الخصوصية السورية، وإنشاء بنية إدارية متخصصة بالدعم لتوحيد الجهة المتعلقة به مثل الهيئة العامة للدعم أو صندوق الدعم العام، بحيث تنحصر حسابات الدعم وآليات التوزيع والمحاسبة بجهة واحدة، ما يعزز الشفافية والمحاسبة في الإقرار والتوزيع.
ولفت حجازي إلى ضرورة التأكيد على أن دور الدولة الاجتماعي في سورية إنما يتحدد وفق معايير وأسس تتعلق بأن الخدمات العامة هي جزء من النظام الاقتصادي والاجتماعي، وأن علمية إلغاء تلك وفق صيغ مجتزأة، بفعل الانتقال إلى الاقتصادي المفتوح، عبر أشكال متعددة إنما هو بالضرورة تجاوز لدور الدولة والمحوري في الشأن الاجتماعي، مشيراً إلى وجود أشكال من الدعم المتصلة في العملية الإنتاجية؛ صندوق الدعم الزراعي – دعم الصادرات – دعم الإنتاج المحلي – ودعم مدخلات الإنتاج والتي يجب أن تكون لها أولوية ولا يجب أن يتم التخلي عنها بسبب ارتفاع تكلفة تأمين الاحتياجات اللازمة.
موصلي: أهم مستوى ينبغي الانطلاق منه لإقامة شبكة حماية كفوءة هو رفع كفاءة النظام المالي للوصول إلى قياس دقيق للدخل وبالتالي تحقيق العدالة الضريبية
شبكة حماية كفوءة
بدوره، الدكتور سليمان موصلي الأستاذ المساعد في قسم المصارف والتأمين في كلية الاقتصاد – جامعة دمشق بين لـ( تشرين) أن العنوان ليس بأهمية المضمون، وسواء أطلقنا عليه دعماً أو شبكة حماية فإنه يجب أن نكون حذرين عند مقاربة موضوع يمس طبقات فقيرة و ازدادت فقراً بنتيجة الحرب.
من ناحية أخرى، ينبغي أن نوفر شبكة حماية كفوءة ومستدامة، في سياق إعادة هيكلة الدعم، وأعتقد أن ذلك يحتاج تحضيراً دقيقاً وواسعاً على كل المستويات.
وأهم مستوى ينبغي الانطلاق منه وضروري لإقامة شبكة حماية كفوءة، وفقاً لموصلي، هو رفع كفاءة النظام المالي للوصول إلى قياس دقيق للدخل وبالتالي تحقيق العدالة الضريبية.
ومازالت الضرائب تفرض على أساس الدخل المقطوع لعدد كبير من الفعاليات، وهذا يعني العجز عن تحديد الدخل الدقيق.
ضريبة سالبة
وأشار موصلي إلى أن الدعم هو ضريبة سالبة يحصل عليها المواطن بدل أن يدفعها ومن دون قياس دقيق للدخل لن تكون شبكة الحماية كفوءة أو مستدامة.
لينهي حديثه بالقول: بالتأكيد بقاء سياسات الدعم الحالي مكلف مالياً.