خطير ومقلق خارج نطاق السيطرة.. ماذا يُخفي “البيغو لايف وأخواته” تحتَ عباءة التواصل الاجتماعي.. ومن يموّل هذا السخاء المريب؟؟؟
تشرين – زينب خليل:
لن تبذل الكثير من الجهد للبحث والتقصّي عن “البيغو لايف”, إذ يكفي أن تكتب اسم التطبيق في محرك البحث لموقع ( فيس بوك ), لتظهر لك الإعلانات والمنشوارت والفيديوهات تباعاً، وتُبين لك حجم الكارثة التي نتناولها في تحقيق اليوم.
أن «تبيع نفسك» هي النصيحة الأهم لدى خبراء العمل الحر على الإنترنت، والمقصود بهذه العبارة أن تُسوّق لنفسك بشكل صحيح على الشبكة, وتقدم الخدمة أو المهارة التي تمتلكها باحترافية عالية, وهنا من المهم جداً التفريق بين أن تبيع الخدمة أو تبيع نفسك وجسدك مقابل المال، ولكن في ظل انتشار تطبيقات الدردشة المدفوعة مثل «البيغو لايف, السوبر لايف والبوبو» التي تُعرف نفسها على أنها تطبيقات تواصل اجتماعي, باتت عبارة أن «تبيع نفسك» مقصودة بحرفيتها.
شاب: تطبيق سيئ وخطير جداً على الشباب والمراهقين يهدف إلى سرقة الوقت والعقول والطموح وإبعاد جيل بأكمله عن سوق العمل الواقعي
«التعرّي أساس الربح»
سامر “اسم مستعار” لشاب سوري 26 عاماً, يروي لـ«تشرين» قصة عمله في تطبيق الـ«بيغولايف»، إذ يبيّن: «دخلت التطبيق مع مجموعة من أصدقائي بهدف الربح, بعد أن سمعنا عن المبالغ التي يتقاضاها مستخدمو التطبيق, تواصلت مع أحد الوكلاء ليرسل لي رابط التحميل، وبالفعل قمت بتحميله وباشرت العمل, وبعد مدة قصيرة تبيّن لي أن أساس الربح هو “المُصاحبة” والتعرّي, أي أن تكون فتاة جميلة وتُلبي ما يُطلب منها من قبل الداعم, وعندها فقط ستحصل على المال».
يتابع سامر: «لأكون صريحاً هناك من يعمل بشرف ومن يعمل من دون شرف, حيث تستطيع الربح عن طريق الألعاب, تقوم بجمع حبات الفاصولياء وتحويلها إلى جواهر. قضيت ثلاثة أشهر وأنا أجمع الفاصولياء وحصلت أخيراً على مبلغ زهيد لا يساوي الوقت والجهد الكبيرين اللذين هدرتهما في سبيله, وبصراحة أكثر (حسّيت حالي شحّاد) أتسول الدعم من هذا وذاك، لذلك قررت حفظ كرامتي والخروج من التطبيق».
ربحي بحت
تُسوّق الشركة المنتجة لتطبيق الـ «بيغو لايف» على أنه منصة للبث المباشر والتواصل الاجتماعي والألعاب, تم إنشاؤها عام 2016, وهي تابعة لشركة (بيغو تكنولوجي) في سنغافورة, لاقت هذه المنصة انتشاراً واسعاً في دول شرق آسيا والدول العربية ومؤخراً في سورية، وبعد التحرّي, تبين أن «البيغو لايف» تطبيق ربحي بحت، يعتمد على الشحن من متجر التطبيق, أي أن يقوم الداعم بشحن محفظته بالهدايا الافتراضية, ويقدمها لمن يرغب خلال التحديات والبث المباشر العام, على شكل أيقونات مثل «الجواهر والدراغون واليخت» وغيرها, ولكل أيقونة سعر معين, فعلى سبيل المثال, يمكن أن يصل سعر أيقونة «اليخت» إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية, يتم تجميع هذه الأيقونات ومن ثم يحولها الوكيل إلى أموال ويرسلها للمستخدم إما كحوالة مالية عن طريق شركات معروفة, أو يسلمها باليد في حال كان المستخدم قريباً من مكان سكنه, والجميع يأخذ نسبته.
أما بالنسبة للداعمين، فالأغلبية من جنسيات عربية مختلفة, يدخل الداعم البث المباشر الخاص مع فتاة ويطلب منها إرسال صور فاضحة, أو القيام بتصرفات غير لائقة, أو التحدث بكلام خارج عن الأدب, مقابل حصولها على الدعم أو إرسال مبالغ مالية كبيرة على شكل حوالة شخصية, ومن ترفض تلبية هذه الرغبات حتماً لن تحصل على شيء.
يُكمل سامر حديثه:« أخبرتني صديقتي أن شخصاً من جنسية عربية دخل الخاص وطلب منها إرسال صور فاضحة مقابل أن يرسل لها مبلغاً كبيراً من المال, لكنها رفضت وقررت الخروج من التطبيق فوراً, مضيفاً: كان هدفنا تأمين مصدر دخل نُعين بهِ أنفسنا لكننا صُدمنا بحقيقته». يُذكر أن سامر خريجٌ جامعي حاصل على مراتب الأوائل في جامعتهِ لأربع سنوات على التوالي.
” سرقة العقول ”
عمار “34 عاماً”, أيضاً شاركنا رأيه حول التطبيق بعد استطلاع للرأي ويصفه بأنه: «تطبيق سيئ وخطير جداً على الشباب والمراهقين, يهدف إلى سرقة الوقت والعقول والطموح وإبعاد جيل بأكمله عن سوق العمل الواقعية, نظراً للمغريات المادية والمبالغ التي يحصلون عليها, بمعنى استسهال الحصول على المال, ما سيؤثر بشكل مؤكد على تحصيلهم الدراسي وسلوكهم الأخلاقي والاجتماعي, وعزا سبب توجه الشابات والشباب للعمل في هذه التطبيقات إلى الفقر والحاجة نظراً للواقع المعيشي الصعب, وتدني الأجور التي لا تكفيهم لأسبوع، ما يضطرهم للبحث عن دخل إضافي».
أنت و”شطارتك”
ولنتأكد من دقة بعض المعلومات التي وردت في شهادات المستخدمين, قمنا بالتواصل مع إحدى مسوقات هذه التطبيقات, وصلنا إليها عن طريق إعلان قامت بنشره على (فيس بوك)، تضمّن نص الإعلان «عمل بث مباشر براتب يصل إلى أربعة ملايين ليرة للبنات فقط», أرسلت لنا حساب “واتساب” خارج سورية للتواصل معه, أخبرتنا أن اسم التطبيق «سوبر لايف» وهو يعتمد على البث المباشر بشكل أساسي, يوجد عدد ساعات معين يجب أن يقضيه المستخدم على البث, ويقوم بالتحديات وأقل راتب هو 185 دولاراً ويمكن أن يصل إلى 6 آلاف دولار, والمطلوب منك أن تكوني جميلة, وتضعي المكياج, وتستقبلي الداعمين بابتسامة لتحصلي على الدعم، وعند سؤالنا على أي أساس سيدفعون هذه الأموال و ما هو المقابل؟ كان الجواب:«أنتِ وأسلوبك وشطارتك».
دلول: هذه التطبيقات غير مُرخصة ولا توجد أي صفة قانونية لعملها على الشبكة السورية
لا صفة قانونية
وحول الصفة القانونية التي تعمل بها هذه التطبيقات على الشبكة السورية, يجيب الدكتور المهندس عمار دلول خبير الاتصالات والرقميات: “هذه التطبيقات غير مُرخصة ولا توجد أي صفة قانونية لعملها على الشبكة السورية, ويجب ملاحقتها من قبل فرع الجرائم الإلكترونية, ولتتم ملاحقتها بشكل قانوني يجب تقديم شكوى بخصوص عمل هذه التطبيقات, تُحول الشكوى من النيابة العامة باتجاه الجرائم المعلوماتية, لتتم بعدها مخاطبة الجهات المعنية أو الهيئة الناظمة للاتصالات أو الهيئة الناظمة لتقانة المعلومات, لاتخاذ الإجراءات اللازمة”.
لحسن الحظ أن الأشخاص الذين شاركونا تجاربهم لديهم من الوعي ما يكفي للانسحاب قبل الغرق في هذا المستنقع, ولكن هل نستطيع تعميم هذه التجارب على جيل بأكمله ؟ نظراً للتفاوت الكبير بنسب الوعي والثقافة لديه, وخصوصاً أننا نتحدث عن جيل عانى ما عاناه من مفرزات أزمة وحرب طويلة أثرت بشكل كبير على ثقافته وسلوكياته ونفسيته.
الشحاذه: بعض الدول المعادية لنا قد تسعى لاختراق التحصين الاجتماعي للمجتمع السوري عبر أسلوب رخيص وسافر من هذا النوع
نشر مفاهيم دخيلة
يرى الدكتور حسام الشحاذه, الباحث في القضايا التربوية والاجتماعية, أنه من خلال آلية الحوار والنقاش مع فئات الأطفال والمراهقين والشباب يمكن عرض المخاطر التي قد تطول البنية الأخلاقية والسلوكية والقيمية للمجتمع, عن طريق التوظيف الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي التي تعتمد البث المباشر، وخاصة عند استغلالها السيئ لطرح قيم ومفاهيم ونماذج سلوكية لا تقوم على مبادئ أخلاقية سليمة، أو تسعى لنشر مفاهيم دخيلة على عادات وتقاليد المجتمع السوري المحافظ، وما هي النتائج الكارثية إذا أسيء استخدام هذا النمط الجديد من وسائل التواصل الاجتماعي على جيل بأكمله، ولاسيما أن بعض الدول المعادية لنا قد تسعى لاختراق التحصين الاجتماعي للمجتمع السوري عبر أسلوب رخيص وسافر من هذا النوع.
باتت واقعاً
ويتابع د. الشحاذه: إن وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتمد البث المباشر باتت واقعاً لا يمكن الهروب منه، وكسابقاتها من موجات التطور التقني والمعلوماتي لوسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن لدى المثقفين من سلاح سوى التوعية الأخلاقية بإيجابيات وسلبيات التعامل مع هذه الموجة الجديدة من التطور في وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا تلعب عملية التوعية الأخلاقية وثقافة المجتمع دوراً مهماً في ضبط هذا الجنوح الأخلاقي لدى الأطفال والمراهقين والشباب، مع التأكيد على تنمية الواعظ الديني والأخلاقي.
ختاماً, إن الخطوة الأولى لحل أي مشكلة هي الاعتراف بوجودها, ومن ثم مواجهتها, والأهم من ذلك كله يجب أن ندرك حقيقة عدم إمكانية تغطية الشمس بإصبع.