فارسٌ وخيلٌ ودرعٌ .. بشير بشير يَستقي من عوالم الشرق الثريّة
تشرين- لبنى شاكر:
“ألف ليلة وليلة” عنوانٌ اختاره التشكيلي بشير بشير لمعرضه المُقام مُؤخراً في صالة الشعب، وعلى أنه لا يبتعد فيه عن لوحته التي تصح تسميتها بالمُعاصرة لكنه في الوقت ذاته يُضيف إليها ملمحاً شرقيّاً بارزاً، مُستقىً من جُملة الحكايات التي يُوحي بها العنوان الدلالة بين التاريخ والتراجيديا والشعر، والكثير من الخيالية والأسطورية التي تستوعب كلّ إضافة، بحيث يُمكن القول إنّ تجربة بشير الحداثوية استحالت ساحةً واسعةً للتجديد واللعب على البصريات.
“ألف ليلة وليلة” عودةٌ إلى تراثنا الغني واستقاءٌ من فنونه ومُعتقداته وآدابه
عوالم الشرق
الذهاب نحو عوالم الشرق الثريّة محاولةٌ لتوظيف مُجمل ما اشتغل عليه بشير وصولاً إلى معرضه الفردي الثالث والثلاثين، حيث تتزاحم في مشواره محطاتٌ في الواقعية والتجريد والحروفية غير المقروءة، تنحو في جزءٍ كبيرٍ منها باتجاه الغرافيك والتكوين الهندسي والبناء الإسلامي للعمل الفني، ومن ثم كان معرضه هذا توليفة من كل ما سبق، احتوت فيه اللوحة نمطاً إعلانياً ومقاطع من الديكور وحروفيةً مُباشرة مع حرفي الضاد والقاف، وأبياتاً من الشعر عابرةً أو مُوجّهة، اندغمت جميعها مع فارسٍ يبدو أنه يخوض معركةً ما، يرفع إشارة النصر في بعض اللوحات ويشتبك في غيرها بمُبارزةٍ خفيّة، يُهاجم ويُدافع ويُراوغ، مُتكئاً على خيله ودرعه، بموازاة إيحاءاتٍ لآخرين يرونه المُنقذ، فينتظرونه ويرجون عودته غانماً.
ومع أن العناصر نفسها تتكرر في 25 لوحة، لكن الاختلاف بينها ظاهرٌ بوضوح تبعاً لطريقة توزيعها، كما لو أنها مَشاهد فنية مُتتالية، يتعاطى معها الفنان برؤىً تختلف باستمرار.
تحديث اللوحة
يُؤمن بشير أن تحديث اللوحة بشكلٍ إبداعيٍّ مُبتكر، لا بد أن يقوم على مراحل، ومن الخطأ برأيه الدخول إلى الحالة التجريدية أو التعبيرية مثلاً، دون أن تكون لدى الفنان قاعدة يستند إليها في بناء اللون والفكرة والتوازن وتوزيع العناصر، ومن هنا كانت خطوته في “ألف ليلة وليلة”، عودة إلى تراثنا الغني بمكوناته، واستقاء من فنونه ومُعتقداته وآدابه، ليكوّن لاحقاً ماهية اللون والفكرة والموضوع بطريقته.
في المعرض الأخير معركةٌ افتراضيّةٌ لفارسٍ يشتبك في مُبارزةٍ خفيّة
وكما يعرف مُتابعو معارضه، تحمل أعماله زخماً لونياً بعيداً عن صبغةٍ محددة، تكثر فيها الألوان الحارة، كالبنفسجي والأحمر والفيروزي والأصفر الهندي، مع حركةٍ يشعر المتفرج بها تكتنف مفردات اللوحة، يقول في حديثٍ إلى “تشرين”: “شعرتُ بضرورة التغيير والجدة لكن بما يُقنعني ويتلاءم مع أسلوبيتي، ومع الفكرة الأسطورية التي تقصّها اللوحات أحسستُ بنقلةٍ حقيقية تُبعدني عن تكرار نفسي”، ولأنه اعتاد البناء باتجاه القادم دوماً، يُشير إلى أنه في المحطة المُقبلة، ربما يذهب إلى اختزال بعض العناصر.
تجربة بشير الحداثوية استحالت ساحةً واسعةً للتجديد واللعب على البصريات
كلٌّ مُتآلف
اللافت في أعمال بشير عموماً قدرته على وضع العناصر الكثيرة في لوحته من القياس الكبير غالباً، بشكلٍ مُتناسق، حتى تبدو كأنها كلٌّ واحد مُتآلف، لا يمكن فصل الخط فيه عن الحرف، والرمز عن اللون، كما لا يُمكن تمييز الخط المنحني عن المنكسر، وهو ما نراه في تفاصيل المعركة المُفترضة هذه المرة أيضاً، كأنّه يرسم أجزاءً لا تلبث أن تتحد، لِتأخذ مُتأملها نحو رحلةٍ شرقية، يقرأ فيها بالعربية عن “علاء الدين والمصباح السحري”، و”علي بابا والأربعون لصاً”، ويتنقل بين العمارة القديمة في دمشق والقاهرة وبغداد، بهيئةٍ عصريّةٍ غرافيكية، صنعت له هويةً خاصة يُعرف بها، فلا يطغى زمنٌ عنده على آخر، بل تلتقي الأزمان في حيّزٍ واحد، كأنّ التباعد والقطيعة بينها ليس إلا وهماً، كشفته اللوحة حين استعارت من الماضي والحاضر.