إذا أردنا الحديث عن المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر ووضع الإستراتيجيات والسياسات المناسبة لتنميتها وزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني، واعتمادها حلاً لمشكلات إنتاجية وتشغيلية كبيرة، فإن هذا الأمر يبقى منقوصاً إذا لم نقم بالإجراءات المعيارية في هذا الإطار.
الأمر الأول الواجب القيام به هو تحليل بيئة الأعمال لهذه المشروعات، والبدء بتحليل اقتصادنا الوطني على المستوى الكلي، فمن المعلوم أن هذه الفئة من المشروعات تقوم إلى جانب مشاريع اقتصادية كبرى صناعية تجارية زراعية خدمية لتلبية احتياجاتها من سلع أو خدمات معينة، تشجع رواد الأعمال على اقتناص الفرص المتاحة وتحويلها إلى ورشات تتطور وفقاً لنشاط المشروعات الكبرى التي ستكون بمثابة الأم لها.
وطبعاً الجميع يعلم أن معظم مشروعاتنا الكبيرة تعمل حالياً بأقل من طاقتها الإنتاجية لصعوبات يعلمها الجميع.
كما يجب الانتقال إلى قطاعات اقتصادنا المختلفة وتحليلها ومعرفة نقاط القوة والضعف فيها، ووضع خارطة للفرص المتاحة حتى ينطلق منها الباحثون عن استثمار مهاراتهم أو مدخراتهم أو أفكارهم..
لكن للأسف كل قطاعات الاقتصاد الوطني تعاني من ارتفاع التكاليف وصعوبة تأمين المواد الأولية وشراسة المنافسة من البضائع المهربة وحتى المستوردة..
وفي المرحلة الثالثة يجب أن ننظر بأسلوب ممنهج إلى بنية المشروعات الصغيرة و متناهية الصغر الموجودة في بلدنا حالياً، والتي سنجد أن النسبة العظمى منها تعمل في الظل، وأن عددها ليس بقليل لكنها مشروعات ريعية غير منتجة تقوم على أنشطة “غير قانونية” كالمتاجرة بالمواد المدعومة أو المهربة، وجزء آخر يقوم على تقديم خدمات النقل، أو الوساطات المالية والعقارية، وهناك نسبة جيدة فضلت أنشطة المضاربة على الذهب أو العملات أو العقارات وحتى السلع الغذائية، على الإنتاج الحقيقي، لا بل أن هناك من يأخذون القروض المخصصة لمثل هذه المشروعات بقصد المضاربة لأنها تحقق لهم عوائداً لا يمكن أن يحلموا بها اذا أقاموا مشروعات منتجة مفيدة للاقتصاد الوطني..
وبعد ذلك يمكن الاستنتاج بأن المشكلة لا يمكن حصرها في القوانين والتشريعات ولا في التراخيص ولا في التمويل ولا في الرعاية الحكومية لوحدها، وإنما في طبيعة وتركيبة اقتصادنا التي تشوهت بسبب الحرب على سورية والحصار الظالم.. والتقصير من قبل الجهات المعنية.
تشجيع إقامة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة يتطلب إجراءات كبرى على مستوى الاقتصاد الكلي، ومعالجات جراحية في قطاعاتنا الإنتاجية، وفهم آلية تفكير جيل الشباب هذه الأيام الذين لن تغريهم الوعود ولن تجذبهم المؤتمرات، وهذا أمر مطلوب من الفعاليات الاقتصادية قبل الجهات الحكومية ومن جامعاتنا ومؤسساتنا البحثية، وقبل كل ذلك يجب أن نسأل أنفسنا ما هي المشروعات التي نريدها؟