حينما تصبح مقولة «اللهم إني صائم» تبريراً للانفعال والغضب.. باحثة اجتماعية: الصيام ينقي الجسم ويجعله يعمل بكفاءة أفضل
دمشق- بشرى سمير:
بدأ شهر رمضان الكريم، فتتغيّر ساعات الدوام في الجامعات والوظائف والمؤسّسات مراعاةً للصائمين، وبدأنا نسمع عبارة “اللهم إني صائم” في محاولة لضبط النفس وتجنب الشجار، وخاصة في الأسواق وتعاملات البيع والشراء التي تجعل الإنسان يفقد صوابه نتيجة ارتفاع الأسعار الجنوني ومحاولة بعض ضعاف النفوس من الباعة استغلال الشهر الفضيل لتحقيق الربح والتلاعب بالأسعار.. لكن السؤال إلى أي مدى تستطيع هذه العبارة أن تخفف من الغضب والانفعال؟
تقول السيدة ريم: إن شهر رمضان هو شهر لتهذيب النفس وبناء الأخلاق الحسنة وتحسين السلوك، لكنّك حين تقود سيارتك في نهار رمضان، تجد الناس متوتّرتين وسريعي الانفعال، ويصعب أن تتحدّث مع الآخرين، كما يصعب أن يسمحوا لك بالمرور من أمامهم أثناء القيادة، فالجميع يريد الوصول بسرعة، وهُم ليسوا بمِزاج جيّد قبل الإفطار، ويجب أن تَعي أنتَ كذلك، وعلى الجميع أن يُراعي الجميع إذ لا أحد يشعر بأنه على ما يُرام، والجميع يشعر باستحقاق وبضرورة معاملته معاملة خاصّة لأنه صائم. وعند حدوث أي موقف تتذكر أنك صائم ويجب أن تضبط نفسك فتقول: “اللهم إني صائم”.
(بشير) وهو بائع بيّن أن طبيعة عمله توجب عليه أن يقابل أصنافاً مختلفة من البشر وأمزجة مختلفة فهناك العصبي الذي لا يحتمل كلمة، ويريد أن يحقق طلبه بسرعة وخاصة مع اقتراب ساعة الإفطار، لذلك نحاول أن نلبي طلبات الجميع.. ودائماً ما نقول: «اللهم إني صائم»، لتذكير الزبائن بضرورة التحلي بأخلاق رمضان.
علاقة الغضب بالصيام
لكن السؤال المطروح هنا: ما علاقة سرعة الغضب بالصيام، ليجيب عن هذا التساؤل الدكتور محمد المصري اختصاصي في الصحة العامة، مبيناً وجود علاقة وثيقة بين ضبط النفس ومستوى الغلوكوز في الدم لأن “الغلوكوز” أو سُكّر الدم هو المصدر الأساسي للطاقة في عمليات البناء في الخلايا، وبانخفاض كميات الغلوكوز -نتيجة الصيام مثلاً- تقلّ قدرة المرء على ضبط نفسه والسيطرة على انفعالاته، والعكس صحيح.
فضائل رمضان
ويضيف الدكتور المصري: من هنا نجد أنّ التركيز في شهر رمضان يكون على ضرورة التحلّي بالحِلم والصبر والأخلاق الحسنة خلال فترة الصيام، وأنّ اكتمال أجر الصائم لا يكون إلّا من خلال السلامة الأخلاقية للصائم، حيث إنّ الوضع الفيزيولوجيّ للجسد تحت حالة الصيام يجعله أكثر عرضة للانفعال، وأنّ الارتقاء الروحي للإنسان يكون أفضل ما يكون حين يُقاوم الإنسان هذه الجاهزية الجسدية للغضب ويتفوّق عليها ويسمو بنفسه عبر التحلّي بالأخلاق الحميدة وإلزام نفسه بعدم الإساءة إلى أي أحد خلال صيامه.
تهديد ووعيد
وتشير الباحثة الاجتماعية راما محمود إلى أن بعض الناس يسيئون استخدام مقولة “اللهم إني صائم”، فبدلاً من أن تجعل الصائم يشحذ نفسه بالتقوى، ويهدئ من توتره، يقولها البعض تهديداً للآخرين من بركان غضب على وشك الانفجار، حيث تحدث بعض المشاجرات، ويثور غضب بعض الصائمين في الأيام الأولى من شهر رمضان.
وتضيف محمود: إن بعض الصائمين يعطون لأنفسهم المبرر كي ينفعلوا بسبب الصيام، ويقول أحدهم “اللهم إني صائم” بطريقة توحي للآخرين بمعنى: (ابعد عني واتقِ شرّي).
تدريب النفس
وأكدت محمود أن الصيام ينبغي أن يجعل الإنسان أهدأ وأكثر توازناً نفسياً، وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الصيام ينقي الجسم ويجعله يعمل بكفاءة أفضل، لكن الأمر يتطلب تدريباً نفسياً للسيطرة على الانفعالات وإدارة النفس.
وتوضح أن الصائم ينفعل ويفقد أعصابه ليس بسبب الصيام وحده، بل بسبب عدة أمور منها: الاضطرابات النفسية المرتبطة بشخصية الإنسان وبيئته، فمثلاً تجد الأشخاص العصبيين طوال العام، هم أكثر عرضة للغضب والانفعال أثناء الصيام، ولديهم استعداد نفسي مسبق لهذه السلوكيات، ويتعذرون بالصيام، في حين أن الشخصيات الهادئة والمستعدة مسبقاً تزداد سماحة وعفواً وروحانية أثناء الصيام، لافتة إلى أن الانقطاع والحرمان المفاجئ عن بعض العادات التي تسبب حالة من الإدمان مثل: التدخين، وتناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين، والإفراط في تناول الأكل وخصوصاً السكريات، وعدم تنظيم وجبات الطعام، كل هذه العوامل من شأنها أن تؤثر في مزاج الصائم، وتزيد من فرص انفعاله وغضبه خصوصاً في الأيام الأولى للصيام.