ميناء أميركي..؟

لا شك أن إدارة بايدن نجحت، نوعاً ما، في إشغال المنطقة منذ عدة أيام بمشروع الميناء العائم قبالة سواحل قطاع غزة، والذي تقول إن هدفه تقديم المساعدات الإنسانية لأهل القطاع، وحسب التقارير فإن الميناء دخل قيد التنفيذ مع إرسال الولايات المتحدة سفينة خاصة تحمل معدات انشاء الميناء الذي سيكون جاهزاً خلال أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر.
منذ إعلان بايدن عن هذا الميناء، وكان ذلك قبل خطاب حال الاتحاد يوم الجمعة الماضي الذي أعلن فيه رسمياً عن هذا الميناء.. لم يُترك أمر لم يتم قوله حول هذا الميناء لناحية الأهداف والخلفيات، الآنية والمستقبلية، وبكل التفاصيل الكبيرة والصغيرة، ولكن أي مما يُقال لم يأتِ على ذكر هدف إنساني واحد من وراء هذا المشروع الأميركي الذي حظي بتصفيق عال من قبل الكيان الإسرائيلي، علماً أن الكيان نفسه سبق وأن رفض هذا المشروع عندما تم طرحه قبل نحو عشر سنوات.
من الهدف الداخلي الانتخابي إلى الهدف الإسرائيلي/الإقليمي، وما تخطط له أميركا لقطاع غزة والمنطقة، كلها أهداف لا تمت للإنسانية بصلة ولا لمساعدة أهل غزة الذين يُقتلون على يد جيش الكيان منذ أكثر من خمسة أشهر بضوء أخضر أميركي أعاد بايدن تأكيده في خطاب حال الاتحاد عندما جدد «دعمه الأبدي لإسرائيل».. واليوم يموت الفلسطينيون جوعاً بفعل الحصار الإسرائيلي لهم، فيما إدارة بايدن تزعم أنها عاجزة عن اقناع الكيان بإدخال المساعدات «تماماً كما زعمها بالعجز عن اقناعه بوقف العدوان وتقديم نتنياهو وتعنته ذريعة لهذا العجز»، ولذلك فهي ستعمل على إنشاء ميناء أميركي لنقل المساعدات عبر ممر من قبرص إلى سواحل غزة، مرتبط بجسر بري إلى الشاطئ على أن يتولى عسكريون أميركيون وإسرائيليون عملية النقل والتوصيل والتوزيع، وبما يُبيض صفحة الكيان ويزيل عنه، وعن إدارة بايدن، صفة الإرهاب.
ورغم أن إدارة بايدن تجهد لتقديم وجه إنساني لمينائها، لكنها لا تنجح في ذلك، ولن تنجح، إذ يكفي أن يكون أي أمر أو خطة أو مشروع مصدره أميركا ليكون دائماً وأبداً محل شكوك ومخاوف، ويكفي أن يكون أميركياً ليكون خبيثاً فكيف إذا كنا نتحدث عن غزة وعن منطقة تكاد أميركا تخسر كل أوراقها فيها.
لا شك أن معظم الأهداف الأميركية/الإسرائيلية من وراء هذا الميناء تتركز ضد قطاع عزة ومستقبله، وما يسمى باليوم التالي لما بعد الحرب، ولكن إذا ما وسعنا الرؤية أكثر فإن الهدف النهائي يشمل كامل المنطقة، وذلك في خطة جديدة لإعادة رسمها أميركياً، انطلاقاً من غزة ومن ذلك الميناء تحديداً، ولا ننسى هنا أنه وقبل عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي، مشروع الممر الهندي الذي أطلقته أميركا وحلفاؤها قبل هذه العملية بشهر، في أيلول الماضي، وحيث أن غزة محطة رئيسية في هذا المشروع.
ولأن أميركا أكثر من يجيد إشعال الحروب، وأكثر من يجيد استغلال الحروب والأزمات، فهي تعمل اليوم على استغلال العدوان الإسرائيلي على غزة، وذريعة عجزها عن اقناع الكيان بوقفه لتنفيذ مخططها الجديد.. لكن الفارق اليوم أن مخططاتها ومن خلفها النيات المبيتة لم تعد تنطلي على أحد بل باتت مكشوفة بكامل أهدافها وأبعادها، لكن أميركا كما يبدو ترفض الاعتراف أو رؤية أنها باتت مكشوفة وأن تمرير مخططاتها لم يعد أمراً سهلاً.
الميناء الأميركي تحت ذرائع إنسانية، وبهدف تأسيس موطئ قدم بحري/بري، تريده أميركا أن يكون بعيداً عن الاستهداف لأنه «إنساني» كما تزعم، وأي استهداف له يجعل من المستهدف شريكاً في تجويع الفلسطينيين، وهذا أحد الأهداف الأميركية أيضاً.. هذا الميناء قد يجد طريقة للتنفيذ وللعمل، ولكنه لن يؤمّن لأميركا أهدافها ما دامت ترفض رؤية أنها تتعامل مع منطقة مختلفة ومعادلات قوة جديدة فيها، ودائماً ما زالت جميع المفاجآت والسيناريوهات قائمة، تماماً كما حدث في 7 تشرين الأول الماضي وبما قلب جميع الحسابات والمخططات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار