أفول زمن الكتابة اليدوية يتوعّد جيل بما لا يسر الخاطر.. الألواح الرقمية نعمة ونقمة واستثمارها يتطلب أكثر من قلة الاكتراث
دمشق – دينا عبد:
في عالم مملوء بالأجهزة الرقمية وتطبيقات تحويل الكلام الصوتي إلى نصوص مكتوبة، يبدو أن مرحلة الكتابة باليد تتلاشى وتختفي، لا نعطيها حقها أبداً، فهي مهارة أساسية لاغنى عنها كونها تساعد على تحسين الذاكرة وزيادة حدة الذكاء العقلي، إضافة لكونها تبطئ وتيرة الأفكار السلبية في هذه الحياة المملوءة بالتوتر والضغوط النفسية.
استشارية تربوية: الكتابة بالقلم خطوة لتمهيد المهارات النفسية والحركية
استغناء
تقول ( كناز وهي معلمة): إن الأمر أصبح مخيفاً، فالعديد من الطلاب باتوا يستغنون عن الطريقة اليدوية في الكتابة أمام تراجع المهام الكتابية وشيوع الكتابة عبر الحواسب والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، مشيرة إلى أن الكتابة بخط اليد والاعتماد على الورقة والقلم أثناء الكتابة ترسخ المعلومة في ذهن الطالب وتساعد على عملية الاسترجاع والتذكر، عدا عن ذلك فإن الكتابة عبر الحاسب لا تفيد شيئاً، ومن الممكن بكبسة زر واحدة حذف كل شيء خلال ثوانٍ.
اعتماد على الكمبيوتر
أما دارين ( موظفة) فبينت أن الدوائر الرسمية أصبحت تستغني عن القلم والأوراق، وبات اعتمادها في التدوين والتخزين وجدولة المواعيد على الأجهزة اللوحية، فمواعيد الاجتماعات عبر الواتس أب والإعلانات الخاصة في أي مؤسسة لم تعد ورقية كما كانت، وذكرت أنه بالرغم من حداثة البرامج وتطورها اللافت، إلا أنه في مكان ما لا يمكن الاستغناء عن الورقة والقلم.
عملية تفاعلية
(مريم) طالبة، لم ترق لها وسائل التكنولوجيا في الكتابة، وأشارت خلال حديثها لـ”تشرين” إلى أن القراءة والكتابة عمليتان تفاعليتان بين القارئ والمحتوى، فكلما زادت وسائل التفاعل كلما زادت القدرة على المعرفة الأكبر.
وقالت: أنا شخصياً أفضل الكتب الورقية مع قلم لتدوين الملاحظات وقلم آخر لتحديد النقاط المهمة، وعدم استخدام عادة الكتابة اليدوية أثناء الدراسة يصيب الطالب بالخمول والكسل ويصبح سريع الحفظ وكثير النسيان لعدم قدرته على تذكر المعلومة.
عجز
وأكدت أم حسن ( ولية أمر) أن ولدها في الصف الرابع يتعلق كثيراً بالأجهزة الرقمية والهواتف الذكية، لافتة إلى أنها تشعر بخيبة أمل عندما ترى أصدقاء ابنها يكتبون بخط واضح، بينما لا تتمكن من متابعة دروسه نظراً لعجزها عن فهم خطه.
كارثة كبرى
فيما رأت مدربة الأنشطة رباب ديوب أن تحفيز الطالب وتشجيعه على الكتابة بخط اليد أمر غاية في الأهمية لأنها تساعد الطالب على تحسين خطه، إضافة إلى الإلمام بقواعد اللغة العربية ووضع علامات الترقيم التي لا تتواجد في العديد من الألواح الإلكترونية وأجهزة الموبايل مع ضرورة الانتباه لجمالية الخطوط، فالكثير من الطلاب ذهبت درجاتهم في الامتحانات الأخيرة (هباءاً منثوراً) لعدم فهم المصحح ما كتب بالرغم من أن ٥٠ % من الطلاب كانت إجاباتهم صحيحة، ولكن عدم قدرة المصحح على فك الحرف جعله يضع على الإجابة علامات استفهام.
الكتابة عنصر حيوي
بدورها بينت الاستشارية التربوية ربى ناصر أن الكتابة عنصر حيوي يساعد في تنمية عدد من مواهب الإنسان ومنها التنبيه – التركيز – التذكر – الذاكرة – التنظيم – المنهجية، فالكتابة خطوة تمهيدية للتعلم ولتنمية المهارات النفسية الحركية الأساسية وتنمية القدرات المعرفية خاصة للطفل أثناء مرحلة الطفولة المبكرة، والتي من خلالها تتشكل العديد من الروابط المشتركة في الدماغ حيث تحفز الكتابة اليدوية مثلها مثل اللعب أو التعامل مع الأشياء وتساعد على تنسيق حركات العضلات وتعزيز البراعة فيها، وبالأخص عند التحكم في الحركات الدقيقة مثل تنسيق حركات الذراعين أو اليدين أو الأصابع للقيام بالحركات الصغيرة والمعقدة، وتصبح الكتابة عند إتقانها عملية تلقائية، حيث يستطيع الطفل التركيز على عمله من دون القلق بشأن كيفية تشكيل الحروف، والكتابة هي طريق ممهد للقراءة نظراً للارتباط الوثيق فيما بينهما، فلا أحد يستطيع الكتابة من دون أن يعي القراءة.
الكثير من الطلاب ذهبت درجاتهم في الامتحانات الأخيرة لعدم فهم المصحح ما كتبه الطلاب، بالرغم من أن ٥٠ % منهم كانت إجاباتهم صحيحة
وأشارت ناصر إلى أن رياض الأطفال تعتمد حالياً على نظام عملي لتقوية وتنمية مهارات من خلال الأنشطة الحركية و”المونتيسورية” التي تنفذ وتركز على عضلات الأيدي ليصبح الطفل جاهزاً وقادراً على استخدام القلم والبدء بعملية الكتابة، فالطبيبة الإيطالية ماريا مونتيسوري خصصت ركناً أطلقت عليه اسم ركن الحياة العملية وهو من صلب اختصاصها، وهدفه المباشر الاستقلال والاعتماد على الذات وتقوية عضلات الأيدي والذراعين بكل ما يحويه من أنشطة ومهارات لتحضر طفلاً جاهزاً لمسك القلم، ما يؤكد هنا أهمية الكتابة للطفل في مرحلة رياض الأطفال وكيفية التعود على آلية مسك القلم و الكتابة، لتنجح المهمة، وتصبح مسيرة حياة تبدأ بكلمة أو حرف.