يرى أن كل الأجناس الأدبية في تراجع.. الأديب علم الدين عبد اللطيف: التوازن في مقاربة الأشكال والأجناس الأدبية والكتابية هو مشروعي الثابت

حوار – ثناء عليان:

كتب في مجالات متعددة، “الرواية، والقصة القصيرة، والنقد الأدبي، والبحث التاريخي والفكري، والشعر”، تعرف إليه القارئ من خلال مقالاته التي نشرت في معظم الدوريات المحلية والعربية والصحف والمجلات ومن خلال مؤلفاته، حيث صدر له ثلاث روايات هي: “أحلام الزمن المتوسط، قمر بحر، والسور والعتبات” إضافة إلى دراسة في أساليب البناء، وكتاب (المقدس والدولة، والعصر الجديد الشعر العربي في مئة عام) بالاشتراك مع الباحث إياس حسن، كما صدر له ثلاث مجموعات شعرية وهي: “سيدة الماء، ويتقنون الحب، وبعض نزف من عذوبة”.. مع الأديب علم الدين عبد اللطيف كان لـ “تشرين” هذا اللقاء

الكتابة المشتركة
* بعد ستة إصدارات تنوعت ما بين الرواية والنقد والبحث التاريخي، أصدرت أول مجموعة شعرية لك “سيدة الماء” 2017، لماذا تأخرت بمشروعك الشعري”؟ وأين أصبح مشروعك الروائي؟
لدي أكثر من عشرة كتب صادرة، منذ سنة 1998 وحتى سنة 2024، إضافة لأربعة كتب معدة للنشر، منها روايتان بشكل مخطوط، وكتاب روايات في كتاب، وهو تلخيص وتعقيب ونقد لروايات عالمية وعربية.. الرواية هي أول اهتماماتي قبل الشعر والبحث والنقد، أعتبر أن التوازن في مقاربة الأشكال والأجناس الأدبية والكتابية عموماً، هو مشروعي الثابت. لا أقتصر على نوع أو جنس أدبي، لذلك ربما لا أعتبر نفسي شاعراً فقط أو حتى روائياً أو قاصاً، أنا أنتمى لكل هؤلاء.
*ماذا عن الكتابة المشتركة، وخاصة أن لك تجربة مع الكاتب إياس حسن من خلال كتاب “العصر الجديد.. الشعر في مئة عام”، هل ستعيد هذه التجربة؟ وما هي سلبياتها وإيجابياتها؟
الكتابة المشتركة، هي تجربة في ظني أنها نجحت، لأن الموضوع واحد ومرتبط ببعضه بيني وبين الدكتور إياس، ونحن متفقان كلياً في مسألة التقييم والموقف من الشعر والحداثة، ونحن صديقان حقيقيان في الحياة، نلتقي دوماً ونتبادل الأفكار حول كل المسائل، والمعرفة الشخصية لشريك الكتابة، والعلاقة معه، عنصر مهم ورئيس في إنجاح مشروع الكتابة المشتركة، إذ لا يمكن تصور كتابة مشتركة مع أشخاص لا نعرفهم أو لا نتواصل معهم.
* لا يزال التنافس بين الكِتاب الورقي والكِتاب الإلكتروني محطّ اهتمام المثقفين، هل استطاعَ النشر الالكتروني في رأيكَ (وأنت متابع جيد للسوشيال ميديا) أن يفوز برضا القارئ العربي؟
نعم النشر الإلكتروني في الإنترنت، هو منافس خطير للكتاب الورقي وللصحف والمجلات، ويكاد يكون خطيراً جداً على الكتاب الورقي الذي نعرفه، والسبب أن لطبيعة وآلية الكتابة الإلكترونية، فضاءً واسعاً لا حدود له، ولا حاجة للتقيد بأي إجراءات أو اشتراطات أو موافقات أو معاملات روتينية أو بيروقراطية، هذا كان له دور إيجابي في التشجيع على الكتابة والتجريب، واستكمال عمليات المران على مقاربة الكتابات الأدبية وغيرها، وإطلاق حرية الكتّاب وهواة الكتابة، وبالطبع له جانب آخر سلبي، هو اعتبار كل من يمارس الكتابة في هذا الفضاء نفسه أديباً أو كاتباً مكتملاً، فاختلط الحابل، وانعدمت المقاييس بانعدام الرقابة والتقييم، فطغى الغث على السمين كما يقولون، أما في سيل الكتابات الهائل، لا بد من وجود كتابات مهمة وجادة ومتطورة، وفق قاعدة الكم والكيف، مع الإشارة إلى وجود أساتذة حقيقيين في شتى مجالات الكتابة تعلمنا منهم ولانزال.. أيضا تعرفنا على قامات شعرية وأدبية كنا نسمع بها، صاروا أصدقاء لنا في الفضاء الأزرق نتبادل الأحاديث والآراء، ومنهم من تحول إلى صديق حقيقي، التقينا به وسعدنا بصحبته، هذا لم يكن ليتم لولا هذه الآلية المتطورة في التواصل.

صعوبات النشر
* النقد حلقة تبدو غائبة، أقصد في حلّته الأكاديمية، وما من مواكبة جيدة للنقد على الساحة الثقافية السورية، لماذا تراجعَ دور الناقد السوري؟
لا يبدو النقد لدينا في أفضل أحواله لأسباب عدة، أولها عدم وجود مؤسسات نقدية رسمية أو معتبرة في الجامعات أو مراكز الدراسات، أو جهات أدبية متخصصة بالنقد ومتابعة الكتب، وعدم وجود مجلات ودوريات متخصصة في النقد، كما نعرف في مجلة (فصول) المصرية النقدية المتخصصة، يحرر فيها كبار الكتاب الأكاديميين في الجامعات وغيرها، ولسبب آخر مهم غياب النقد أو تواضعه، سببه تغوّل واجتياح الكتابة الإلكترونية، هذه لا مجال فيها للدراسات النقدية أو البحثية نظراً لحجمها في متصفح سريع كالإنترنت، وعموماً تواضع حضور النقد يعادل تواضع حضور الإبداع، فكل الأجناس الأدبية لدينا تشهد تراجعاً ملحوظاً، في مكان وزمان أصبحت الكتابة نفسها عبئاً على الكتّاب لصعوبة النشر
والتوزيع وغلاء مواد الطباعة، ولانصراف إلى هم تأمين لقمة العيش لدى عموم الناس.

تراجع كتابة القصة

* كنَّا في التسعينيات وحتى عام 2010 تقريباً نعتبر (طرطوس) عاصمة القصة القصيرة، فمنها برزَ روَّاد ومؤسسون لهذا الفن العريق. وبوصفكَ كاتباً متنوعاً في عدة أجناس أدبية، هل تعتقد أن الخطاب الشعري قد أصبحَ سيد المشهد الثقافي في سورية وطرطوس؟

القصة القصيرة في طرطوس كانت رائدة على مستوى سورية، وخاصة أن هناك أسماء مهمة قدمت إنتاجاً قصصياً مهماً، من حيدر حيدر وعبد السلام العجيلي وسعيد حورانية وزكريا تامر، وعبد الله عبد، وجورج سالم، وحسن م يوسف، ومحمد كامل الخطيب، وأنيس إبراهيم، وعبد الحميد يونس، ومالك صقور، وبلسم محمد، وغسان ونوس، ويونس يونس، ورباب هلال، ومحمد سليمان، وغيرهم الكثير، هؤلاء كانوا فعلاً رواداً حقيقيين في إرساء قواعد كتابة القصة القصيرة في سورية، حتى لقد قال سعد الله ونوس مرة في مقال له: “سورية بلد القصة القصيرة في العالم العربي، كما هي مصر بلد الرواية العربية”، وشرح الأسباب ومؤيدات رأيه.. وكنت كتبت حول تراجع كتابة القصة القصيرة في طرطوس. هو كتراجعها في سورية عموماً، والسبب كما أرى هو.. أيضاً وأيضاً، منافسة الكتابة الإلكترونية لهذا الجنس الأدبي، القصة القصيرة من عدة صفحات، لا مكان لها في فضاء إلكتروني يعتمد التصفح السريع، إضافة إلى تراجع النشر عموماً في كل الأجناس الأدبية والثقافة كما أسلفنا القول، بسبب الصعوبات المادية، وعدم وجود مؤسسات رسمية متعددة تضطلع بمهمة النشر، هناك الهيئة العامة للكتاب واتحاد الكتاب العرب، هاتان المؤسستان قدرتهما ليست بحجم ما يقدم لهما من مشاريع كتابية كما أعرف، وأيضاً لم تتوفر للقصة القصيرة مؤسسة أو جهة رسمية أو اعتبارية، تعنى بمتابعتها وترويجها كما حصل بالنسبة للقصة القصية جداً، التي تقام لها المهرجانات في هذه الآونة، لكن القصة القصيرة هي ظاهرة أدبية أصيلة في سورية كلها، وليس في طرطوس وحسب، واعتقد أن تغير وتحول وغياب المعوقات سيكون عاملاً في عودة الحياة لهذا الجنس الأدبي بشكلٍ سريع وفعّال كما نرجو ونتمنى.

انشغال المثقف بلقمة عيشه
* هل من مشاريع أدبية أو فكرية قيد الإصدار لديك؟
نعم لدي روايتان معدتان للنشر، ومخطوط تلخيص وتعقيب لإحدى عشرة رواية عربية وعالمية، هو مشروع مهم كما أعتقد، تقديم روايات عالمية وعربية لقراء لا يعرفونها، أو فقدت من الأسواق، وهو ما يتم الاهتمام به في كثير من بلدان العالم الآن، بذلت فيه جهداً كبيراً، أبحث الآن عن دار نشر تتبناه، ولا أملك إلا الانتظار، لكن
غواية الكتابة مستمرة، هي لوثة كما يقولون لوثة جميلة، وربما مقدسة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار