مواجهة إهمال الطفل وسوء معاملته تتطلب جهود مشتركة لتوفير بيئة آمنة وداعمة له
طرطوس- ثناء عليان:
يندرج أي إيذاء أو سوء معاملة يتعرّض له طفل دون سن 18 عاماً على نحو متعمد تحت مُسمى إيذاء الطفل، ويتخذ الإيذاء أشكالاً عدة تحدث غالباً في آنٍ واحد –حسبما أكدّ الدكتور وعد علي الاختصاصي في صحة المجتمع- كالإيذاء الجسدي باستخدام القوة الجسدية المتعمدة كالضرب والركل والحرق، أو أي شكل آخر للقوة ضد الطفل، والإيذاء الجنسي، والإيذاء العاطفي من خلال السلوكيات التي تضر بقيمة الطفل الذاتية كالتحقير والترهيب والرفض، والكره، وأخيراً الإهمال ويتمثل بعدم توفير الاحتياجات الأساسية للطفل، مثل المسكن والمأكل والملبس والتعليم والرعاية الطبية.
صحة الطفل بيولوجياً وفيزيولوجياً:
وبيّن علي خلال المحاضرة التي ألقاها في ثقافي طرطوس بعنوان “صحة الطفل وتأثيرات سوء المعاملة” أشكال سوء معاملة الطفل، والتي يتعرض لها أحياناً من الأهل أو مقدمي الرعاية للطفل أو البيئة والمجتمع.
وعن صحة الطفل بيولوجياً وفيزيولوجياً أكد علي أن السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل تشكّل ما يعادل 95% من حياته اللاحقة، إذ يولد الطفل السليم مكتمل الأجهزة، ثم تتطور وتنضج هذه الأجهزة مع العمر، حيث تلعب البيئة المحيطة دوراً أساسياً في ذلك وبالأخص الأسرة، وتتشكل قدرات الطفل على الفهم والإدراك والتفاعل والتعلم وبناء العلاقات من خلال زيادة عدد المشابك العصبية للخلايا العصبية في دماغ الطفل، وأي خلل في تشكيلها بالشكل الأمثل سواء من خارج الجسم أو داخلة سيؤدي ذلك إلى اضطرابات في هذه الوظائف والقدرات، وقد يؤدي ممارسة العنف ضد الطفل منذ الصغر إلى جعل هذا السلوك اعتيادياً عند الطفل، ولاحقاً قد يؤدي إلى ممارسته وتجديد دورة العنف.
هرمون الكورتيزول:
ولفت إلى أن زيادة إفرازه الكورتيزول وهو هرمون التوتر الذي يفرزه الجسم استجابةً للإجهاد في حالات الإساءة والإهمال، تؤدي إلى تأثيرات ضارة على نمو وتطور دماغ الطفل، مثل قدرة الطفل على التعلم وتذكر المعلومات، وإعاقة النمو المعرفي، كما أنّ التعرض المزمن للكورتيزول يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تغييرات في بنية منطقة الدماغ المسؤولة عن الخوف والاستجابة للتهديد، كما قد يؤدي الى الأمراض المزمنة كالسكري والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، وخفض قدرة جهاز المناعة.
تشكّل هذه الآليات بنية تحتية لمجمل التأثيرات الصحية لسوء معاملة الطفل.
تأثيرات طويلة المدى:
وأشار علي إلى التأثيرات الصحية الجسدية لسوء معاملة الطفل مثل الإصابات والمتضمنة الكسور والكدمات والجروح، ورضوض الرأس والحروق، والتي يمكن أن تؤدي سوء المعاملة الشديدة إلى إعاقات دائمة، مثل: إصابات الدماغ والشلل، واضطرابات النوم والأكل، مثل: الأرق والكوابيس، والنهم أو القهم العُصابي، إضافة إلى مشاكل صحية مزمنة، مثل أمراض القلب والسكري والسمنة، وضعف جهاز المناعة.
كما تؤدي سوء معاملة الطفل للتأثير على عقليته وعاطفته، وهذا ينتج عنه اضطرابات القلق والاكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، مشاكل سلوكية: مثل العدوانية والانسحاب، وصعوبات التعلم والإدراك، وضعف مهارات التنظيم الذاتي العاطفي، وتدني احترام الذات.
التأثيرات السلوكية والاجتماعية فتؤدي إلى مشاكل في العلاقات الشخصية، وعدم القدرة على التعلم والتواصل الاجتماعي، وصعوبات في تكوين علاقات صحية، ومشاكل في المدرسة والعمل، وزيادة خطر السلوك الإجرامي، والتشرد، والشذوذ.
وأكد علي أن سوء معاملة الطفل لها تأثيرات طويلة المدى وقد تستمر حتى مرحلة البلوغ، وهذا يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة، واضطرابات الصحة العقلية، وصعوبات في العلاقات، ومشاكل في التوظيف، وزيادة خطر العنف وإعادة دورة العنف، والانتحار.
تحدي المواجهة:
ولفت علي إلى دور المجتمع في الوقاية والتدخل وذلك بدعم الآباء والأمهات من خلال توفير الموارد والتعليم، وتعليم الأطفال كيفية حماية أنفسهم وتعريفهم بحقوقهم، وتوفير فرص للتعليم والتوظيف، وإنشاء مجتمعات داعمة، حيث يتم الإبلاغ عن الإساءة والإهمال ومعالجتهما، وتوفير خدمات التدخل المبكر للأسر المعرضة للخطر.
وبرأي د. علي عند مواجهة الحالة يجب تجنب الاستنكار والتزام الهدوء، وعدم الاستجواب، وطمأنة الطفل، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة، ومعالجة المشاكل الصحية الجسدية، ودعم الأطفال في بناء علاقات صحية، وإبلاغ الجهات الطبية أو القانونية أو وحدة حماية الاسرة عند ورود أي حالة لسوء معاملة الطفل.
وختم علي مؤكداً أن سوء معاملة الطفل هو تحدي يواجهه مجتمعنا، ولكن من خلال الجهود المشتركة، يمكن حماية الأطفال وتوفير بيئة آمنة وداعمة تساعدهم على النمو والازدهار، داعياً للعمل من أجل ضمان أن يكون كل طفل آمناً، محبوباً، ومدعوماً، منوهاً بأن الأطفال هم المستقبل، وحمايتهم هي مسؤولية الجميع.