استثنائي في الذاكرة الشعبية.. وأسطوري في أيامه وقصصه.. «مستقرضات» شباط وآذار ما بين الواقع والخيال تنسج قصة حياة وموت
تشرين – باسمة اسماعيل:
ارتبط شهر شباط بعدد من القصص والمعتقدات الشعبية في بعض المناطق بالوطن العربي، تتشابه ببعض القصص وتبقى لكل منطقة رواية خاصة بها، ولكن اتفقوا جميعاً على وجود المستقرضات، وهي سبعة أيام باردة جداً آخر ثلاثة أيام من شباط وأول أربعة أيام من آذار، وفي السنة الكبيسة آخر أربعة أيام من شباط وأول ثلاثة أيام من آذار، استقراضها (استعار) شباط من آذار كما ذكرت في الأسطورة لينتقم من إحدى العجائز التي تكلمت بالسوء عن شباط، لأنه شهر مرعب للعجائز وكلهم يخافون أن يموتوا خلاله نتيجة البرد، وعندما انقضى فرحت تلك العجوز لنجاتها من الموت، وراحت تغني وتردد “إجى شباط وراح شباط وحطينا بضهره المخباط” سمع شباط كلامها وأراد أن يطيل أيامه ليميتها من البرد، فطلب من ابن عمه آذار “يا آذار يابن عمي أربعة منك وثلاثة مني تنخلي العجوز تولي”، استجاب آذار لطلبه وكانت عاصفة آذار الهوجاء التي قضت على العجوز.
واختلفوا بالتقويم منهم مَن اتبع التقويم الشرقي (١١-١٢-١٣ آذار تكون أيام شباط على التقويم الشرقي) وأيام (١٤-١٥-١٦-١٧) من آذار بداية آذار، بالتقويم الشرقي يتأخر شباط ١٣ يوماً عن التقويم الغربي العالمي (٢٦-٢٧-٢٨شباط)-(١-٢-٣-٤آذار).
أم منذر الثمانية أكدت أن العجائز يخافون من شباط حتى ينتهي على التقويم الشرقي، والموت ليس مرتبطاً بيوم ولا شهر ولا سنة، بل مرتبط برب العالمين وانتهاء أجل الإنسان، لكن ربط البعض كثرة موت العجائز برواية المستقرضات وأصبحت تتناقلها الأجيال.
والتسعيني إبراهيم يرى أن خوف العجائز من الموت في شهر شباط، لأنه ارتبط بالذاكرة الشعبية، وتوهموا أن الموت يكثر في هذا الشهر ونسوا أن الأعمار بيد الله. فيما ذكر آخرون من المعمرين أنهم يهابون ويخافون هذا الشهر كثيراً، وهم يخافون هذه السنة كثيراً لأنها سنة كبيسة.
وما بين الواقع الأسطورة يرى الباحث في الموروث الشعبي حيدر نعيسة أن شباط أسطوري واستثنائي باعتبار عدد أيامه ليست تامة ولا زائدة ولا ناقصة (لا ٣٠- ولا ٣١- ولا ٢٩) بل ٢٨ يوماً، ولكونه استثنائياً فهو موضع تهيب وتوجس خاصة في السنة الكبيسة، يعتبرونها سنة نحس خاصة الفلاح الشرقي، والناس يتشاءمون من كل شيء غريب.
وأضاف: هو استثنائي لتمايزه باتصاله بشهر آخر خلاف كل الشهور، هذه الأيام التي يستقرضها من آذار لها قصة لطيفة وجميلة، معروف أن شهر شباط دفان العجوز، يقارع العجزة لذلك يتخوفون ويتوجسون منه، ويهنون بعضهم بالسلامة بعد انقضاء تلك الأيام المستقرضات وهي على التقويم الشرقي.
وتابع نعيسة: منذ ذلك الوقت الغابر شباط متصل بالصواعق والزوابع والرياح، ولكيلا تفرح العجائز بنهايته كما عملت تلك العجوز عندما أثارت ثورة شباط بقولها ” إجى شباط وراح شباط وحطينا بضهره المخباط” واستجاب آذار لاستقراضه أربعة أيام عندما كان في أيامه الأخيرة من الشهر، فاضطرت العجوز لحرق الدولاب (النول) والمخباط، وما كان أحد يشعل الدولاب حتى لو لم يبقَ عنده ما يتدفأ به لأنه مصدر رزق، تغزل عليه شعر الماعز وصوف الغنم، والمخباط قطعة خشبية تدق فيه الثياب بعد غسلها بالماء لتنظيفها، أحرقتهما طلباً للدفء واتقاء البرد، قائلاً له: “يا آذار يابن عمي أربعة منك وثلاثة مني تنخلي العجوز دولابها يغني “.
وأشار نعيسة إلى أنَّ ثلاثة الأيام الأخيرة من شباط تسمى أيام العجائز أو الأرامل، وأربعة الأيام من آذار أيام المشايخ، البرد يجمِّد الدماء في العروق، والمعمرون يلومون تلك العجوز بسبب شدة البرد في هذا الشهر، ونظراً لليوم الأخير من أيام المشايخ لا عجوز له باعتبار ثلاثة بأربعة يبقى شخص واحد من دون عجوز، لذلك يحدث فيه مطر غزير، تقول الأسطورة إنه الشيخ الأرمل الذي يبكي أرملته، وتكمل الأسطورة بهذا اليوم هذا الشيخ الأرمل يهاجر متكئاً على عصاه نحو الشمال ليصل إلى بلاد (الرها) هناك يركز عصاه ويتفيأ بظلالها إيذاناً ببدء فصل الربيع، ورواية أخرى تقول هذا الشيخ الأرمل يهاجر حتى يصل إلى القرب من قمة النبي يونس بأعالي جبال اللاذقية، وهناك صخرة يقولون إنّ هذه الصخرة التي ركز الشيخ عصاه فيها.
ولفت إلى أنه ورد الكثير من الوصف لشباط في التراث الشعبي، على سبيل المثال لا الحصر ” شباط ما على كلامه رباط” باعتبار أنه متقلب المناخ، تسطع الشمس فيه وتغيب، ويهب النسيم ثم يتحول لرياح، ” شمس شباط بتعلم على البلاط ” – “شباط فيه روائح الصيف” ، ” حلف شباط وطلق ما بيخلي غسيل على الحبل معلق ” دلالة على أن الرياح تشتد فيه كثيراً ، ويقولون ” خبي قرماتك الكبار ما بين شباط و آذار” فيه أيام شديدة وصعبة في نهايته، وأيضاً واضح باسمه الشدة من جهة حروف ( ش-ب-ط) هو فعل سرياني شبط يعني ضرب ، جلد، وفي بعض القرى تحمل هذا الاسم مثل الشبطلية في اللاذقية، وقرية بشبطة وقرية شباط في طرطوس.
وأضاف نعيسة: ما يتعرض له الإنسان يتعرض له الحيوان في هذا الشهر، ففي يوم ١٤ شباط شرقي يوم تزدوج الطيور فيه، تكون تعيش بأسراب وفي هذا اليوم تعيش بازدواج ثنائي ثنائي بدل أن تعيش بأسراب وتبحث عن الأغصان لتعشش فيها، ومن الأمثال أيضاً ” شباط ببيض الدجاج على البلاط “يكثر فيه البيض، ويقولون “شباط يولد الماعز على البلاط” تكثر فيه مواليد الماعز، وهناك طرفة جميلة بالأمثال على لسان إحدى العجائز “شمس شباط لكناتي، وشمس آذار لبناتي، وشمس نيسان لشيباتي”.
وبيّن الباحث أنّ شباط في الصورة الشعبية رجل جهم، جزار، عبوس، يمسك ساطوراً يحاول أن يذبح ويهجم على البقر والحيوان، ويضرب بسكينه ويلسع ببرده، وكان الناس يسترضون هذا الشهر بالتلطف بذكره وباتقاء شره، وبالعموم هذا الشهر استثنائي ومفارق في الخيال والذاكرة الشعبية والواقع، تكثر فيه الأقاويل كثيراً، لذلك يحتل مساحة واسعة من حكايات الأجداد والجدات في سهرات هذا الشهر خاصة أيام زمان.