في عسل ثالوثه الإبداعي: “الحنين والحب والوطن”.. الشاعر حسام غانم: الثقافة تعطي قيمة للنص وكلما كان الكاتب قارئاً.. جاءت نصوصه غنية
حوار: هويدا محمد مصطفى:
يمتدُّ الشعر ويسكبُ منه الشاعر هندسة اللغة الشعرية المعبّرة.. يقف على مشارف الإبداع، ويجمع المعاني المتعددة وما تحمله النصوص من رموزٍ حسية.. تعتمد قصيدة الشاعر حسام غانم على تكثيف الصورة الشعرية ذات الدلالات الموحية ولغة التأمل في فلسفة الوجود، لينقلنا من حالة إلى أخرى، لنجد قصيدته تغوص بأسئلة الأمكنة بتقنية تفيض معها مخيلته عبر تجربته الشعرية وأسلوبه الحداثي.. صدر للشاعر ست مجموعات شعرية: ” حقائب الياسمين، مشاكسة، عنب، وليمة لنوارس البحر، بنصف اشتعال، بنت الريح”، وللحديث عن هذه التجربة كان لـ”تشرين” معه هذا الحوار.
صفيح القلب
* القصيدة تقدمك أم إنك تقدم نفسك من خلال تجربتك الشعرية؟
لاشك في أن القصيدة هي صفيح القلب الساخن التي تثور لثورتنا وتنكسر لانكسارنا وتتمرد على يأسنا وتشاكس هدوءنا لذلك تأتي لتصوغنا في عوالمها صياغة أنيقة تحاكي كل ما نرجوه من الغوص في بحر الأدب الذاخر الذي نرمي بها شباكنا لنخرج بصيد ثمين يليق بأرواحنا وقلوبنا الهائمة والباحثة عن ذاتها.. فما نفع القصيدة إن لم تكتبتنا وما نفع الكاتب إذا لم يكتب ذاته في القصيدة كما يريد وكما إلهامه يحط رحاله ويريد..
ما نفع القصيدة إن لم تكتبنا وما نفع الكاتب إذا لم يكتب ذاته في القصيدة كما يريد
تجب ما قبلها
* تكتب قصيدة النثر.. لماذا اخترت هذا النمط الشعري وهل تجد صعوبة في كتابة القصيدة العمودية؟
غالباً ما يكون النتاج الأدبي ابن العصر الذي هو فيه والأدب العربي كغيره من الآداب العالمية مرّ بمراحل تطور عديدة من زمن قصائد المعلقات إلى الشعر الأندلسي وشعر الاغتراب إلى الشعر الحديث وصولاً لقصيدة النثر التي أتت لتختصر كل ما قبلها بحداثية جميلة وأكثر حرية في التعبير من دون التقيد بالقوالب المسبقة، وهذا النمط الشعري بدأ في القرن العشرين على يد مجموعة كبيرة من الشعراء وضعوا مساره وكانوا ملهمين لمن أتى من بعدهم كبدر شاكر السياب ونازك الملائكة إلى نزار قباني ومحمود درويش وغيرهم من الأسماء اللامعة في تاريخ الشعر العربي، ونحن وردنا من القديم والحديث في الشعر العربي وكانت البدايات مع القصيدة العمودية وتطورت لتأخذ مسار قصيدة النثر التي أعتبرها النافذة الأجمل للوصول إلى قطاف المشاعر والأفكار من دون التقيد بأي قالب أو قيود والشعر هو الشعر كيفما أتى المهم أن يصل بنا إلى حيث ما نريد منه أن يصل.
*ماذا تحدثنا عن مشاركة مجموعاتك الشعرية بمعارض الكتب، وماذا حققت من ذلك ؟
قصيدة النثر أتت لتختصر كل ما قبلها بحداثية جميلة وأكثر حرية في التعبير من دون التقيد بالقوالب المسبقة
صدرت لي ست مجموعات شعرية حتى هذا التاريخ وهي” “حقائب الياسمين صدرت في دمشق ٢٠١٦ ومشاكسة في القاهرة ٢٠٢٠ وكذلك عنب في القاهرة ٢٠٢٠ ومجموعة وليمة لنوارس البحر في السويداء ٢٠٢١ ومجموعة بنصف اشتعال في دمشق ٢٠٢٢ ومجموعة بنت الريح في استكهولم السويد ٢٠٢٣.. ولاشك أن تعدد أماكن النشر والمشاركة في المعارض الدولية العربية منها والأجنبية قد أتاح لي الفرصة للتعرف إلى قرّاء جدد وانتشار أوسع.. فمن المهم للكاتب أن تظهر كتاباته وتوزع بشكل جيد ليثبت وجوده ويصل إلى أكبر عدد من القراء بالإضافة للنشر في المجلات والجرائد الدورية طبعاً.. وهاجسي دائماً يبقى القارئ الجيد قبل أي مكسب آخر.. فالنص الجيد يستحق الوصول لأكبر قدر من القراء وهذا هو مكسب الكاتب ووسام التقدير لديه..
شواغل القصيدة
* الشعر رسالة وقضية ماذا تتناول قصائدك ولمن تكتب؟
في القصيدة كما الألوان والخطوط ترسم الرسام، كذلك الكلمات والصور ترسم الشاعر.. لكن لمن نكتب وعمن نكتب هو بيت القصيد.. وبالنسبة لي ارتكزت في مجمل كتاباتي على ثالوث أعتبره مقدساً لدي وهو الحنين والحب والوطن، وهذا الثالوث يحضر في كل ما أكتب من دون أن يستأذنني بذلك، وقصائدي في المرأة تختصر ذلك، ففي وجه الحبيبة أجد مرآتي التي أكتشف بها ملامح حنيني وغربتي وانفعالات حبي وشغفي في تفاصيل وطن أرسمه أحلى رغم مرور سنوات الغربة في أمل بالغد ليكون أجمل الأوطان.
دافع الاغتراب
* يقولون وراء كل شاعر معاناة ما رأيك بذلك؟
بكل تأكيد وكما قال الأقدمون الألم يولّد الإبداع، والشعر الجميل لابدّ أن يأتي من إحساس جميل وربما المعاناة الكبرى التي يعيشها الكاتب هي اغترابه الداخلي قبل أن يكون اغتراباً عن وطن، وكيف إذا ما اجتمع الاثنان معاً..
لكن الكاتب يحاول أن يلامس الحلم المقرون بالحرمان والبعد لينتج عن ذلك نصوصاً تختزل الإحساس الكبير بداخله على شكل قصائد تستسيغها القلوب لأنها كتبت بحبر القلب المقدسة..
الكاتب يحاول أن يلامس الحلم المقرون بالحرمان والبعد لينتج نصوصاً تختزل الإحساس الكبير بداخله على شكل قصائد
* القصيدة أنثى هكذا أسميتها في مجموعة (بنت الريح) ماذا تحكي لنا عن هذه المجموعة؟
في عيني أرى الأنثى كل قصيدة كتبت منذ أن عرف الإنسان أول أبجديات التاريخ وهي تصلح لأن تكتب في كل زمان ومكان مادامت الأنثى نصفنا الجميل الذي نتباهى بجماله ورقته وإحساسه ومادمنا نقدم له قرابين الحب على شكل قصائد.. فالأنثى من دونها لا يشيد حبّ ولا وطن ولا قصيدة لذلك تجدينها أجمل تعبير تحملها أحلامنا وهمومنا ونظرتنا للأشياء كما نحب ونشاء.. ففي إحدى قصائدي بمجموعة (بنت الريح) أقول:
“تقول يا ابن الوقت
أنا ابنة الرّيح..
كل العواصف تخفق في دمي
كل الحروف تولد وتترمد على فمي
والتعب ينام على صدري كي يستريح..
كل وجوه القمر تشبهني
كل حالات البحر ترسمني
والنور دون هالتي ليس كالنور
والليل دون ضحكاتي
طويلٌ جداً.. وجداً قبيح..
أقولُ أنا العطفُ
وحرف العطف يداي
أعطفكِ على صدايَ
أُكومكِ على صدري في تصبيحي وممساي
كما يتكوم الغريب على وسادة التباريح..
* نشهد ازدحاماً أدبياً في كل المجالات وخصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما رأيك بذلك وماذا قدمت لك مواقع التواصل الاجتماعي؟
على النقد التفريق بين نهج وطريقة الكاتب قبل أن ينتقد من دون أن يصطف إلى جانب من دون آخر
لاشك في أن ثورة التكنولوجيا وما قدمته لنا تقنية النت ووسائل التواصل الاجتماعي من بوابات مشرّعة عبر العالم لا حدود لها كانت لها نتائج كبيرة على الأدب والكتابة وبذات الوقت دخلنا في فوضى عارمة من الكتابات بمختلف المستويات من مجرد خاطرة إلى قصائد ونصوص غاية من الروعة، أي أن الكتابة أضحت أسهل وبمتناول الجميع وبذات الوقت أصبح التنافس أكبر بين ما هو جيد وما هو رديء من حيث القيمة الأدبية وما أكثر المتسلقين على الأدب في ظل هذه الفوضى الكبيرة، لكن في المقابل يبقى القارئ هو الحكم الذي لا يجامل من حيث التقييم بين الجودة أو ضعف، أما ما قدمت لي فبرأيي كثيراً من الانتشار والتفاعل مع القارئ بشكل يومي ما كان ليتحقق من دونها وخاصة في حالة كوننا في بلاد الاغتراب..
الشاعر المثقف
* ما دور الثقافة في النص الشعري؟
الثقافة تعطى القيمة للنص كما يعطي البعد الثالث الشكل الرائع للبناء وكلما كان الكاتب قارئاً جيداً ، كانت نصوصه وأفكاره غنية وجيدة لذلك ثقافتنا ترسم شخصيتنا التي بها نتفرد عن غيرنا وبصمتنا التي تترك أثرها في ذاكرة المتلقي..
* هل النقد أخذ طريقه الصحيح في جعل قصيدة الحداثة أكثر وجوداً لدى المتلقي؟
**-إن النقد الحقيقي يرتقي بالقصيدة وبطريقة الكاتب في الكتابة أيضا إذا ما كان نقداً بنّاء، لكن في الحداثة أنت أمام جمهورين؛ جمهور يتمسك بما هو قديم وله كل الاحترام وجمهور مع الحداثة وهو جزء منها وهذا هو الجمهور الذي نعتمد عليه، والنقد يجب عليه التفريق بين نهج وطريقة الكاتب قبل أن ينتقد من دون أن يصطف إلى جانب دون آخر..