يسبب خسائر ضريبية بمليارات الليرات.. اقتصاد الظل عملاق لا نراه يحتاج التبني ليعمل في العلن!

تشرين- باسم المحمد:

حزمةٌ من الإصلاحات الضريبية الإيجابية برزت في السنوات الأخيرة، قابلتها جملةٌ من الملاحظات ذات صلة بقصور ضريبي في حالات أخرى، هذه الإصلاحات لم ترتقِ إلى مستوى التحدي الاقتصادي الاجتماعي، بل ازدادت وتنوعت حالات التهرب الضريبي وارتفعت تكلفة التحصيل الضريبي وتباينت حالات الاجتهاد في كثير من قضايا الضرائب.

لا توجد أرقام رسمية له تترواح نسبته ما بين 65 و85%

ولعل اقتصاد الظل المستشري في بنيتنا الإنتاجية والخدمية، أحد أهم العثرات في طريق الإصلاح الضريبي، والذي حتى الآن تتنوع الأرقام في نسبته، فهناك من يقول إنها 60 %، وآخر 65%، وغيرهما يؤكد أنها تفوق الـ85 %.

نيات بلا تنفيذ

دائماً ما ظهرت نيات ومحاولات وجهود مستمرة لتنظيم اقتصاد الظل، مع الاعتراف بعدم إمكانية إنهاء أنشطة هذا الاقتصاد إنهاءً تاماً، فمثل هذه الأنشطة موجودة بنسب متفاوتة في جميع دول العالم، وأنشطة اقتصاد الظل موجودة على نوعين؛ الأول: أنشطة شرعية بطبيعتها، ويمكن أن ترخص إلا أنها تعمل من دون ترخيص، مثل ورشات الخياطة في البيت أو في القبو، أما النوع الثاني: فيتضمن الأنشطة الممنوعة قانوناً ولا يمكن ترخيصها، وتسمى (الاقتصاد الأسود)، لذلك فهي تعمل بالسر، مثل أنشطة الإتجار بالممنوعات أو طباعة العملة المزورة أو التهريب وغيرها، وبالتالي فإن هذه الأنشطة السوداء ممنوعة وتلاحق قانونياً، ولا يمكن أن تفرض عليها الضرائب.

شرعنته ستؤدي إلى تخفيض أسعار منتجات الاقتصاد الرسمي الذي يتطلى خلف شعار الجودة

بالنسبة لأنشطة النوع الأول “الشرعية بطبيعتها”، فغالباً ما تنظم بحقها الضبوط لعدم الترخيص، لكن يمكن أن تكلّف ضريبياً، وقد يصدر بحقها قرار إغلاق، باعتبار أن هذه الحالة تخضع لمزاجية الجهة الرقابية أو لقناعات وجدّية أو عدم جدّية تطبيق التشريعات النافذة لدى الجهات الإدارية المسؤولة عن المنطقة، في ظل غياب الحملات والخطط والبرامج على نطاق واسع وشامل لتنظيم اقتصاد الظل، بل على العكس فإن مثل هذه الأنشطة ازدادت عدة أضعاف بالمقارنة بما كانت عليه قبل الحرب، وذلك بسبب الفوضى الإدارية والتراخي الرقابي، بحجة ظروف الحرب على سورية، إلا أن تنظيم وترخيص وشرعنة اقتصاد الظل يعدّ ضرورة ملحة.

عقبة أمام الربط الإلكتروني

من العقبات التي تواجه عملية الربط الالكتروني لتحقيق أهم المبادئ الضريبية المتمثلة في العدالة، هي إظهار أرباح الفعاليات بشكل واضح، وأرباح بعض الفعاليات غير المعروفة للجهات المالية كالتي تعمل في اقتصاد الظل مثلاً غير واضحة، لذلك فإن إظهار المطارح الضريبية لهذه الفئات وغيرها هو حرص على تحقيق العدالة الضريبية.

لا بد من التنظيم

ضمن الظروف الحالية فإن تشجيع المشاريع الصغيرة أصبح غاية مُلحة في كل تفصيل من تفاصيل العمل، شريطة أن يوجه بشكل صحيح ومدروس، حتى لا نتسبب بإشكاليات مستقبلاً، وبدلاً من أن نعمل تحت ضغط الواقع المعيشي، والتضخم، وما نتج عنهما من علامات مشوهة كاقتصاد الظل الذي أنتجته الظروف الاقتصادية الخانقة، وما لحق بها من حالة بطالة متفشية، ولا تندرج تحت المظلة الرسمية، ما يجعلها غير خاضعة للمراقبة والقوانين، وتالياً فالمشاركون فيها غير ممتثلين للقوانين، فما الذي يمنع دمج التخصص مع الرغبة في العمل تحت إشراف ومراقبة حقيقية، ولاسيما أنه لا ينقصنا المختصون في هذا المجال لنُنشئ منافساً حقيقياً لمصانع كبرى اعتادت على فرض منتجاتها بأسعار باهظة تحت ذريعة الجودة.

قوانين العمل

قبل الحرب على سورية كان يسهم في ٦٠% من الناتج المحلي الإجمالي، وحالياً يقدره الاختصاصيون ما بين 75 إلى ٨٥ %، وأصحاب هذا النشاط مدانون وملاحقون قانوناً لأنهم يعملون من دون ترخيص، لذلك فهم لا يساهمون في رفد خزينة الدولة بجزء من عائداتهم، فلا يدفعون رسوم ترخيص أو بلديات أو تأمينات اجتماعية أو ضرائب مالية، ورسوم ضرائب رواتب وأجور، أو رسوم سجل تجاري أو انتساب لنقابات وغرف تجارة وصناعة وزراعة وسياحة .

مع الإشارة في هذا السياق إلى أن اقتصاد الظل “النظيف” موجود في كل دول العالم حتى المتقدمة منها، ولكن تختلف نسبة نشاطه من دولة إلى أخرى، وهذا طبعاً مرتبط بطبيعة القوانين الخاصة بالعمل والمتاجرة ومدى مرونتها أو تعقيدها, فكلما كانت الشروط مرنة وسهلة، تراجعت حدة هذا النشاط، والعكس صحيح.

دور ضروري

على أرض الواقع ساهم اقتصاد الظل “النظيف” في بناء معظم الاقتصادات الناشئة التي تحقق حالياً معدلات نمو مرتفعة ولافتة، مثل رواندا في أفريقيا، ميانمار وبنغلادش في آسيا, وكذلك الأمر في نمور آسيا التي صعدت في ثمانينيات القرن الماضي، معتمدة على السماح بالعمل والإنتاج بشروط مرنة بعيدة عن التعقيد كسنغافورة وماليزيا وتايوان، وهناك أيضاً الهند وتطور اقتصادها اللافت للنظر، أما الصين فقد بدأت منذ ستينيات القرن الماضي بالعمل من دون تنظيم وشروط، وكانت عشرات آلاف الورش تنتج تحت أعين الحكومة ولكن من دون تعقيدات وشروط، وبعد أن أصبحت عملاق التطور الصناعي عالمياً، اتجهت نحو التنظيم والاشتراط إلّا منذ 2010.

لا بد من شرعنته

اقتصاد الظل (الشرعي) أو النظيف، حلّ من المفيد شرعنته على الأقل لعدد محدود من السنوات، لكون الاقتصاد السوري ومنذ عام 2019 بدأ يعاني وبشكل كبير من آثار الحرب على سورية وما رافقها من عقوبات غربية أحادية، أدت إلى تراجع الإنتاج وتراجعت الحركة التجارية، وبدأ التضخم المالي بالظهور وصار ارتفاع الأسعار، هو الشغل الشاغل للمستهلك السوري، ومع البطء الموجود في تعديل التشريعات الاقتصادية، وضعف تطويرها بما يتناسب مع الحال المتردي، تعملق اقتصاد الظل، ولكن أصحابه معرضون للملاحقة وهذا يعدّ خسارة، للاقتصاد الوطني بشكل عام، وللإيرادات الضريبية بشكل خاص.

مقترحات

تعافي الاقتصاد الرسمي “المتعب”، يحتاج تغييراً جذرياً في بنية القوانين والتشريعات، وقد يحتاج ذلك وقتاً يمتد لسنوات، لذلك من الضروري في هذه المرحلة رعاية أنشطة اقتصاد الظل لرفع معدلات النمو، وسد النقص في احتياجات المستهلكين.

علماً أن هذا النوع من النشاط الاقتصادي صار واقعاً موجوداً، ولكنه بسبب طبيعته ملاحق ولا يمكنه العمل بالحرية اللازمة، وبالتالي فإنّ “قوننته” اليوم، ريثما يتعافى الاقتصاد الرسمي، ولاسيما أنه مفيد في ظل الأزمة الاقتصادية.

سلمان: تسهيل عمله بما يضمن انسياب السلع والخدمات إلى السوق ويساهم في رفد خزينة الدولة ومكافحة التهرب الضريبي الذي يبلغ تريليونات الليرات السورية

وفي هذا الإطار يرى أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين، الدكتور حيان سلمان، ضرورة التوجه لتنظيم عمل القطاع الاقتصادي (غير الرسمي أو اقتصاد الظل) الذي يشكل الآن أكثر من النسبة الأكبر من قيمة الاقتصاد الوطني ولكن تحت إشراف الحكومة، وتسهيل عمله بما يضمن انسياب السلع والخدمات إلى السوق ويساهم في رفد خزينة الدولة من خلال تسديد المستحقات المترتبة عليه ومكافحة التهرب الضريبي الذي يبلغ تريليونات الليرات السورية، وكمثال على ذلك إلغاء ربط السجل التجاري بعدد العمال المسجلين في التأمينات الاجتماعية، بل البحث في زيادة الإعفاءات الضريبية مقابل عدد العمال المسجلين.

ويقترح الدكتور سلمان أيضاً، العمل على تحديد ضابط إيقاع بين كل الجهات والمؤسسات والوزارات والفعاليات التي لها علاقة بالشأن الاقتصادي، وتطبيق بعض الإجراءات المؤقتة مثل (دعه ينتج، دعه يسوق، ودعه يعمل، دعه يمر – التنسيق بين السياسات النقدية والمالية والاستثمارية والتجارة الخارجية)، للوصول إلى (المزيج النقدي الأمثل)، وعلى أن تسير هذه السياسات في اتجاه واحد مع المحافظة على خصوصية كل منها.

وختم سلمان بأنه يمكن إصدار تشريع يعفي (كل من يعمل، ويريد أن يعمل بالظل “الشرعي”)، من الملاحقة والاشتراط والتجريم، ومساعدة الشباب الذين يشكلون غالبية المجتمع السوري على إيجاد فرص عمل، بعيداً عن بعض الشروط الإدارية والمالية التي قد تكون مرهقة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار