استغلال منمّق بحجة “اكتساب خبرة”.. أرباب العمل يفضلون الأعمار الصغيرة لتحقيق وفورات واستثمار طاقات الشباب
تشرين– إلهام عثمان:
عندما تعلن مؤسسة ما عن وظيفة شاغرة وتتهافت السير الذاتية للراغبين في العمل لديها, ويكون ذلك ضمن شروط ومعايير مدرجة ومحدده مسبقاً وبانتقاء من أرباب العمل, سواء من خلال العمل في شركة أو مكتب أو ربما مهنة ما, ويعد ذلك بالأمر الطبيعي والشائع.. لكن ما قد يلفت النظر وبدهشة, هو تلك الأنواع من الإعلانات المبهمة عن العمل لمن لا يمتلكون الخبرة والعمر دون سن الثلاثين أو ربما 25 عاماً, وقد يكون الفخ “الرواتب المغرية” إن لم نقل إن هناك نسبة أرباح أيضاً, هنا بالذات لا بد أن نطيل النظر حيث يتبادر لأذهاننا جملة من الأسئلة التي لا تعد ولا تحصى, والتي تدور حولها مئات إشارات الاستفهام, وعلى رأسها: “ما طبيعة ذاك العمل الذي لا يتطلب خبرة، وهل هو فخ من أصحاب العمل، وما المقابل وربما الأكثر جمالاً وانفتاحاً ووسامة هو أو هي من يحظى بتلك الوظيفة الملغومة؟!
الخبرة يقابلها المردود الأقل
(أبو وليد) صاحب ورشة خياطة يوضح لـ”تشرين” أنه عند لإعلان للعمل في ورشته كان ذلك نتيجة لنقص الأيدي العاملة, كما يوضح أنه يفضل الأعمار الأصغر من الشبان والشابات، وخاصة الذين لا يمتلكون خبرة في العمل وبالتالي أجوراً أقل, ويعود السبب في تفضيل العمر الأصغر” لقدرة الشباب ذوي الأعمار الصغيرة أي ما بين 15-25 على “التقاط المهنة بشكل أسرع, ولو برواتب أقل نتيجة عدم توفر الخبرة اللازمة, ويضيف: صحيح أن الذكور يستطيعون الالتزام بالعمل ساعات إضافية أطول في حال وجود طلبات مستعجلة, ورغم أن رواتبهم أعلى نسبياً من الإناث وخاصة في مهنة الخياطة, وقدرتهم على تحملهم ضغط العمل, التي لا تستطيع أغلب الإناث الالتزام بها نتيجة القيود الاجتماعية, إلا أن معظم الورشات تفضل عمل الإناث أكثر والمبرر حسب رأيه ” أنهن أكثر التزاماً في العمل اليومي –لا يتذمرن كالشباب- ولا يطالبن بزيادة الرواتب كل فترة قصيرة”, ويوضح هنا أنه في حال عدم توفر الخبرة تكون الأجور أقل وهذا طبيعي جداً.. لكن بالمقابل العامل هنا يكتسب الخبرة “المصلحة”, ما يجعل الشباب “إناثاً وذكوراً” يتفانون بالعمل والرضا بالراتب الأقل ريثما يمتلكون الخبرة وكل حسب ذكائه واجتهاده, أما في حال امتلاك الخبرة فالعامل هو الذي يفرض شروطه إن كان يناسبه الأجر الشهري أو الأسبوعي أم لا, وهنا بالذات تكون الكرة في ملعب العامل لا ربّ العمل.
أكثر استيعاباً
من جهته أكد (وسيم.ط ) صاحب أحد المشروعات المكتبية الصغيرة في حديثه لـ”تشرين” أنه يرغب في توظيف الشبان ذوي الأعمار الصغيرة, لإعطائهم فرص عمل تشجيعية لكونها شحيحة بسبب عدم الخبرة, فالعمر الأصغر وفق رؤيته يكون أكثر استيعاباً للمعلومات, وأكثر ليونة في التعامل مع الزبائن إن تطلب الأمر، وأكثر قدرة على تحمل ضغط العمل وتقبل النقد في حال الخطأ هذا من جهة أخرى, ويضيف: “أن تكون الموظفة جميلة هو أحد الشروط الخجولة ” التي يعلن عنها البعض, مبرراً الجمال بأنه مطلوب في عملنا المكتبي, ووسيلة لجذب الزبائن ربما.
عواد: مخاوف من التوجه للأعمار الصغيرة التي قد تقيد فرص العمل للأشخاص الأكبر سناً وبالتالي تقلل من قيمة الخبرة والتجربة المهنية
مضايقات
أما (ر.ميخائيل) فتاة جامعية تعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي منذ 6 أشهر, تقول: صحيح أن راتبي متدن وهو ما يقارب 400 ألف ليرة, وفعلياً لا يتناسب مع المجهود والوقت, إلا أنني أسعى إلى تطوير ذاتي في العمل, وأنا راضية مبدئياً ريثما أجد الفرصة الأنسب التي تحاكي اختصاصي العملي, مشيرة إلى أنها عملت سابقاً في المجال التجاري في إحدى الشركات, التي لم تطلب خبرة منها, إلا أنها تعرضت لمضايقات من صاحب الشركة, ما جعلها تضحي بعملها رغم أنها كانت في ذروة الحاجة إليه، لا سيما أن راتبها كان جيداً آنذاك 600 ألف ليرة.
ووفقاً لرأي الخبير الاقتصادي محمد عواد في حديثه لـ”تشرين”، فإنه يعزو التفضيل والإصرار في ظاهرة طلب موظفين بلا خبرة وأعمار دون 30, في بعض الوظائف والمهن إلى عدة أسباب، قد تكون سلبية بالنسبة للموظف أو العامل إلا أنها إيجابية للطرف المستفيد, وتكمن الاستفادة بالنسبة لأرباب العمل بـ ” التوفير في دفع الأجور حيث تكون أقل للموظفين الجدد, والحجة عدم توفر الخبرة اللازمة- إمكانية تكيفهم بسهولة مع بيئة العمل- التكنولوجيا الحديثة بحاجة لخريجين اختصاصيين جدد لا يمتلكون الفرصة والخبرة، لكن يمتلكون الرغبة الملحة, ولزيادة الخبرة وصقل معلوماتهم الجامعية لابد من تنفيذها على أرض الواقع, من خلال العمل ولو بأجور أقل, بيد أن هذا الأمر يعد مفيداً من وجهة نظر “مالية الشركة أو صاحب العمل”.
طبيعة العمل
أكد عواد أن طبيعة العمل هي ما يحدد بشكل عام, فالمجهود العضلي والمجهود الذهني غير متساويين من حيث الطاقة, على سبيل المثال، في بعض الوظائف التي تتطلب مجهوداً عضلياً أكبر مثل أعمال البناء، قد يكون من المعقول تفضيل اختيار الأشخاص الأصغر سناً الذين لديهم القوة الجسدية الأكبر, مع إمكانية التكيف مع الظروف البيئية بشكل أفضل.
العلي: من الذكاء اختيار مرشح دون خبرة سابقة في الوظيفة المعلن عنها
حيوية الشباب
يمكن أن يكون استغلال حيوية الشباب واندفاعهم هو النقطة الأبرز في انتقاء العمر الأقل وعدم توفر الخبرة، حسب رأي عواد, ويكون ذلك من خلال تحريض “إثبات الذات” في المهنة أو الشركة التي تعد نقطة جذب ليس لأرباب العمل فقط وإنما للموظفين الشباب, إضافة إلى أن الاستفادة من الطاقات الشابة الإبداعية والمهنية والحرفية قد تكون هدفاً بحد ذاتها, لكن في الوقت نفسه نجد أن ذلك استغلال من نوع منمق تحت حجة “اكتساب خبرة”.
نقص الدافع
من جهتها أكدت الخبيرة مرام العلي اختصاصية في علم الاجتماع, أنه من وجهة نظر بعض أصحاب الشركات يعد من الذكاء اختيار مرشح من دون خبرة سابقة في الوظيفة المعلن عنها, والسبب أن هؤلاء “ينقصهم الدافع” لأداء عملهم على أكمل وجه, لكونه استهلك بشكل ملحّ في أعمالهم السابقة لإثبات كفاءتهم.. وتضيف العلي: إن الموظفين الجدد يبذلون جهداً فائقاً في أعمالهم، ويحرصون على تعلم جميع تفاصيل عملهم ومتطلباته، وهو ما يرجع جزئياً إلى الرغبة في نيل إعجاب وتقدير الآخرين, وخاصة أصحاب العمل، لكن تعود لتؤكد أن الخوف من الفشل الذي ينطوي على قدر من المجازفة، يجعل أعباء الوظيفة الجديدة تحاصر الشباب نوعاً ما, وهنا تبرز المشكلة، ما يؤدي إلى الارتباك في العمل, بيد أن هذه النتيجة ليست أمراً مفروضاً إذا تم التعامل مع الشباب وتوجيههم ومساعدتهم على السير قدماً في “الاتجاه الصحيح” من الغير.
العلي: أصحاب الخبرات المتراكمة نتيجة الاستهلاك الوظيفي ينقصهم الدافع
الكفاءة والقدرات
يوضح عواد أنه فعلياً هناك مخاوف من التوجه للأعمار الصغيرة, التي قد تقيد فرص العمل للأشخاص الأكبر سناً, وبالتالي تقلل من قيمة الخبرة والتجربة المهنية, فالتركيز على العمر دون 30 عاماً قد يمنع الأفراد الأكبر سناً من الحصول على فرصهم رغم إمكانياتهم وخبراتهم المتراكمة, ويضيف: يجب أن يكون التوظيف مبنياً على الكفاءة والقدرات, بغضّ النظر عن العمر, ويجب تفعيل سياسات شاملة تحترم جميع الفئات العمرية, من خلال توفير فرص متساوية للجميع من خلال تحفيز الموظفين الجدد, من دون النظر إلى السن فقط لضمان التنوع وازدهار المجتمع والاقتصاد ككل.
التحدي الرئيسي
“التوازن المثالي” هو الهدف الموحد الذي يجب أن تركز عليه كل من الشركات والمهن والمؤسسات والمجتمع الاقتصادي ككل، وفق رأي عواد, من خلال توفير بيئة للعمل, والسعي إلى صقل طاقات ومواهب الشباب الجديدة من جهة, والاحتفاظ بالتنوع والخبرة لتحقيق نجاح مستدام مبني على تجارب وخبرات لم تأت من فراغ من جهة أخرى.
وختم عواد بأنه على الصعيدين الأخلاقي والقانوني لابد من تقدير القدرات المادية والبدنية للأشخاص, من دون التمييز بين الجنسين أو بناء على العمر فقط, كما وجب توفير بيئة عمل آمنة وملائمة للجميع, فيكون الإنصاف هو سيد الأخلاق المهنية في التوظيف وتكون بذلك الفرص المتاحة أمام الجميع ومن دون تمييز