عامان على الحرب.. أوكرانيا تتحول كابوساً للأطلسي وجردة حساب مفتوحة على سؤال مصيري: كيف أطلقنا يد روسيا عالمياً؟
تشرين – هبا علي أحمد:
عامان مرّا على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ولا تزال ضفتا الأطلسي في انتظار تحقيق «انتصار» ما على روسيا أن تقدمه لها أوكرانيا باعتبارها «كبش التضحية» على طبق من ذهب، أما كييف بنظامها فلتذهب بعدها إلى الجحيم مادامت أزاحت روسيا عن خريطة المتغيرات العالمية والتوازنات السياسية والاقتصادية، هذا ما أراده الغرب المنتظر على الأبواب والمضحي بحفنة أسلحة انتهت صلاحيتها في بلاده ولا بد من تصديرها، لكن حسابات الحقل لم تتطابق مع البيدر، بل على العكس تماماً فالغرب رغم استمراره في دعم نظام فلوديمير زيلنيسكي، إلّا أنه سئم الأخير الذي لم يحقق أي نتيجة، في حين قطفت روسيا النتائج إلى الآن بضم أربع مقاطعات «لوغانسك دونتيسك زاباروجيا وخيرسون»، مع تحرير العديد من المناطق الاستراتيجية مثل باخموت التي استمرت معركتها لأشهر طويلة، ومؤخراً أفدييفكا.. ومع دخول الأزمة الأوكرانية عامها الثالث فإن خسائر الاقتصاد العالمي في ازدياد وأول من تضرر الغرب الذي يشهد أزمة احتجاجات المزارعين على خلفيات عدة وأبرزها تداعيات الأزمة الأوكرانية.
الغرب مستعد لإمداد كييف بالأسلحة، ولكنه ليس مستعداً لجعلها جزءاً من «الأطلسي».. وزيلينسكي الواهم بالنصر لا يزال ينتظر والواضح أنه سيبقى على بوابة الانتظار
– بين الانتخابات
وباعتبار أن الغرب المحرك الأبرز للأزمة في أوكرانيا التي رمى من خلالها إلى تطويق نفوذ روسيا ومحاصرتها بحلف«ناتو»، إلّا أن الواضح أن روسيا تواصل مدّ نفوذها وهي من يقوض أحلام الأطلسي، ورغم أن معادلات الربح والخسارة لم تكتب نتيجتها بعد، ولكن معطيات الواقع تتحدث عن ثبات روسيا في حين أن أوكرانيا أصابها الخلل والتصدع، ناهيك بأنها تعيش على استجداء التسليح الغربي، الخلل الأوكراني كان واضحاً منذ بداية الانضواء تحت معسكر الغرب زاد عليه تأجيل زيلنيسكي للانتخابات الرئاسية بذريعة أن «الوقت ليس ملائماً» – كان من المفترض أن تجري راهناً بالتزامن من الانتخابات الرئاسية في روسيا، و هذا بخلاف رغبة الغرب ولاسيما الولايات المتحدة المصرة على الانتخابات، إذ تحدث محللون عن سبب خوف زيلينسكي من الانتخابات، وإصرار الغرب عليها كثيراً « إن الولايات المتحدة تحتاج هذه الانتخابات لوضع علامة (تَمّ) في المربع. وستجرى الانتخابات في أوكرانيا وروسيا في الوقت نفسه. وهنا سيروجون للموقف التالي: على العكس من روسيا، أوكرانيا دولة ديمقراطية، تجري انتخابات مع بديل فيها. أما في روسيا فهناك استبداد. بينما في أوكرانيا، وعلى الرغم من الأحكام العرفية، تنتصر القيم الديمقراطية». وتابع المحللون:«لكن زيلينسكي يخشى أن يخسر في هذه اللعبة. في الولايات المتحدة الأمريكية، سوف يأتون بمعارض ما للرئيس الأوكراني الحالي، وإذا به يفوز. ففي نهاية المطاف، زيلينسكي حاكم وليس زعيماً. إنها مسألة بقاء. ولذلك سيقاتل من أجل إلغاء الانتخابات أو تأجيلها».
في حين أن روسيا تمارس حياتها الطبيعية رغم أنه لا يمكن نكران تأثير العقوبات عليها، إلّا أنها لم تحُل دون ثبات روسيا وممارسة سيادتها، إذ انطلق اليوم الأحد التصويت المبكر في الانتخابات الرئاسية الروسية في المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها والواقعة في منطقة الشرق الأقصى، في كامتشاتكا، تشوكوتكا المجاورة، إقليم خاباروفسك، ياكوتيا، ماغادان وإقليم آمور.
وقرر مجلس الفدرالية الروسي عقد الانتخابات الرئاسية في 17 آذار القادم، كما قررت لجنة الانتخابات المركزية أن يستمر التصويت ثلاثة أيام أي في 15 و16 و17 آذار، لتصبح هذه أول انتخابات رئاسية في روسيا تستمر ثلاثة أيام.
– وعود في الهواء
لا يملك الغرب إلّا تقديم الوعود، ولا يملك زيلينسكي إلّا أوهام النصر، إذا وصل أمس إلى كييف رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ونظيراها الكندي جاستن ترودو والبلجيكي ألكسندر دي كرو ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين لإظهار «التضامن معها» بهدف التأكيد على التزام الغرب بمساعدتها في الوقت الذي تعاني فيه من نقص كبير في الإمدادات العسكرية، في حين أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ عن يقينه بأن مستقبل أوكرانيا، يكمن في التكتل الدفاعي الغربي، وطمأن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته كييف بشأن دعم بلاده المستمر لها، وأعلنت بريطانيا عن حزمة عسكرية جديدة بقيمة 245 مليون جنيه إسترليني 31 مليون دولار «للمساعدة في تعزيز إنتاج ذخائر مدفعية تشتد الحاجة إليها» لأوكرانيا.. واللافت أن الغرب مستعد لإمداد كييف بالأسلحة ولكنه ليس مستعداً لجعلها جزءاً من حلف شمال الأطلسي، وعلى ما يبدو أن زيلينسكي الواهم بالنصر يغض الطرف عن هذه الحقيقة المرّة كما يغض الطرف عن قبول السويد وفنلندا في عضوية الحلف، في حين أن بلاده لا تزال تنتظر والواضح أنها ستبقى على بوابة الانتظار، ناهيك بأن الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي يعرقلون مساعدات لأوكرانيا وعد بها الرئيس الأمريكي جو بايدن بقيمة 61 مليار دولار، ما يلقي بظلال ممتدة على آمال كييف في صد الجيش الروسي الأكبر حجماً والأفضل تجهيزاً.
مع دخول الأزمة الأوكرانية عامها الثالث تتضاعف خسائر الاقتصاد العالمي، وأول من تضرر الغرب الذي يشهد أزمة احتجاجات المزارعين على خلفيات عدة وأبرزها أوكرانيا
– انقسام عالمي
ويرى مراقبون أنه بعد عامين من الأزمة في أوكرانيا أصبحنا أقرب بشكل كبير إلى انقسام عالمي ثنائي القطب يذكرنا بالحرب الباردة مقارنة بما كنا عليه قبل عامين، مؤكدين أن الأزمة كشفت الضعف المتزايد للكتلة الغربية، فيما لا تزال أوروبا تعاني من أحلام وأوهام ما بعد الحرب الباردة، كما تسلط الضوء على القومية والشعبوية والاستقطاب في الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، ولفتوا إلى أن روسيا بعد ثلاث سنوات تمتلك اليد العليا في ساحة المعركة وإذا استطاعت النجاح في أوكرانيا، فهذا يعني أنها تتجه قدماً لاستعادة مجال نفوذها السابق، وتقويض حلف شمال الأطلسي.
– سلاح العقوبات المتجدد
أيضاً لا يملك الغرب و واشنطن إلّا سلاح العقوبات على روسيا ما يؤشر إلى أن النتائج العسكرية والسياسية التي ينتظرها الغرب لن تتحقق، وبالتالي فإن العقوبات هي الوسيلة الوحيدة ليقول بها الغرب إننا حققنا شيئاً ما، لكن الصحف الغرب تُفند الرواية، فبعد أن فرضت وزارات الخزانة والتجارة والخارجية الأمريكية يوم الجمعة الماضي عقوبات واسعة النطاق على روسيا، استبعدت صحيفة «واشنطن بوست» أن يكون لحزمة العقوبات الأمريكية الجديدة على روسيا أي تأثير سلبي كبير في اقتصادها، مشيرة إلى أن أحد أسباب ذلك يتجلى في المرونة التي تظهرها روسيا في وجه العقوبات، وأنه من المتوقع هذا العام أن ينمو الاقتصاد الروسي بوتيرة أسرع من نظيره في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، ونقلت عن نيكولاس مولدر، خبير العقوبات في جامعة كورنيل، أن الغرب لم يعد يتمتع بقوة اقتصادية حاسمة.
في السياق، أكد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف أن عقوبات الغرب الجديدة ليست فقط ضد السلطات والشركات الروسية، وإنما ضد جميع سكان روسيا «وعلينا الانتقام في كل مكان وحيثما أمكن ذلك» قائلاً: يجب خلق صعوبات لهم في الاقتصاد، وإثارة استياء الجمهور هناك من السياسات غير الكفوءة التي تنتهجها سلطات الغرب، وتطوير وتعزيز الحلول الدولية التي تؤثر في مصالح العالم الغربي. افعلوا ذلك باستمرار وبشكل منهجي وعلني قدر الإمكان.
الولايات المتحدة حققت مكاسب من خسارة حلفائها الأوروبيين اقتصادياً من الأزمة الأوكرانية عبر تعزيز فرض نفوذها عليهم باستخدام الطاقة كأداة ضغط ضاعفت تبعيتهم لها
– مكاسب أمريكية على حساب الحلفاء
منذ الأشهر الأولى للأزمة دخل الاقتصاد العالمي برمته في حال من عدم اليقين، إذ ارتفعت أسعار الطاقة والسلع، ما أدى إلى تفاقم التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الاستثمارات مع تراجع الإنتاج الصناعي إلى جانب أزمة الحبوب، وبالتالي حسابات الربح والخسارة لم تقتصر على روسيا وأوكرانيا بل طالت العالم برمته، واللافت أن الولايات المتحدة حققت مكاسب من خسارة حلفائها الأوروبيين، إذ أشارت تقارير إعلامية إلى أنه في تلك الحرب التي طال أمدها برزت الولايات المتحدة كلاعب أساسي، باستغلال إمكاناتها من الطاقة ورفع صادراتها من الغاز المسال بشكل خاص إلى أوروبا، وتعزيز فرض نفوذها على القارة العجوز عبر استخدام الطاقة كأداة للضغط وبالتالي زيادة التبعية الأوروبية لها، خاصة بعد أن طاردت روسيا بالعقوبات، التي وصفت بأنها الأكبر في التاريخ، إذ تراجعت صادرات روسيا إلى أوروبا بنسبة 68 في المئة عام 2023 إلى 84.9 مليار دولار، وفق ما أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية نقلاً عن هيئة الجمارك، التي ذكرت أن الصادرات إلى آسيا التي حلّت مكان أوروبا كأهم سوق للطاقة الروسية ارتفعت بنسبة 5.6 في المئة إلى 306.6 مليارات دولار.
ويؤكد خبراء في الاقتصاد أن الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من الحرب في أوكرانيا، خاصة بعد انقطاع الغاز الروسي عن الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى القرار الأوروبي بالاستغناء عن الطاقة الروسية من نفط وغاز، بعد أن كان الاتحاد الأوروبي أكبر سوق للغاز الطبيعي الروسي حتى أوائل عام 2022.
على النقيض من ذلك، يرى خبراء أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من الحرب في أوكرانيا، فدعمها للحرب في غزة جعل الانتباه يتحول عن أوكرانيا، وأصبحت روسيا طليقة في الحرب، وبذلك خسرت الولايات المتحدة، كما أن واشنطن تخسر أموالها بدعمها أوكرانيا من دون أي فائدة اقتصادية.