“لا شيء في أوانه”.. محمد عيسى: هذه حكايتي في الشعر مع الحياة

تشرين- لمى بدران:

” أَطلَقوا عليه الرّصاص،
ثمّ أيقظوه،
فوجد نفسه قد مات..”
هذه الكلمات ليست شعراً ولا نثراً ولا شعاراً، بل حلماً بالمعنى الحقيقي للحلم، إنها الكلمات التي نطقتها بصوتها أنثى جميلة جدّاً جاءت في منام الشاعر محمد عيسى قبل أن يبدأ كتابة الشّعر، وكان في المنام يتسلّق جبلاً ويصل إلى رأسه ليطلّ على مساحة هائلة وإطلالة ساحرة.. يأتي بعدها صوت تلك الأنثى وتنطق ما نطقته، فيستيقظ ويوقظ معه شبح الشعّر الذي لم يكن يجرؤ على كتابته إطلاقاً، وكان يشعر بالخجل من أن يقرأ شعره أمام الآخرين.
“وطنكم صيدٌ ثمين،
وطني زرٌّ مقطوع
أشدُّ عليه
قبضتي”
تعلّم محمد عيسى الكثير من مدرسة الحياة وفي ديوانه الأخير الصادر بطبعته الثانية سنة ٢٠٢٢ بعنوان: “لا شيء في أوانه” والذي كتبه بفترة الحرب السورية، تبرز عنده العديد من المهارات المتعلّقة بفهم معاني الحياة وترجمتها إلى حالات شعريّة يتناول بمعظمها ما يخص حياتنا المعيشية، ويجيد نسج المقطوعات السّاخرة التابعة للأدب السّاخر والذي يُعدّ من أصعب أنواع الأدب، وهو الذي لا يحبّ القصائد التهويميّة، أو الأدب الذي لا يعني قضايا الناس…
“أيَا عودَ الخيزران!
منذ البعيدِ البعيدِ لم تهوِ على كفّي
وأنا ما زلت لا أحفظ الدّرس.”
لا تخلو كتابات الشاعر عيسى من روح التهكّم إلّا أنها لا تخلو في الوقت ذاته من الابتسامة، فلا يستطيع أحدٌ أن يخرج من نصّه دون أن يبتسم، وهو يعطينا نصّاً بسيطاً واضحاً مدهشاً في تفاصيله دقيقاً في تصويره فمثلاً يقول في ديوانه المذكور:
“ما زلت أتذكّرُ…
يوم نشِفَ ريقُ قلمي
وأنا أكتبُ اسمكِ
لأوّل مرّة!”
إن أغلب الشعراء يتناولون الأساطير والمورث ورموزه كما هي، ويوظّفونها فنيّاً في نصوصهم الشعريّة ببنية تقليدية منسوخة لا يتم تجاوز معانيها، بينما الأديب محمد يعيد إنتاجها من جديد وبفكرة أخرى وباتجاه آخر وبذلك يكون ممن يحررون الأقوال المأثورة من سطوة “الأسر”.. فالنسخ لا يعجبه أبداً، ويرى أننا محكومون بكميّة هائلة من القيم التي أصبحت بالنسبة لنا مقدّسة لا تجب إعادة التفكير فيها وربما قد تكون موروثات خاطئة، ومما كتب في هذه الفكرة الكثير من النصوص التي قام من خلالها بمناكفة الأقوال التي استقرت في الذاكرة الجمعية، وأمسى من الصعوبة زحزحتها..
“بندقية وسبعة رجالٍ،
في اليوم التالي
بندقية فقط

بندقية وخمسُ نساء
في اليوم التالي
بندقية فقط

بندقية وثلاثة أطفال،
في اليوم التالي
بندقية فقط

بندقية وسبعُ تفاحاتٍ،
في اليوم التالي
بندقية وسبعُ تفاحات

البندقيةُ
لا تأكلُ التفاح..”
مباشرة يدور في أذهان الأشخاص الذين يقابلون محمد عيسى سؤالاً منطقياً وموضوعياً، يستدعيه الدور الذي يعيشه هذا الكاتب في المجتمع بين كونه شاعراً من جهة وصاحب دار نشر من جهة أخرى، أي إنه شاعر وناشر وهذه تجربة تبدو مشوّقة في تفاصيلها، إلّا أنّها تبدو فقط لكن في الواقع يرى الكاتب محمد أنه لا يمكن لدور النشر أن تنافس الدولة بمشروعها الثّقافي لكون دور النشر همّها ربحي وتجاري، والهم الثّقافي بالنسبة له هو فردي، لذلك يقول بكل جرأة وصراحة ما قد لا يجرؤ أي صاحب دار نشر على قوله بأنّه غير مقتنع تماماً بكل ما تنشره الدار وربما هذا من منطلق أن ما يصدر عن الدّار لا يتعلّق بمعتقدات وآراء الناشر بل بأصحابها فقط.
إذاً… محمد عيسى تجربة شعرية عميقة بدأت بحلم وتدفّقت بتفرّد وهي جارية بعلامة فارقة في المشهد الشعري السوري، ولا يزال يعزفُ منفرداً بنصوص وقصائد لا تشبه سوى محمد عيسى..
وربما مما تقدم كان الباعث لأصحاب برنامج “عزف منفرد” الذي يقيمه الصالون الثقافي الفكري في المركز الثقافي بالمزة لأن يكون الشاعر محمد عيسى ضيفه المختلف في حوار مفتوح شارك فيه ثلةٌ من الأدباء والمثقفين في أحدث نشاط له..
محمد عيسى، الذي عاش فترة طويلة من الزمن الصّعب الذي جعله يقول: “إنّنا لا نستطيع أن نفهم إلّا إذا خسرنا العمر، أصبح اليوم في سجله الشعري العديد من المجموعات الشعرية نذكر منها: “شيء ما”، “مائدة البراري”، “رتوش ما بعد العاصفة”، وكان أصدر مجموعة (الأعمال الشعرية) منذ سنتين تقريباً..
ونحتم مع محمد عيسى:
“أيتها الحبيبة!
لا أنتِ تصدقين ما أقول،
ولا أنا أصدّق ما تقولين؛
إنه..
مُجرّد حبٍّ”

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار