مع اقتراب شهر رمضان بدأنا نسمع الإعلانات والحملات المعهودة عن ضرورة توفير السلع بأسعار مقبولة، وتوجّه الفعاليات الاقتصادية إلى إطلاق مهرجانات ومعارض، مع دعوة المؤسسات المعنية إلى التشدد في تنظيم الأسواق ومحاسبة المخالفين، وهذه الخطوات جيدة عموماً عند القدرة على تحقيق هذه الأهداف المهمة، التي لم نشاهد أياً من نتائجها خلال السنوات الفائتة، سواء خلال أيام شهر رمضان الكريم أو في الأيام العادية، فكيف والأسواق تغلي والغلاء يكسر الضهور في ظل قدرة شرائية ضعيفة لا تمكّن العائلات من عيش الطقوس الرمضانية في حدودها الدُنيا.
واقع الأسواق الفوضوية والظرف الاقتصادي والمعيشي الصعب، يفرض التفكير في تقديم مساعدة فعلية إلى العائلات، وتمكينها من تأمين احتياجات شهر رمضان الكريم بأسعار منطقية بعيداً عن الكليشهات المُعتادة، وخاصة أنّ النسبة العُظمى من المواطنين لا تستفيد من العروض المُقدمة إنْ صحت تسميتها بـ”العروض”، فتخفيض بعض قروش لن يغير في الحال المعيشي الصعب، الذي يتوقع أن يشهد تأزيماً من جراء استغلال بعض التجار المُعتاد شهر “الرحمة” من أجل تحقيق أرباح أكبر من دون حسيب أو رقيب، فهل ستقدر الرقابة التموينية هنا على اتخاذ تدابير تحمي المستهلك، وتمنعهم من ارتكاب المخالفات والتجاوزات في حقه؟
وفي العموم أعتقد أننا لن نشهد أي تبدلاً أو تغيراً في حال الأسواق والمواطن، لطالما أجره الشهري لا يكفي لأيام عدة، وطالما مؤشر أسعار السلع يتصاعد بلا توقف سيبقى التأزيم المعيشي سيد الموقف في ظل خلل واضح في معادلة الأجور الشهرية، وتكاليف المعيشة المرهقة.
تمكين العائلات من عيش بعض طقوس شهر رمضان الكريم بلا اتباع سياسة تقشف شديدة وشد الأحزمة على البطون، يوجب إطلاق مبادرات نوعية سواء أكانت حكومية أو خاصة أو من المجتمع المحلي، تضمن مد يد المعونة المادية أو العينية إلى الأسر الأشد احتياجاً وما أكثرها، وذلك بغية تخفيف التكاليف المعيشية قدر الإمكان، ومن دون أن يمنع ذلك إقامة المهرجات والمعارض التي تبيع السلع بأسعار أقل، مع مساعدة جهات أكثر فاعلية وامتلاكاً لأدوات الرقابة التموينية في ضبط السوق، وتشديد العقوبات على المخالفين، ومنعهم من رفع أسعار البضائع، واستغلال حاجة المواطنين في هذا الشهر، الذي يفترض تعاون وتكاتف جميع الجهات من باب المسؤولية الاجتماعية، التي تشكل أحد السبل للخروج من المأزق الاقتصادي والمعيشي عند تفعليها وتوظيفها بشكل صحيح، أما سماع السيناريوهات المعهودة قبل بداية الشهر الفضيل لن تسهم إلا في توسيع ثروات التجار المخالفين على حساب المواطن ولقمة عيشه.