العدوان على أبواب ختام شهر خامس والسؤال نفسه لا يزال قائماً حول احتواء توسع جبهة غزة إقليمياً.. كيف تجهّز واشنطن الكيان الإسرائيلي لاحتمالات حرب متعددة الجبهات؟
تشرين – مها سلطان:
يكاد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يختتم شهر الخامس، ومع ذلك لا يزال السؤال نفسه قائماً حول ما إذا كانت جبهة غزة ستتوسع خارج الحدود، علماً أنها توسعت وتتوسع منذ الأيام الأولى ما بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي.. أما مرد استمرار هذا السؤال فيعود إلى أنه متعلق أساساً بهذا التوسع، وليس بجبهة غزة فعلياً، ومتعلق أيضاً بمحاولات احتواء التوسع إقليمياً حتى لا يتحول من وضعية التوسع غير المعلن، أي غير الرسمي، إلى وضعية المعلن بصورة رسمية، بمعنى أن يكون معلناً من دولة أو دول في الإقليم، وليس من مجموعات وفصائل، ومادام كذلك فهو يتيح دائماً إمكانية الاحتواء، وفي الوقت نفسه يتيح إمكانية فرض الضغوط وممارسة الابتزاز لتحقيق أعلى مكاسب، ليس على جبهة غزة فقط، بل على مستوى المنطقة «والإقليم»، حيث لا تزال عملية التحول شرقاً تمضي قدماً رغم كل الجهود الأميركية الهائلة في سبيل وقف هذه العملية.
سؤال التوسع متعلق أساساً بالإقليم حتى لا يتحول من وضعية التوسع غير الرسمي إلى وضعية توسع رسمي من دولة أو دول في المنطقة وليس من مجموعات وفصائل
من هنا، ربما يبدو مفهوماً أن يكون جزء من الضغوط الأميركية متركزاً على الكيان الإسرائيلي، فهو فعلياً من يُهدد ويُصعّد على الأرض، وهو من يَجد له مصلحة في توسع جبهة غزة، أو لنقل إنه في الوضع الأكثر حرجاً، لناحية هزيمته المحققة، ولمنع هذه الهزيمة لا بد من التصعيد إقليمياً، إذا لم يكن بالإمكان منع الهزيمة على جبهة غزة.
لماذا رفح؟
ورغم أن أميركا، والغرب عموماً، وفي كل يوم تقريباً، لا يتوقفون عن تحذير الكيان الإسرائيلي من هذا التصعيد، ومن المخاطرة أكثر بخسارة الموقف الدولي و(الأميركي)، الذي يتعزز لمصلحة الشعب الفلسطيني و(حلّ الدولتين) إلا أن الكيان لا يتوقف، وهو يستعد لمدّ عدوانه إلى رفح، ضارباً عرض الحائط بكل التحذيرات الإنسانية و(الدولية) من أن العدوان على رفح سيحولها إلى «مقبرة جماعية» إلى جانب التداعيات الإقليمية المحتملة.
صحيفة «الاندبندنت» البريطانية (ومن باب النصيحة للكيان وليس من باب التضامن مع الشعب الفلسطيني) وسّعت التحذيرات للكيان من أن «الحرب الشاملة لن تجعله أكثر أمناً» وتقول: «إن النتيجة الوحيدة في حال الهجوم على رفح ستكون بالتأكيد خسارة أخرى غير متناسبة في الأرواح، لكن لها أيضاً عواقب أخرى لن يكون أي منها في مصلحة الكيان، لذلك يجب ألا يستمر في الهجوم». وتضيف: إن التهديدات المتواصلة التي يطلقها متزعمو الكيان لا تفيد. وتتابع: إن الهجوم على رفح يعني «نشر قاذفات القنابل والمدفعية والدبابات والجرافات وقوات المشاة في مواجهة أكبر مخيم للاجئين في العالم يبلغ تعداده حوالي مليون ونصف مليون إنسان».
هل إطلاق سراح الرهائن يعني إلغاء الهجوم على رفح؟ وهل سيتبع ذلك وقف إطلاق النار.. أم إنه بعد استعادة الرهائن ستستمر الحرب في كل مكان وكيف سيجعل ذلك «إسرائيل» أكثر أمناً؟
وإذ تحذر «الاندبندنت» من هذا الهجوم، فهذا فقط لأنه يشوه صورة الكيان باتجاهات أكثر خزياً على المستوى الدولي، خصوصاً أن الكيان يواجه اليوم محاكمة دولية تدمغه كمجرم حرب، شاء الكيان أم أبى، ومعه داعمه الأميركي.
والأهم هو تساؤلات الصحيفة البريطانية عن أهداف الكيان من وراء توسيع الحرب، وتقول: هل يعني إطلاق سراح الرهائن إلغاء الهجوم على رفح؟ وهل يعني أيضاً أن ذلك سيتبعه وقف إطلاق النار بصورة دائمة، أم إنه بعد استعادة الرهائن ستستمر الحرب في كل مكان بما في ذلك رفح؟.. ثم كيف ستجعل الحرب على نطاق واسع «إسرائيل» أكثر أمناً؟
الخلل القاتل
وترى الصحيفة البريطانية أن هذه المسألة هي الخلل القاتل في الاستراتيجية الإسرائيلية، وفق تعبير الصحيفة التي تعدّها استراتيجية لـ«تنفير الأصدقاء القدامى وإيجاد أعداء جدد»، وتشير في هذا الإطار إلى اتساع الضغوط الأميركية – البريطانية على الكيان، مع تعزز الحديث دولياً عن الاعتراف بدولة فلسطينية وفق مسار حل الدولتين.
وتنصح الصحيفة الكيان بوقف القتال «مهما كانت تسمية هذا التوقف» أو أن يجد «طريقة أفضل لمواصلة الحرب»؟!.
يأتي هذا في وقت تستعد فيه الإدارة الأميركية لكل الاحتمالات، بما فيها توسع الحرب. وحسب وسائل إعلام إسرائيلية فإن إدارة بايدن بصدد إقرار مساعدات بقيمة 14 مليار دولار للكيان الإسرائيلي، تم تجهيزها بهدف «حرب متعددة الجبهات» وليس غزة فقط .. وهذه المساعدات هي جزء من مشروع قانون مساعدات خارجية أميركية بقيمة 95 مليار دولار، كلها مخصصة للحروب، خصوصاً لأوكرانيا. وحسب الإعلام الإسرائيلي فإن إدارة بايدن تريد التأكد من أن لدى الكيان كل الوسائل اللازمة لمنع أو مواجهة أي تصعيد، وللتأكد أيضاً من قدرة الكيان على مواجهة حرب متعددة الجبهات.
ماكغورك في القاهرة
وبناء على هذه الوقائع، تتواصل زيارات المسؤولين الأميركيين و(الأوروبيين) إلى الكيان الإسرائيلي والمنطقة، وتتكثف في هذه المرحلة، حيث تبدو أميركا كأنها في سباق مع الزمن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل بداية شهر رمضان، على اعتبار أن هذا الشهر سيكون كارثياً على الكيان لناحية تصاعد عمليات المقاومة.
لكن المسألة الأساس هنا هي مسألة تبادل الرهائن والأسرى التي تعرقل مسار وقف إطلاق النار، بسبب تعنت الكيان ورفضه ما يتطلبه هذا المسار من استحقاقات إنسانية (بالدرجة الأولى) لكي يمضي قدماً.
– ماكغورك في القاهرة بعد زيارة قصيرة جداً إلى الكيان وحديث حول «هندسة» صيغة جديدة لمسار التفاوض قبل العودة إلى مفاوضات باريس في اجتماع جديد مقرر غداً الجمعة
على هذه الأرضية، وصل اليوم، لمدة قصيرة جداً، إلى الكيان، بريت ماكغورك، كبير مستشاري البيت الأبيض، قبل أن يتوجه إلى القاهرة، لينضم إلى جهود وليم بيرنز مدير الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في عملية «تطوير صيغة منطقية وقابلة للإنجاز» لاتفاق تبادل الأسرى والرهائن ضمن اتفاق وقف إطلاق النار.
«هندسة» جديدة لمفاوضات باريس
وحسب مصادر مطلعة فإن جهود ماكغورك وبيرنز تتركز على «هندسة» نسخة جديدة من «مفاوضات باريس» التي انطلقت الشهر الماضي، وتوقفت على فشل، ووفق صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية هناك ما سمته «تفاؤلاً حذراً بالعودة إلى مفاوضات صفقة التبادل في وقت استؤنفت فيه الخطوات الإجرائية للعودة إلى مشاورات باريس».
وعليه تم فتح مسار باريس مجدداً حيث سيلتقي الوسطاء في فرنسا غداً الجمعة.
من هنا يكتسب لقاء القاهرة أهميته على اعتبار أنه قد يخرج بما يعزز احتمالات التوصل إلى اتفاق- من نوع ما- في لقاء باريس.