«الهوية والانتماء» في ندوة فكرية.. المفكر هاني: الحرب على سورية كانت بسبب الهوية ومحافظتها على السياسة الاجتماعية
تشرين- هبا علي أحمد:
أقامت وزارة الثقافة ندوة فكرية بعنوان “الهوية والانتماء” بمشاركة المفكر المغربي إدريس هاني والدكتورة سناء شامي مسؤولة التعاون الدولي في جمعية البندقية- الصداقة الإيطالية العربية، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية ظهر اليوم.
وخلال الندوة، قال المفكر هاني: الحرب على سورية كانت بسبب الهوية ومحافظتها على السياسة الاجتماعية وبسبب فلسطين، فسورية شكّلت رافعة في النضال ضد كل الذي كان يستهدف المنطقة عموماً وفلسطين على نحو خاص.
وتابع: تحية عروبية وإنسانية وتحررية إلى سورية الصامدة التي مثلت آخر قلاع التحرر الوطني للذين كانوا يعتقدون أنه بإمكانهم “إسقاطها” لكن تأكد لهم بالبرهان أن سورية لا تسقط لأنها أكبر من أن تكون مجرد كيان وطني، فهي الوطن الثاني للإنسانية بتعبير رئيس مكتب اللوفر.
ولفت هاني إلى أن كيان الاحتلال الصهيوني يعمد إلى التزييف، ونحن قد لا نملك أسلحة توازي أسلحته لكننا نملك قوة حضارية وعراقة وهوية، فالهوية بصمة لا يمكن محوها وهي مسألة إرادة ووعي ووجود، ولم يبقَ لدينا سوى الهوية كقاعدة صلبة نستطيع من خلالها إعادة إنتاج الموقف الصلب، وكانت أكبر خدعة ما يسمونه بالقيم الكونية، لا خلاف في القضايا المرتبطة بالإنسان، كالحرية والعدالة والكرامة والصدق، ولكن المشكلة في انتظام القيم نسق ومنظومة القيم، فالقيم لا تذهب منفردة بل هي نسق فلكل جيل هناك منظومة قيم تتميز بقيمة القيم أو المحدد الأسمى للقيم والذي هو في ثقافتنا العربية الكرامة.
وأوضح هاني، اليوم يصنعون هوية كونية مزيفة باستخدام الحرية وفي الوقت ذاته يسعون إلى تفتيت الهوية باسم الحرية، منوهاً في السياق إلى أنّ التكنولوجيا الحديثة هي تهديد للهويات، وتحاول إعادة تشكيل الإنسان.
وقال: الغرب يخلق لنا مشكلة فهو يريد منا أن نكون حداثيين برسم الهامش نكمل حداثتهم أي مجال للتجريب ولـ”تصريف النفايات”، يريد أن نكون هويات ولكن برسم ما سمّاه الكاتب اللبناني أمين معلوف بالهويات القاتلة، أو ما سماه داريوش شايغان بأوهام الهوية، مشيراً إلى أن الهوية يمكن أن تكون وهماً عندما تصبح الهويات الصغيرة قاتلة.
ولفت المفكر المغربي إلى أن الحرب على غزة كشفت أن الغرب أكبر مجرم في تاريخ البشرية، كما قال غارودي، واكتشفنا مَن هم الأنثويون الحقيقيون ومن هم الأنثويون الخادعون، موجهاً التحية إلى الشعب الفلسطيني الصامد المقاوم المظلوم.
وبيّن هاني أنه عندما تكون النفس ممتلئة والعقل ممتلأ بصور والخيال، والخيال مهم جداً في المقاومة، فنحن نستطيع أن نقاوم التاريخ المزيف بأسطورة نضمّن فيها قيماً ومحتوى.
الشامي: الهوية إرادة ووعي وهما مَن يصنعان الفرق
من جهتها، تحدثت مسؤولة التعاون الدولي في جمعية البندقية- الصداقة الإيطالية العربية، الدكتورة سناء الشامي عن أن غياب الهوية الوطنية يخلق مشاكل، فالهوية إرادة ووعي وهما من يصنعان الفرق.
كما تحدثت الشامي عن الهوية السياسية الأوروبية كما وردت في محاضرة للسياسي والمفكر ماسيمو كاتشاري تحت عنوان “الوحدة في الاختلاف” أكد فيها كاتشاري أنّ أوروبا لم تعرف في تاريخها معرفة منفصلة عن قوة النفوذ والعنف والمعرفة كغاية تبقى صالحة كنظرية فقط، كما أن الحرية لدى أوروبا مرتبطة بالتصنيع، وأن أوروبا قائمة على الفكر المتعطش للقوة العقلية الخالصة.
وقالت الشامي: الغرب يريد حرية “تقتل” الله بالنفس البشرية وتستبدله بإيهام الإنسان بأنه “الإله” الذي يستطيع أن يصنع ما يريد من خلال فقط التركيز على القدرة الخارقة على العقل والعقلانية الواقعية، وليس هناك من داعي لروابط أسرية أو قيم مجتمعية تربط المسؤولية بمفهوم الحرية التي قرر الغرب أن يفرضها على جميع البشرية معلناً نفسه الرسول المكلف بهذه المهمة، متجاهلاً بأنه لا وجود للمطلق.
وتابعت: الاستراتيجيات السياسية الغربية المعتمدة على العنف ليس فقط استراتيجيات بل نهج وجود له جذوره التاريخية، فمنطق الحدود يتناقض مع الوجود التاريخي الأوروبي، وفكرة الحدود غير مقبولة بالنسبة لأوروبا التي اخترقت جميع الحدود الجغرافية والإنسانية ووصلت إلى ما بعد الحدود والمحيطات، لذلك نرى دولة كبريطانيا حدودها ممتدة ما بعد المحيطات، و”إسرائيل” تنبع “أهميتها” من كونها الممثل الشرعي للفكر الصهيوني الإمبريالي الذي لا حدود له وحدوده الوحيدة هي اللاحدود.
وأشارت الشامي إلى أن أوروبا بدعمها “إسرائيل” تدعم وجودها المعتمد على اقتحام حدود الآخرين ليس فقط السياسية الاقتصادية والاجتماعية والصحية، بل وصل بها الأمر إلى تفكيك البعد الشخصي للحياة حتى في داخلها، والسعي لإزالة الحدود الطبيعية بين الذكر و الأنثى وبين الإنسان والحيوان، حتى الخصوصية أصبحت عائقاً لا بد من إزالته من أجل إنقاذ أوروبا من موتها السريري ومحاولة استعادة مجدها الاستعماري الغابر، موضحةً أنّ الدين أيضاً بالنسبة إلى أوروبا لم يعد ضرورياً أو بمعنى آخر هناك عودة لدين جديد هو الوثنية، والتي بدأت تنتشر بقوة في أوروبا، فالفرق بين الحد والعائق قد سقط وبالتالي بدأت الهوية بالانزلاق والتدهور.
مشوح: أوروبا تحولت من قيادة الفكر العالمي إلى قيادة التبعية العالمية
بدورها، قالت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح: عندما نتشبث بهويتنا، ونكرّس محدداتها وندرس مهدداتها، هذا لأنه نستشعر بعض الخطر عليها، وليس لأننا نريد الانغلاق على أنفسنا، بل على العكس، فالسوريون كغيرهم هم آخر مَن يحب الانغلاق في تاريخ الحضارة البشرية.
وأضافت الدكتورة مشوح: ليس في أوروبا فلاسفة اليوم ولا قادة رأي، إذ ذهب عهد رواد الفكر الثوري الإنساني، وبدأ عصر التبعية المطلقة لأمريكا، لافتة إلى أنه المشكلة ليست فقط بالأنجلوسكسون، بل بالتبعية السياسية المطلقة لساسة أوروبا الذين رهنوا أنفسهم للآخر وأصبحوا عبيداً له والعبد، وأخضعوا شعوبهم وأطّروها، وبالتالي تحولت أوروبا اليوم من قيادة الفكر العالمي إلى قيادة التبعية العالمية.
أدار الندوة الدكتور غزوان رمضان من مكتب الإعداد في القيادة المركزية لحزب البعث المرافق الذي أشار إلى أن الهوية وجود والانتماء مسؤولية، وتخلل الندوة مداخلات حول الموضوع، كما حضرها مغنية الأوبرا البولندية دومينيك زامارا، ضمن وفد جمعية البندقية للصداقة الإيطالية العربية، إلى جانب قيادات حزبية وسياسية وعدد من البعثات الدبلوماسية في سورية والمهتمين.
تصوير: طارق الحسنية