بسبب انشغال الأهل أو عدم معرفة النتائج.. كتمان الأبناء قنبلة موقوتة يجب الالتفات إليها
اللاذقية – سراب علي:
تصادف الأهالي حالات تثير قلقهم تجاه أطفالهم في مرحلة الدراسة وخصوصاً في الصفوف الأولى، حيث المحيط جديد على الطفل، وأعداد الأشخاص الذين يصادفهم في المدرسة تفوق من كان يتعامل معهم في مرحلة الروضة، كما يصادف الكثير من المواقف، حيث في حالات كثيرة يمتنع عن الحديث عنها لأهله ويكتمها ليفجرها في لحظات وأوقات مفاجئة تثير قلق الأهالي، ناهيك بأن بعض الأطفال يتكتمون ولا يتحدثون نهائياً حتى إنهم لا يبالون لما يجري من حولهم ولا يهتمون بأي حدث يجري في الصف، ليصبح الكتمان رفيقهم في كثير من الأحيان.
أخباره من رفاقه
«أسمع أخبار ابني من رفاقه»، قالتها والدة الطفل مصطفى في الصف الأول بحسرة، وهي التي تحاول مراراً وتكراراً إقناعه بالحديث عن يومه المدرسي ومع من تكّلم ولعب؟ وتحاول تقديم كل ما يحبه ويرغب به ليخبرها، لكن لا فائدة فسكوته بات يخيفها، وتحاول دائماً معرفة أخباره من رفاقه في الصف ومن مدرسيه.
باحثة نفسية: التربية المنزلية والإشباع العاطفي والتفهم لكل ما يجري مع الطفل تعزز ثقته بنفسه وتبعده عن العزلة
كما تؤكد والدة الطفلة زينب من الصف الثاني أن ابنتها لا تبالي لما يجري من أحداث ومواقف في المدرسة، حتى إنها لا تخبرها بأي توجيه أو ملاحظة قالتها لها معلمة الصف، ومن النادر جداً أن تتكلم عن يومها المدرسي إلا في الحالات التي تؤكد وتصرّ فيها والدتها على التحدث معها.
كتمان
أما الوضع بالنسبة للسيدة رابعة، وهي أم لطفلين في الصف الثاني والخامس فهو مختلف تماماً، وهي التي تلوم نفسها فيما وصل إليه ولداها من كتمان من دون قصد، وتقول في حديثها ل«تشرين»: طبيعة عملي كمهندسة وكذلك عملي في شركة خاصة، أبعدتني عن ابنيّ كثيراً، حيث كنت أتركهما لوقت طويل عند جدتهما وكانت تعتني بهما إلى حين عودتي المتأخرة كل يوم، فكنت أساعدهما في حل واجباتهما المدرسية وتأمين متطلباتهما، من دون الحديث معهما عن يومياتهما ومن صادفا ومع من تحدثا؟ وهذه الحال ولسنوات أبعدتهما عني كثيراً، وفي الأحيان التي يريدان فيها التحدث معي أكون مشغولة عنهما، وأعدهما بالتحدث معهما غداً، ولا أفعل، حتى لم يجدا مجالاً أمامهما سوى الكتمان وعدم الحديث معي في أي شيء.
كونوا شركاء
الأهل مسؤولون عن تنمية شخصية الطفل والاهتمام الشامل به وبشؤونه والاستماع إليه، هذا ما أكدته الباحثة بالقضايا النفسية والاجتماعية الدكتورة سلوى شعبان في حديثها لـ«تشرين»، وأضافت: من المهم مشاركة الطفل يومه بالسؤال عما حدث معه، وكيف كان نشاطه؟ وكيف أمضى وقته اليومي المدرسي؟ وماذا تعلم وأخذ من دروس؟ ومن أساء إليه؟ وهل تعرض لكلام أو توبيخ أو عقاب أو أذية؟ يعني أن نكون شركاء له في كل شيء في المدرسة أو النادي أو زيارة الأقارب والأصدقاء ومعرفة كل شيء عن محيط الطفل.
يجب تعليم الأطفال أن يعترضوا على كل ما يسيء إلى حياتهم وعلى الأبوين ألا يتركا مكانهما لأحد في تربيتهم
ولفتت شعبان إلى أن زيارة المدرسة أو الروضة مهمة جداً بأوقات مفاجئة وضرورية، والسؤال الدائم عنه واجب ومهم حتى ما يجري في المنزل، وعلينا مشاركته مع الأبناء وإشراكهم بوضع حلول لمشكلات ونقاشات متعددة لها علاقة بالحياة الأسرية إلا ما كان لا يحق للأبناء معرفته، وهنا يشعر الأبناء بأهمية وجودهم واعتبارهم الإنساني حتى لو كانوا صغاراً.
وأكدت شعبان أن التربية المنزلية والإشباع العاطفي والتفهم لكل ما يجري مع الطفل تعزز ثقته بنفسه وتبعده عن العزلة والكآبة والانحراف، وتعالج كل ما يصيبه من اضطرابات نفسية تلم به وفق تبدلات الحياة ومجرياتها.
أسرار يصعب البوح بها
وأضافت شعبان: إنه قد يُساء فهم الأهل لخصوصية الأبناء والتدخل في طريقة تفكيرهم ومساحتهم الشخصية حتى لو كانوا بأعمار متفاوتة وخصوصاً في ظل وجود طرق التربية الحديثة، وقد يشعر الأهل بالقلق الشديد عند مراقبة الطفل عن بُعد وتغير تصرفاته وتكتمه عن البوح والحديث مع الأهل عن مجريات يومه المدرسي أو خارج المنزل، فتبدو على وجهه ملامح الحيرة والترقب والخوف، وتنعدم ثقته بنفسه وتواصله السليم مع من حوله، ونظرات عينيه الباهتة، ارتجاف الصوت لديه ما يجعله يبتعد عن أبويه وإخوته، لربما يخشى من غضبهم وصراخهم إذا باح لهم بما حدث معه، أو توقع الملامة والعتب والعقاب إذا تعثر بأمر ما في المدرسة أو أخفق أو تعرض لتنمر أو تحرش أو إساءة خارج المنزل، هنا تقع الكارثة الكبرى بعدم البوح وبكتمانه للكلام والصراحة، فيصبح العلاج أصعب ويزداد سوءاً بوجود فجوة بين الأهل والأبناء في ظل غياب الحوار ووجود الأمان والحرية لدى هذا الطفل ما يجعله أكثر تكتماً وحرصاً على جعل يومياته أسراراً يصعب البوح بها.
التجربة تقوي
ولفتت شعبان إلى أن بعض الأهل بعصبية معينة وصراخ وصوت مرتفع وكلمات منفرة وتوعد وتهديد للأبناء عند وجود خطأ ما أو مشكلة أو تقصير تُقطع سبل التواصل والحوار والاستماع للأبناء، ناسين أنهم كانوا أطفالاً وقد مروا بالكثير من التجارب، فالطفل بحاجة أن يتعلم من تجربته وخطئه وتعثره، فالتجربة تقوي وتدعم وتعلم، وتصقل شخصية الطفل، وفي درب نموه وتطور تفكيره يحتاج الطفل للاستقلالية وامتلاك الخصوصية وهذا طبيعي ومقبول بالحد المفهوم بنظرية نموه.
وختمت شعبان بالقول: استمعوا لأطفالكم، شاركوهم كل اللحظات، تقبلوهم بالنجاح والفشل وبالخطأ والصواب، تابعوهم بالتوعية والرقابة الأسرية، كونوا القدوة الحسنة لهم، علّموهم الاعتراض على كل ما يسيء إلى حياتهم، لا تتركوا مكانكم لأحد في تربية فلذة أكبادكم، هم نعمة أعطاها الله لكم فاشكروه على عطاياه باهتمامكم وتربيتكم الصالحة .