رفضاً للواقع وهرباً من التقوقع الاجتماعي.. النوادي الرياضية تستقطب زبائنها من ذوي الدخل المحدود
دمشق – شذى الخضر:
بعد أن عبثت الظروف الصعبة برغباتنا وتطلعاتنا، تبعثرت الطموحات واختلطت الأولويات، فبتنا نلملم ما يمكنه أن يقنعنا بأننا مازلنا متصالحين مع الحياة.. وما بين قناعة ومواراة تخطّى البعض تململه بتمددات فيزيولوجية، وبصورة ملحوظة بعد ازدياد عدد النوادي الرياضية، التي غدت تستقطب شريحة واسعة من أصحاب الدخل المتوسط وما دون، ما يثير التساؤل عن سبب ذلك، فبرغم الضائقة المالية للبعض تراهم يصرّون على متابعة النوادي، ولو على حساب احتياجات أخرى.
العديد من مرتادي النوادي يبحثون عن “البريستيج” الاجتماعي
“بريستيج” اجتماعي
يلجأ الكثير من الأشخاص إلى هذه النوادي رغبةً في الخروج من واقع مرفوض لديهم، قد يُبدّد بقفزةٍ ورقصة، حتى إن كان بوقتٍ محدد، فالأمل المتجدد مع كل تمرين قادر على أن يوجد لهم وسطاً اجتماعياً ينتقونه بإرادتهم، بعيداً عن وجود مفروض عليهم، سواء بالسكن أو مكان العمل، على مبدأ ” قل لي مع من تكون أقل لك من أنت”، وفق رأي العديد منهم.
وهناك من يجد في النادي فرصة جيدة لتكوين صداقات، بعد حالة التقوقع الاجتماعي المنتشرة حالياً، فمفهوم الجيرة واجتماعات العائلة والأقارب بات إطاراً جامداً نضعه على رفّ الذكريات ليس إلا.
ولا ضير من مغافلة الحالة المادية باقتناص بعض الأساسيات لمصلحة الرفاهيات، وقد تشكل الأخيرة ضرورة ملحة لتحسين الحالة النفسية، فأن تعيش تحت رحمة الإيجارات اللاهبة مهرولاً لتأمين قوت يومك المراوغ، لا يعني مطلقاً التسليم بالواقع، فالمنفعة واحدة.
رفاعي: التبعية للنوادي الرياضية للوصول لرضا اجتماعي فقط لن توجد إنساناً مبدعاً
تعلّق خاطئ
يُرجع الخبير النفسي والتربوي رياض رفاعي تخبّط الأشخاص بين رغباتهم وحالتهم الاجتماعية، إلى الترتيب الخاطئ للأولويات، فصحيح أن النوادي توجد حالة من المنافسة المُحببة التي تعطي دفعاً إيجابياً لمرتاديها، لكن هذا لا يعني أن الغاية دائماً هي الهدف، فكم من متدرب انقطع بعد مدةٍ قصيرة، نتيجة ملل مفاجئ أو حساب خاطئ، وخاصةً أن محبي اللياقة لن يعجزهم التمرن ولو منزلياً ضمن مساحةٍ صغيرة للحصول على نتائج مُرضية عن طريق ربط التفكير بالتمرين، أما مسألة التبعية للنوادي لنرضي أنفسنا اجتماعياً فلن توجد إنساناً مبدعاً.
ونوّه إلى ضرورة طرح الاهتمامات الرياضية بصورة جميلة، بدءاً من الحصص المدرسية، التي غالباً تُقابل بالتململ من الطلاب، ربما لأن مدرس المادة الرياضية يحتاج شخصياً إلى تأهيل جدّي يخوله لتحويل الحصة الرياضة إلى نشاط وليس عقاباً.
مخللاتي: كثير من النوادي الرياضية تعمد إلى تخفيض قيمة الانتساب لاستقطاب الشريحة المتوسطة
إقبال مدروس
من منطلق الوسطية ومحاكاة واقع الضائقة المادية، تلفت المدربة الرياضية راما مخللاتي، بصفتها “كوتش” في أحد النوادي، إلى أن كثيراً من الصالات الرياضية حالياً تعمد إلى تخفيض القيمة المادية للانتساب، وبذلك تستقطب عدداً أكبر من الروّاد، ما يجعل ارتياد هذه النوادي خطوة ممكنة لشريحة واسعة تجد فيها متنفساً بعيداً عن ضغوط الواقع، فأغلب المتدربين لديهم من الطبقة الوسطى من كلا الجنسين، طبعاً مع وجود نوادٍ ضخمة وأسماء شهيرة لها روادها وميزانياتها ومناطقها الراقية، لكن في المناطق الوسطية والشعبية لابد أن تكون التسعيرة متناسبة مع الحالة المعيشية.
وفيما يتعلق بالنظام الغذائي الواجب اتباعه، تُبيّن مخللاتي أن كلاً حسب ميزانيته المادية، فالمقتدر مالياً يُنصح بنظام غذائي قوي، يعتمد على البروتينات وكل ما غلا ثمنه وطاب، أما من لا يستطيع فيمكنه الاعتماد على ما يتناوله بشكل يومي مع بعض التوصيات البسيطة، وتتفاوت رغبة المتدربين بين التنحيف وحتى التسمين، وفي الغالب تكون اللياقة ونحت الجسم مطلبهم الأول.
معيار للتفاضل
ويرى رفاعي أن الرياضة في كل دول العالم المتقدمة تستخدم كمعيار للتفاضل بين الناس وعلاقاتهم الاجتماعية، ففي مقابلات العمل لكُبرى الشركات، يُسأل عن الاهتمامات الرياضية للمتقدمين كشرط للقبول، ليس من منطلق “ميتافيزيقي”، بل لأن ممارسة الرياضة تجعل الشخص ذا مرونة اجتماعية، وبالتالي أكثر تقبلاً للآخر، فالرياضة ثقافة مجتمع قادرة على معالجة العديد من الأمراض النفسية ومشكلات التوتر والقلق.
يعقوب: ميزان القيمة مضطرب والحل بالموازنة بين ما نمتلك وما نريد
ميزان القيمة مضطرب
يُرجع الخبير النفسي عيسى يعقوب موضوع تقييم الأشياء لدى الأشخاص بطريقة عشوائية، لا تخضع لمعايير الواقعية، إلى حالة رفض للواقع من هؤلاء، والتي تُعرف بـ”نقطة عدم التوازن” وفيها يقاس التوافق مع الشعور المسيطر عليهم، وعندها لا تتساوى المشاعر الداخلية مع قيمة الرغبات والحاجات الخارجية، ما يولد حالة تشتت تسيطر على الأفعال، ويرى أن الحل يكون في تغيير النظرة لما نمتلك وما نريد، عندها ستتضح الأمور ونراها من زاوية أكثر منطقية، ما يخفض مستويات التعلق بالأشياء الخارجية.
جولة رغبات
إن خضنا جولة سريعة في دهاليز رغباتنا فسنكتشف أن لدينا القدرة على تطويعها لما يناسبنا ويرضينا، بعيداً عن التصنّع و”البريستيج”، لكن إن نظرنا للمسألة من زاوية مقابلة فسنجد أن هذا التصنع محمود بطريقة أو أخرى، مادام لا يضر أحداً، حتى إن شكّل غصة مالية لصاحبه، فبجرعة ثقةٍ رياضية ووجبة علاقات اجتماعية تتصالح الرغبة مع الواقع، فلا ضرر ولا ضرار، وما افتقدناه نفسياً قد نعثر عليه رياضياً، علنا نحظى بهرمون السعادة، الذي ينشط بازدياد الجهد الرياضي، وبما أننا شعب يعترف لنا القاصي والداني بأننا من صُناع الأمل والسعادة..” فلِمَ لا”؟.