رأى البعض أن أهم ما حققته مقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الصحفي الأمريكي تاكر غارسون أنها كسرت الحصار الإعلامي الذي فرضه الغرب على وجهة النظر الروسية عامة، وعلى الرئيس بوتين خاصة، ورغم صحة هذا الرأي فإنني أرى أيضاً، أن ما كشفه الرئيس بوتين عن الرؤساء الأمريكيين أهم بكثير، لأنه يفيدنا بفهم آلية العمل في الإدارة الأمريكية، فما الذي كشفه بوتين عن رؤساء أمريكا؟؟
أهمية ما نقله الرئيس الروسي عن رؤساء أمريكا، انه جاء كتجربة إنسانية خاضها بنفسه مع هؤلاء الرؤساء، فقد نقل – مثلاً – ما جرى بينه وبين الرئيس بيل كلينتون، عندما سأله، هل تقبل واشنطن انضمام روسيا إلى حلف «ناتو»؟ وبعد أن صور بوتين كيف تفاجأ كلينتون بطرحه، سجل له أنه قال بعد تعجبه، إن واشنطن ستقبل روسيا في عضوية «ناتو» إذا طلبت هي طلبت هذه العضوية، ثم أضاف بوتين أن كلينتون في اليوم التالي وعلى العشاء، سارع ليقول له, بالنسبة لعضوية روسيا في «ناتو»، سألت فريقي وتبين لي أنه من المستحيل قبول هذه العضوية في «ناتو»، وهكذا فإن ما قرره الرئيس كلينتون في اليوم الأول بقبول روسيا في «ناتو»، عاد في اليوم التالي ليعترف بأن فريقه نقض رأيه وأبطل قراره، ودفعه ليبين لبوتين أن لا رأي له، وأن القرار لفريقه، وهناك من يرى في هذه الحادثة دليلاً على أن القرار الأمريكي لا يصنعه الرئيس الأمريكي، بل يصنعه فريقه، والذي يمثل «الدولة العميقة» المتحكمة بكل شيء حتى بقرار الرئيس.
المهارة في اختيار توقيت المقابلة، وتفاصيل محتواها، يتضح من تأثيرها على الانتخابات الأمريكية التي بدأت حملاتها بين بايدن وترامب، ويمكننا أن نقول إن بوتين كان في مقابلته هذه وضع أمام الشعب الأمريكي حقيقة الرئيس الأمريكي، وجوهر السياسة الأمريكية خاصة تجاه العالم، فمن تأكيده أن «هزيمة روسيا في أوكرانيا مستحيلة» وهو الأمر الذي يجعل دعم كييف مضيعة للأموال وهدر للهيبة الأمريكية، كما إن إبرازه عجز الكونغرس عن التمويل، تمويل الحكومة أولاً، فكيف بتمويلها للحرب في أوكرانيا تالياً؟؟، وهذا مثال من الأمثلة المؤثرة في النخبة الأمريكية، والتي ساقها الرئيس بوتين في مقابلته..
بينما يتلعثم بايدن في خطاباته، ويتشاقى ترامب بين المحاكم ناكراً رذالاته، يسدد بوتين «ضربة إعلامية» تهز الرأي العام الأمريكي، ويبدو أن الرئيس الروسي خطط ورسم وحشد لمعركته الإعلامية هذه بشكل جيد، من طريقة الخطاب البسيطة، إلى صياغة الأحداث المروية بشكلها المشوق، إلى الاستنتاجات المنطقية، إلى بساطة الجلسة، وودية التوجه، كل ذلك أنتج مقابلة إعلامية، حركت مئات الملايين من المتابعين خاصة في أمريكا، وشكل تجربة إعلامية وسياسية تستحق الدراسة، وسنعود للتفصيل بها لاحقاً، لأنها بحق شكلت نصراً إعلامياً فصيحاً أمامه تلعثم بايدن وسخافات ترامب !!.
د. فؤاد شربجي
130 المشاركات