عقود من الزمن ونحن نمارس العمل الصّحفي الاقتصادي، سمعنا فيها الكثير عن “التشاركية مع الخاص” سواء في ميدان الاقتصاد، أم في ميدان الحياة الاجتماعية والخدمية وغير ذلك، حيث ظهرت أوجه مختلفة لها، تارة في الإنتاج، وأكثرها في ميدان الخدمات، صاحب المردود المادي الأسرع، والذي يتهافت عليه الكثير من أهل المال، وشهدنا نجاحات مختلفة لكنها لم ترقَ إلى مستوى التشاركية بمعناه الحقيقي، إلى جانب حالات بقيت حبراً على ورق من دون أي تنفيذ، وبقيت تشاركية بالاسم، لم تحظ بأسباب الولادة الصحيحة.
رغم الدراسات والرؤى والخطط، وعشرات المؤتمرات والندوات التي نادت بتشاركية المنفعة المتبادلة بين القطاعين “العام والخاص”، تضمنت طرح مئات المشروعات للتشاركية مع الخاص، وقدمت الحكومة ما عليها من قوانين داعمة، وإجراءات ميسرة للتنفيذ، والكثير من مقومات الترجمة الفعلية، فكم من مشروع استثماري نُفِذ تحت مظلة التشاركية؟، ومَن هي الجهات التي تقدمت بمقترحاتها لتنفيذ تعاون يحقق منفعة متبادلة وليس لطرف دون الآخر؟
الذي يثير الشكوك حولها موقف رأس المال الوطني من هذه الطروحات الاستثمارية، وخاصة التي تقدمت بها الحكومة، ولاسيما المتوقف منها عن الإنتاج، لأسباب مختلفة، منها ما يتعلق بفقدان أسباب وجودها، ومنها بسبب نقص رؤوس الأموال الداعمة، وأخرى تتعلق بتدهور نظام إدارتها، وتقاذف المسؤوليات بين الحكومة والجهات المسؤولة، وظهور تشاركية خاصة برأس المال الخاص تحاكي منفعته، الأمر الذي أخّر كثيراً، ظهور تشاركية المنفعة المتبادلة، والربح الذي يحققه أطراف المعادلة من دون غبن، أو خسارة تذكر بدليل أنّ شركات صناعية متوقفة منذ سنوات لم تنجح كل طروحات وزارة الصناعة من أجل استثمارها، منها شركة الكبريت، والزجاج في دمشق وحلب، والجرارات، و شركات الكونسرة في الميادين ودرعا وإدلب، وغيرها كثير في ميادين عمل مختلفة مازالت تشهد صيحات التشاركية الخُلبية.
لكن ما يثير الاستغراب الهائل حول مفهوم الخاص عن تشاركية المنفعة مع العام، وابتعاده كلياً عن شراكات تحتاجها الدولة في مواقع محددة، بحاجة فيها إلى التعاون والتشاركية التي تؤمن خطوات دعم يستفيد منها الجميع، وذهابه نحو مواقع وميادين عمل هي بالأساس رابحة، ولا تحتاج لأدنى مفهوم التشاركية، بل على العكس يسعى القطاع الخاص للدخول فيها تحت مسميات مختلفة، يبحث فيها عن حصص رابحة، وما نسمعه اليوم عن دخول شركات خاصة أصبحت مسؤولة عن الفحص الفني للسيارات بالرغم من وجود عشرات المهندسين في مديريات النقل ، إلى جانب خسارة مليارات الليرات شهرياً وذهابها إلى فئة قليلة عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة!
فأيّ استثمار هذا الذي يفقد خزينة الدولة عوائدها المادية؟ وأي تشاركية يبحث عنها القطاع الخاص لتحقيق المنفعة المتبادلة مع العام؟
إنّها تشاركية طمع من أجل نهب الثروات تحت ما يُسمى استثمار أو تشاركية باطلة بكل معانيها!
سامي عيسى
165 المشاركات