أميركا «المردوعة»

لا تُقدم، ولم تقدم، ولن تقدم، الإدارات الأمريكية على أي عمل عسكري أو سياسي من دون أن تكون لها مصلحة فيه ومستفيدة منه على جميع الصعد، ومن المؤكد أن العدوان الأمريكي الأخير على سورية والعراق له أهداف عدة؛ في مقدمتها: أهداف انتخابية داخلية أمريكية بحتة يحاول بايدن استغلالها ليرفع رصيده فيها، وثانيها: دعم لكيان الاحتلال الإسرائيلي الغارق في أوحال غزة منذ أربعة أشهر، في محاولة لإنقاذها بعد أن وصلت سكين المقاومة إلى عنقها، فالدولة العميقة الأمريكية تدرك جيداً هذه الأيّام أن كيان الاحتلال بات مهدداً بشكل خطير بعد عمليّة «طوفان الأقصى» التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في الـ 7 من تشرين الأول الماضي، ولذلك تحاول إنقاذها قبل فوات الأوان.
لقد بدأت أمريكا ردها على عملية المقاومة، والتي أدت إلى سقوط ثلاثة قتلى أمريكيين وأكثر من 40 مصاباً، فقامت بشن عدوان على سورية والعراق.‏
عملية الرد الأمريكية هذه في العراق وسورية، استهدفت قوى ومجموعات وفصائل تنتمي الى محور المقاومة وتتمركز في منطقتي الميادين والبوكمال السوريتين، وهي التي تتصدى لفلول تنظيم «داعش» الإرهابي، الذين ينشطون في منطقة البادية تحت رعاية ودعم أمريكيين، وبالتالي تحاول إدارة بايدن أن تحقق عدة أهداف بضربة واحدة، الأول أن تسجل نقطة لنفسها بأنها قامت بالانتقام لقتلاها من الجنود الأمريكيين، والثاني، أن تقوم بعرقلة محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي الذي يعمل تحت رايتها وبإمرتها، وذلك من خلال استهداف فصائل المقاومة في سورية والعراق، كما تظهر عملية قصفها على أنه استهداف مباشر لحرس الثورة الإيرانية، لكي توحي للداخل الأمريكي وخاصة أولئك التابعين لمعسكر الخضم وعلى رأسه الرئيس السابق دونالد ترامب ولمعسكر المحافظين الجدد والجمهوريين، بقوة وصلابة بايدن.
ومن هنا نسأل: هل نسيت أمريكا ورئيسها بايدن، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، تحريضه على غزو العِراق واحتِلاله وتقسيمه، ونهب ثرواته، هل ننسى أن بلاده قتلت أكثر من مِليوني عراقي بالقذائف والقصف الوحشي، ومنهم الآلاف ممن فتك بهم الجوع بسبب حربها، فلماذا يحق لأمريكا الثأر لثلاثة قتلى ولا يحق للعراقيين الثأر لمقتلِ مِليونين؟
هل ننسى، محاولة تفكيك سورية، عبر «الفوضى الخلاقة»، ومحاولة تدمير ليبيا، واليمن، وتحويل معظم الدول العربية إلى دول فاشلة وغارقة في الفساد والدّيون، ورهينة لصندوق النقد الدولي؟.
أمريكا التي كانت تعارض بقوّة توسيع دائرة حرب غزة، ها هي تقوم بما نهت عنه، وحذّرت منه، وتفتح جبهات في عدة دول بغاراتها، ومجازرها، وتحول منطقة الشرق الأوسط كلها إلى ميادين حرب، وفوضى دموية، وكل هذا من أجل «إسرائيل» وتأييد حرب إبادتها وتطهيرها العرقي في غزة والضفّة.
قصارى القول.. إن هذا العدوان الذي قامت فيه أمريكا هدفه الأول زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتأجيج الصراع والتوتر وتصعيد ‏الحروب فيها، والأهم أن هذا العدوان وهو اعتداء سافر صارخ على سيادة دولتين عضوين في الأمم المتحدة، خذل أمريكا وأثبت من خلال نتائجه وتطورات الأيام التي تلته أن أمريكا التي تقول إن هدفها الردع.. أثبتت أنها هي المردوعة وحتى تغير هذا الوضع الكارثي بالنسبة لها تلجأ إلى العدوان وإلى جر المنطقة كلها إلى دائرة الحروب والفوضى.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار