بعد عدوان أميركي جديد.. المنطقة على وقع الردود وبلينكن بمهمة مُتجددة
تشرين – هبا علي أحمد:
كان من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية لن تُسلّم بسهولة للمعطيات الدولية والإقليمية التي تسير بخلاف سطوتها نحو تشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب والتوجهات، ولم تتأخر في التعبير عن ذلك من خلال عدوانها الأخير على سورية والعراق الذي لم يأتِ فقط للرد على استهداف قواتها في الأردن الأسبوع الماضي، بقدر ما يأتي تعويضاً عن الخسائر المتتالية التي مُنيت بها واشنطن ومعها العدو الصهيوني في قطاع غزة حيث يواصل عدوانه الذي فاق كلّ وصف، وبقدر ما يأتي أيضاً ترميماً لصورة «الهيبة»، إذ إن واشنطن لا تستطيع بأي حال التخلص من هذه الصورة والخروج من عباءتها لأن في ذلك مقتلها الحتمي والنهائي.
العدوان الأميركي على سورية والعراق لم يأتِ فقط ضمن مزاعم «الرد» بل هو تعويض عن الخسائر المتتالية وعن فقدان «الهيبة»
بلينكن في المنطقة
في خضم ذلك نجد أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يُجدد زيارته إلى المنطقة للمرة الخامسة منذ الـ7 من تشرين الأول 2023 والسادسة إلى كيان الاحتلال، ونلاحظ أن زيارات بلينكن تأتي دائماً بعد تصعيد ما ومنعطف حاسم في سياق تطورات المنطقة المرتبطة أساساً بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وهذه المرة بعد العدوان الأميركي على سورية والعراق، حيث يتبادر إلى الذهن سريعاً أن واشنطن تريد الاحتواء مبدئياً عند كل مفصل، وقد يتساءل البعض مادامت واشنطن تريد الاحتواء لماذا التصعيد إذاً؟ في الحقيقة التصعيد ضرورة لواشنطن كما ذكرنا مراراً في هذا الموضع لأسباب سياسية وانتخابية أولاً، وحتى لا تظهر الولايات المتحدة بمظهر من يُهدد من دون أن يفعل، فلا بد من اقتران قولها بالفعل هذا من جهة، ومن جهة ثانية تتعلق بموضوع الحرب أو الحروب التي يتمّ الحديث عنها من أن الولايات المتحدة الأميركية تريدها ولا تريدها، من هنا يمكن القول إن واشنطن وللحقيقة تحسب خطواتها وتتعاطى بحذر شديد في هذا السياق فهي تريد الحرب التي يبدؤها غيرها، بمعنى جر دول المنطقة إلى صراع حاسم تدخله هي فيما بعد تحت مزاعم «الدفاع» و«حفظ الأمن والاستقرار الدوليين»، وهذا بات واضحاً للجميع ولكن عند الدقائق المفصلية تستوجب إعادة التموضع والتذكير، والدليل أن واشنطن لا تريد حرباً بمعناها الحقيقي، حيث إنها تتحدث منذ أسبوع عن ردها على ضربة الأردن بما يشبه التحذير المسبق والإحاطة بالعلم، وبما أن المقصد من وراء العدوان الأميركي إيران كما تدعي واشنطن، فإنها لن تقدم بأي حال مرحلياً على استهداف مباشر ضمن الأراضي الإيرانية بما لذلك من تداعيات لا يحتملها أي من الأطراف، لذلك فإن هذا العدوان يمكن وصفه بالعدوان الموضعي من دون التقليل من خطورته وانتهاكه للسيادتين السورية والعراقية، ويجب ألا ننسى أن العدوان الأميركي يندرج ضمن أهداف تخفيف الضغط على كيان الاحتلال الإسرائيلي في ظل وحدة الساحات من فلسطين إلى اليمن والعراق وسورية ولبنان وإيران.
إذا كان البعض يعتقد أن واشنطن تسعى إلى الاحتواء فلماذا تصعّد إذاً؟ فالتصعيد ضرورة أميركية وواشنطن تحسب خطواتها بحذر شديد.. تريد الحرب من دون أن تكون هي من يبدؤها
الرد والرد على الرد
إذاً كيف سيكون الوضع المقبل في المنطقة في ظل هذه المعطيات؟ ربما وإلى حين حسم العدوان الإسرائيلي على غزة ستبقى المنطقة في سياق الردود، أي الردّ والردّ على الردّ لأن تكاليف الحرب بمعناها الفعلي أشد وطأة مما هو حاصل اليوم، رغم أنه ليس بالقليل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وعلى جميع الأطراف، فواشنطن زعمت أن عدوانها رد على استهداف قواتها بالأردن، في حين توعد رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق فالح الفياض القوات الأميركية بعد الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت مواقع للحشد ومواقع مدنية في العراق، قائلاً: الغارات الأميركية استهدفت مباني إدارية للحشد ولن تمر مرور الكرام، مشدداً على ضرورة مغادرة القوات الأجنبية أرض العراق لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء، مؤكداً أن استهداف الحشد الشعبي هو لعبٌ بالنار.
في الوقت ذاته شدّد المتحدث باسم القوات المسلّحة اليمنية العميد يحيى سريع على أن الاعتداءات الأميركية – البريطانية على اليمن لن تمر من دون رد وعقاب، مُجدّداً موقف اليمن بقوله: إنّ الغارات لن تثنينا عن موقفنا الأخلاقي والديني والإنساني المساند للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة.
إلى حين حسم العدوان الإسرائيلي على غزة ستبقى المنطقة في سياق الردود لأن تكاليف الحرب بمعناها الفعلي أشد وطأة مما هو حاصل اليوم
«يدُنا هي السفلى»
على ما يبدو أنه مهما حاولت الولايات المتحدة الأميركية من تخفيف الضغط على كيان الاحتلال والتقليل من هزيمته، فإن الحقائق لا يمكن التعتيم عليها إلى الأبد، ولاسيما تلك التي تخرج من قلب الكيان والتي تتحدث دائماً عن الأثمان الباهظة المترتبة على الهمجية الصهيونية، وفي ذلك قال رئيس جهاز «الموساد» الإسرائيلي السابق، يوسي كوهين: إنّ «إسرائيل» ستحتاج إلى 5 أعوام بعد الحرب من أجل استعادة عافيتها، وسيتعين عليها دفع ثمن باهظ لاستعادة الأسرى من قطاع غزة، مضيفاً: صفقة الأسرى سيكون لها ثمنٌ باهظ.. لأنه كما هو معروف يدُنا هي السفلى منذ السابع من تشرين الأول، والآن نتغلب على هذه الصعوبة.
-«إسرائيل» تحتاج إلى 5 أعوام بعد الحرب من أجل استعادة عافيتها وسيتعيّن عليها دفع ثمن باهظ لاستعادة الأسرى من قطاع غزة
حرمان من مقوّمات العيش
وفي إطار عملها الممنهج على حرمان الفلسطينيين من مقوّمات العيش، عمدت قوات الاحتلال إلى تفجير الأبنية السكنية غرب خان يونس ووسطها، في حين ما زال محيط مستشفى الأمل يتعرّض للقصف، حيث وصل عدد من الشهداء إلى مجمع ناصر الطبي إثر القصف الإسرائيلي المتواصل، كما استهدف الاحتلال روضة للأطفال نزحت إليها عائلات شرق رفح جنوب قطاع غزة، الأمر الذي أسفر عن استشهاد فلسطينيين وإصابة آخرين.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة ارتفاع عدد الشهداء إلى 27365، بينما أُصيب 66630 فلسطينياً، منذ الـ7 من تشرين الأول الماضي من جراء العدوان الإسرائيلي المستمر، مضيفة: الاحتلال ارتكب 14 مجزرةً بحق العائلات في القطاع، راح ضحيتها 127 شهيداً و 178 إصابة خلال الساعات الـ24 الماضية.